كاتبة مشهورة تكتب عن الزواج السري في ثوبه الجديد(يستحق القراءة)

أربعاء, 14/07/2021 - 15:29

الزواج السِّري في ثوبه الجديد.

......ا

مبدئيا لم ولن أستمع لصوتيات النائب، وأكره الصوتيات عمومًا وعورات الثِّقة والمجالس.

قرأتُ فقط بعض التعليقات العابرة عليها، وقطعا لَوْ خُيِّرتُ بين الكتابة عن دَناسة السِّياسة، ودسائس "الوناَسة" سأختار الأخيرة..لكني هنا أكتب بشكل عامٍّ جدًّا ومُجرَّدٍ.

منذُ ثلاثة عقود تصاعديًّا، نُزعت وزرة الخجل والمذمَّة عن الزَّواج السِّري، فشاع في عالمين مُتوازيين، أحدهما يُعطي الانطباع بالمُيوعة في كلِّ شيء، والثاني يُحاول ترك انطباع بعفَّة بالإحصانِ والامتثال في كلِّ شيء،.. استفحلت الظاهرة، وتحوَّلت لفعل مُشرِّعٍ لتَعدُّدٍ مُستَتِر، ثم لاستثمار مُربح في أمر مرغوبٍ ومطلوب، ثم لخيَّار مقبولٍ ضمنا لكل الأعمار.

زواج السِّر في صيغته التقليدية الأولى، ربما كان ممارسة مثلا من رجل مرَّ به العُمر بسرعة الريح، وأراد التعويض بإنفاذ رغبة سابقة بنزوة لاحقة،.. وتمارسه أحيانا سيدة تقدَّم بها العُمر، فتصنع في الأمل مُتَّسعا خفيًّا مع عابر مُتعة يُبقيها على قيد الأنوثة،.. وقد تتحايل به أخرى على كفاءةٍ النَّسب لفاقة معلومة.

وربما مارسه شابٌ مُنصرفٌ إلى تعليم طويل الأمد، ليُفرغ طاقة جنسية مُتفلِّتَة مع من تُوافق مبادلته مَكاسبَ الاشباع الجسدي في الحلال..

وقد تمارسه سيدة عقيمة تُجرِّب حظَّها مع الحمل، أو أرملة فقيرة في مُعاشرةٍ لمُعيل لعيَّالها.. وهذه جميعها حالات فردية بدوافع مختلفة حسب ظروف أبطالها.

أمَّا ما نعيشه اليوم فمُختلف تمامًا، نعيش أنماطا من نوع مٌقلقٍ، اختلط فيها المال والجاه والنُّفوذ والقَوَادة المُنظَّمة جدًّا، وانعتاق وقح للرغبة في المتعة بالتَّفاهم .. زيجات سرية مؤسسة على مصالح ومنافع مالية وجنسية متبادلة صريحة ومُريحة، ومقنَّنة عُرفيا.

والطَّريف أنَّ الزواج السري نادرًا ما يبقى سريًّا!، وكتمانه أشدَّ وطأةً من انكشافه.

حظيتُ بواسع الاطلاع على بعض حياة هذا القاع فترة عملي بإدارة الأسرة، لكن إبداع السُّقوط تطوَّر بوتيرة سريعة.

الزواج السِّري المُربح ، والمُنعش لسوق المتعة الآن، بطله عادة رجل ميسور، مثلا أحد هؤلاء: تاجر غني، موظّف كبير المقام، ضابط رفيع الرّتبة، صاحب صيت سياسي أو مَشْيخي،... المُهم، اسم مُترف قادر على توفير المال الدَّائم أو المؤقت، وغير مُلمٍّ تمامًا بخفايا العوالم السُّفلية .. هذه الشَّريحة غير المُحترفة تحوَّلت إلى ضَحايا لأوساط "الجو"، تُستهدف وتُصطاد على المظنَّة الماليَّة، خُصوصًا إذا توفَّرت لديها رغبة البحث في جولة سياحية خارج إطار الزَّواج الرَّسمي، عبر إبداعات من الإغراء والإثارة، فتنتهي بالوقوع في شرك الترغيب المُلح في الزَّواج القسري، زواج ظاهره الْدُورَادُو مُتعة وباطنه من ورائه الاحتيال والسّلب، يُفتتح بوعود مُخادعة من الوسطاء بالكتمان المُطلق، وضمان عدم الانجاب، .. لكن حملاً مُتعمَّدا سيظهر بعد وقت قصير، وستبدأ المراوغة والتَّنصل والابتزاز المالي والمعنوي، والتهديد بالإعلان والقضاء، الأمر الذي سيتم لاحقا فعلا، .. ومُحصِّلة النَّزوة حفنة من المشاكل والتَّقولات والتَّرضيات، والأيمان الغموس، وتقويضٌ لسكينة الأسرة الرَّسمية.. وقدوم طفل ثري بالولادة، يكفل لأمه مُخصَّص نفقة مُريح، ويحجز نَصيبه من الميراث،.. هذه العبثية الشَّبقية منْ أهمِّ زلازل المجتمع الداخلية اليوم.. وهي استهتار الكبار.

