في درس من دروس الأصول حول الإجتهاد ومراتب المجتهدين والفرق بين المجتهد المطلق والمقيد، سألنا العلامة يحيانّ رحمه الله تعالى عن أي من علماء البلد يراه في رتبة مجتهد المذهب، وقد كنا نتوقع عدة أسماء بداهة وبشكل تلقائي من مثل الإمام بداه والمرابط عدود رحمهما الله تعالى، إلا أن إجابته بقدر ما كانت مفاجئة لنا كانت حاسمة حين قال: "في علمي... وحده محمد سالم ولد المحبوبي من يجوز وصفه بمجتهد المذهب، إذ لا توجد شاردة ولا واردة في فقه الإمام مالك إلا ويصطحبها مستحضرا دليلها".
كان رحمه الله تعالى سامقاً في أخلاقه، غزيرا في علمه، بليغاً في عبارته، حاضر البديهة دوما، ولا يمكن أن تتوقع ردوده.
كان ذاك اليدالي الذي لا يُمل،
والشاذلي الذي لا تنقطع أذكاره،
المتشبع بشيم الزوايا حتى النخاع،
وكان البحر الذي يستحيل حده بمجال
أو حشره في اختصاص، والزاهد في كل أمر إلا أن يكون علما أو حسنة.
وحين "فرَّ" بتعبيره من القضاء إلى التدريس، كان يضفي على تعابير ابن الجراح ظلالا من تعابير أهله: نعم أفر من قدر الله إلى 'قدر الله'....
شرُفتُ بأن كنت تلميذه لسنوات أربع إلى جانب عدد من الطلاب بالمعهد العالي، وعلى مدار السنوات الأربع كانوا جميعا يتمنون لو تواصلت دروسه ومحاضراته بلا توقف.
ويوم كرمني بصحبته بعد التخرج في رحلة "گيطنه" إلى تَرْوَنْ دامت قرابة الشهر، كنت أرى المختصين بشؤون النخل بقريتنا مشدوهين أمام غزارة معلوماته عن النخيل وتفاصيل التفاصيل منه، وهو الطالع من بين القتاد والهجليج، وعلى الرغم من أنه لم يقدم لهم يوما معلومة إنما كان يطرح أسئلة، ومن خلال أسئلته كانت دهشتهم.
لتواضعه الفذ رفض أن يؤم المصلين بمسجد القرية حين طلبوه وبإلحاحٍ لذلك، وحين هم بالرحيل كانت عبارات أحد مشايخ القرية تشيعه: لقد استفدنا منكم كثيرا وتعلمنا منكم الكثير رغم قصر المدة، لكننا لم نشعر يوما بأننا عديموا الفائدة قبلكم، فنحن للأسف لم نفدكم بشيء.
الوزير السابق/ سيدي محمد محم