"لقد صدمت حين علمت ان ناصر قد اعتقل. لم أكن أريد أن أصدق ذلك في البداية. الاعتقال هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لك في سوريا. مهما كانت طريقة الموت - الشيء الرئيسي هو عدم الموت بهذه الطريقة – وهذا ما سيقوله معظم السوريين. ‘أنا بحاجة للحصول على إحدى هذه الحبوب التي تقتل على الفور'، كان قد أخبرني ناصر قبل فترة وجيزة من اعتقاله. كان يخطط مسبقاً لكيفية الإفلات من الاعتقال ثم تم القاء القبض عليه في مكتب تسجيل الأجانب كونه يحمل الجنسية الفلسطينية. وقالت سميرة، "مرت على ذهني فوراً صور الجثث التي تعرضت للتعذيب. ولكن طمأنني عمي أن ناصر سيخرج حراً في غضون أيام قليلة مضيفاً أنه على صلة بأحد من الداخل. بدأنا بجمع الأموال المطلوبة منا بينما يملؤنا أمل كبير. هذا ما جرى في شهر تشرين أول/أكتوبر 2014 الماضي. كان من المفترض أن ندفع مبلغ قدره 4,000 دولار أمريكي أولاً ثم ازداد إلى 20,000 دولار وفي النهاية تضاعف المبلغ إلى 60,000 دولار. ولم نتمكن من معرفة مكانه منذ شهر كانون الثاني/يناير 2015. وعلى الرغم من أنهم ما زالوا يطالبوننا بمزيد من المال إلا أننا لا نعلم حتى إذا كان ناصر لا يزال على قيد الحياة".
إن عدد الذين اعتقلوا في سوريا منذ عام 2011 غير واضح. وتقدر منظمة حقوق الإنسان السورية، مركز توثيق الانتهاكات، أن العدد يبلغ نحو 200,000 شخص. ونتيجة عدم إصدار أي مذكرة توقيف بحقهم وعدم إبلاغ عائلات المعتقلين، يصبح المصطلح المستخدم لهذه الاعتقالات هو "الاختفاء القسري". ويشكل الشبان في عمر العشرينيات والثلاثينيات العدد الأكبر من الذين اختفوا إلا أن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا وثق حالات اعتقال لقصار من البنات والشبان. وبدأ النظام السوري في عام 2011 بملاحقة من يخطط لاحتجاجات مناهضة للنظام. وكلما ازداد العنف في خوض النزاع وساءت ظروف التزويد بالحاجات، كلما أثر ذلك على الموظفين في المجالين الإنساني والطبي. ويقول عامر، الضابط السابق في الجيش السوري، "يُقدر حتى الآن أن 90% من الذين اعتقلهم النظام أو ميليشيا تابعة للنظام ليس لهم أيأي علاقة بالثورة". ويحصي تقرير "سيزر" – الذي سمي بذلك تيمناً بمصور الجيش السوري المنشق- أن 11,000 شخص لقوا حتفهم في مراكز الاحتجاز، إما جراء التعذيب أو نتيجة ظروف السجن الكارثية عمداً.
ويختفي الناس إما في مكاتب تابعة للحكومة أو على حواجز الجيش أو الجيش الشعبي، وهو عبارة عن وحدات شبه عسكرية تتكون من مدنيين مسلحين تم تجهيزهم من قبل النظام. وقد اشتهروا في البداية باسم "الشبيحة" وانضموا إلى الجيش السوري بشكل غير رسمي منذ ذلك الحين. وهذه هي المجموعات الأولى ضمن سلسلة طويلة من المستفيدين من تجارة الاعتقالات في سوريا.
وتجري الاعتقالات في الوقت الحالي على نطاق واسع ويتم إحضار المعتقلين إلى السجون الرسمية المكتظة من قبل بدء الثورة وإلى مراكز الاستجواب السرية التابعة لمختلف أجهزة المخابرات. ويعبر العدد المتزايد للاعتقالات عن نظام يتخذ اجراءات قوية ضد المدنيين، ليس هذا فحسب بل يظهر كذلك تعويل هذا النظام من البداية على "حل آمن" وهو العنف بدلاً من السياسة.
تُعتبر الحرية المطلقة في الحكم فيما يتعلق بالاعتقالات إحدى السبل التي يُمَكِّن النظام من خلالها عدة أجزاء من أجهزة الأمن إثراء أنفسهم بأنفسهم. وبهذه الطريقة، يؤمن النظام الدعم لنشاطاته في أوقات الانحطاط الاقتصادي. أما الذين يُتركون لمعاناتهم فهم آلاف السوريين المفقودين وعائلاتهم. ومن ناحية، فإن القضية هي قضية فساد حقيقي يُستَخدَم فيها المال كوسيلة للحصول على خدمة، ومن ناحية أخرى تُعتبر عملية نصب تامة حيث يُوعد الشخص بأداء الخدمة مقابل مبلغ من المال ولكن لا يتحقق الوعد.
وقال أمجد وهو أحد النشطاء، "عند بدء الاعتقالات كان الناس يرهبون بشكل أكبر طلب دفع الفدية مقابل أحد أفراد عائلتهم. وكانت الاعتقالات في عام 2011 موجهة بشكل أدق، أما في الوقت الحاضر فيمكن اعتقال أي شخص. كذلك كان من الممكن في السابق الحكم على الشخص بالبراءة، أما الآن يمكن نهب الشخص على الحاجز ومن ثم اخفاءه.
بقلم / انصار جاسم