عزيز غزواني سراب الديموقراطية المدمر و فرصة الإصلاح السياسي/ح2
إن الفهم الخاطئ أو غير الدقيق لمفهوم النظام السياسي لدى المعارضة الموريتانية عموما و الأنظمة الموريتانية التي حكمت الجمهورية منذ نشأتها وحتى اليوم من أكبر وأهم أسباب عدم قدرة الموريتانيين على بناء النظام السياسي الذي يضمن تراكمية البناء و التطور من أجل الإنسان الموريتاني الذي هو أساس و هدف و وسيلة السياسة.
لقد ظلت المعارضة الموريتانية تعتقد أن النظام السياسي يعني وصولها إلى الحكم كما ظلت الأنظمة الموريتانية تعتقد أن النظام السياسي يعني ما يمكنها من التحكم و هذا ما انعكس سلبا على نتائج أي حوار بين المعارضة و جميع الأنظمة فالمعارضة تحاور النظام لانتزاع الحكم الذي تعتبره سبب وجودها و النظام يحاور المعارضة لمواصلة التحكم في الدولة الذي يعتبره سبب وجوده،و هذا ما يعني تلقائيا تغييب المسائل الجوهرية التي يجب أن يكون الحوار من أجلها أصلا مثل النهوض بالإنسان الموريتاني ثقافة و فكرا و دينا و الحفاظ على مستقبله وبناء الدولةورسم معالم مستقبلها و الفصل بين السلطات بشكل حقيقي و تفعيل السلطة الرقابية وضمان إستقلاليتهاوتقنين مبدإ المكافأة وتحديده و تجريم الإنتقام السياسي أو النقابي و غيرهما من أشكال الإنتقام الظالم وخلق جو المنافسة الإيجابية و تمكين الفائز من تطبيق برامجه و ضمان الخروج الآمن و المشرف للخاسر وذلك من أجل ضمان تراكمية بناء الدولة كي تواصل طريقها نحو النمو بدلا من الرجوع بها إلى نقطة المنطلق بعد أي " تغيير" في الحكم حتى ولو كان ذلك التغيير استخلافا!!
إن هذا الخلل العضوي في المنطلقات عند الذهاب إلى الحوار أو التشاور هو ما أدى بالنخبة السياسية -من غير أن تشعر- إلى الدخول في حلقة مفرغة بسبب الخلل الجسيم الذي انطلقت منه في مفهومها للنظام السياسي (معارض=)الحكم=)التحكم=)السقوط =) معارض)فتكون النتيجة دائما في أي حوار وطني عبارة عن مجموعة من التنازلات المغرية في ظاهرها و المخادعة في باطنهاوذلك من أجل المراوغة السياسية و ليس من أجل إصلاح النظام السياسي الذي لم يكن الحوار من أجله أصلا نظرا لغياب مفهومه الصحيح عند المتحاورين.
إن هوس السياسيين معارضة و موالاة و تعطشهم للتحكم و الإنفراد بالسلطة ، بسبب الأمراض الإجتماعية المزمنة المنتقلة عبر مجتمعنا البدائي الشرائحي،و كارثية تغيير رأس السلطة في الدولة الموروثة عن فوضوية و أحيانا دموية تغيير السلطةفي مجتمعاتنا قبل ظهور الجمهورية، أمور شغلت الموريتانيين عن التفكير،بأذهان صافية، في نظام سياسي عادل و شفاف و قابل للتطبيق يبني حاضرهم و يضمن مستقبل أجيالهم.
لقد قادت المستشارة الألمانية أنجيلا مركل ألمانيا إلى التربع على عرش السياسة الأوروبية و إلى بناء أضخم و أقوى إقتصاد أوروبي لمدة ستة عشر عاما و ذلك بحكومة أقلية دون ممارسة أي نوع من أنواع التحكم و بحكم تشاركي و دون حرب واحدة،بينما قاد أودلف هتلر نفس الدولة بحكم فردي و تحكم مطلق في السلطةإلى دمار حقيقي و حروب طاحنة مع جميع دول العالم تقريبا!!
الحقيقة أن النظام السياسي في العلوم السياسيةأكثر تعقيدا وأكثر أهمية و أشد إلحاحا من تصور معارضتنا و حكامنا، إنه الضامن الحقيقي للتطور و التعايش السلميو حل مشاكل الشعوب و الموجه الفعلي للمستقبل و المؤشر العلمي لرقي الشعوب و نضجها.
إن نجاح و نجاعة أي حوار أو تشاور مرتبط بمدى الفهم الصحيح لمفهوم النظام السياسي لدى المتحاورين و مدى إدراكهم لضرورة إصلاحه قبل أية إصلاحات أخرى.
طابت أوقاتكم...يتواصل
باب ولد الشيخ سيديا.
خبير إقتصادي وسياسي