المؤلم حقاًّ مُمارسة هذا العفن بالإكراه على القاصرات، والتَّجني عليهنَّ ماليَّا من قِبل الأهل وجنسيا من قبل من يدفع،..

عشرات الفتيات يلتحقن يوميا بطابور عقود الظِّل، التي تعتاش عليها مافيا مقدمي الخدمات، وهي شريحة بلا عمل بيِّن وتعيش ترفًا ملكيا، فكلّما استهلكوا جيلاً فردوا قلوعهم نحو الجيل الذي يليه.. ظهيرهم في المهنة وفرة وسائل منع الحمل أو اسقاطه إنْ اقتضى، وحرفيَّة عمليات ترقيع البكارة بعد كل لعبة استغلال،..

أما الفتيات وقود هذه الجريمة، فتجربة وراء تجربة يُبثُّ فيهن النُّزوع نحو مزيد من تجارة المتعة "الحلال" بالتَّعود، ..آلاف القصص الكريهة يتلاسنها سكان مدينة انواكشوط بشقَّيْها المُوسر والمُعسر، قاسمها التِّيه في بركة الضياع،..

للصغار أيضا نصيبهم من اتّباع الهَوى على هَواهم،.. و ظهر في التَّجاسر المُستهترة على صيِّغٍ تُسقط غالبا الأحكام والحقوق التي يكفلها عقد الزواج التقليدي، ومن أمثلتها "زواج آدم"، وصيغته "زوجتك نفسي"، والجواب "قبلتُ ورضيتُ"،.. وخلاص!.. والواقع أنَّه "مكَّنتُك نفسي" بلا ولي ولا شهود ولا مهر، والتَّبرير في الهروب من الخطيئة!،.. لكن إلى خطيئة أشنع باسم الحرية،.. والنتيجة حالات هروب وتمرُّد على القيد الأسري وزواج سرِّي باسم الحب.. ولذلك تلجأ بعض الأسر لحلول سريالية تدعو للشَّفقة، كاستصدار "حكمه شعوذة" "تعطِّلُ" مُؤقتًا الرَّغبة الجنسية لدى البنت، في مُحاولة غريبة لتحصينا من التغرير بها، وتُفكّ "الحكمه" إنْ رُزقت زوجًا بالمفهوم العام.

على الرَّصيف المقابل فئة أخرى تمتطي الدِّين بدل المال باسم التَّعفف، ولا ينخفض مؤشِّر المتعة لديها عن أربعة في الذَّمة، يستعذبون الجَمْعَ في حساباتهم ويكرهون الطَّرح، يتبادلون الإشهاد المُغلق على زواج بعضهم البعض، وتُزوِّج المُطلَّقة مُطلِّقها بأريحية من أخرى، وفي حيَّاد نفسيٍّ مُطلق،.. ولا يتركون عانسًا على قارعة الطريق.. بحوزتهم مكاتب عرفية للتَّزويج والانتجاع الجنسي المُشرَّع.

قلَّما يخلو مسجد اليوم من عَقدٍ مكتوم بعد صَلوات المساء، وقلَّما يخلو إمامٌ من توكيلٍ مفتوحٍ من طرف أخٍ أو ابنٍ مُحرج أو بَرمٍ من كثرة زيجات مُوكّلته، .. ومنهم من يستدعي مُعتمد الحالة المدنية للتَّوثيق ومنهم من لا يفعل، ومنهم من يتطوّع ومنهم من يقبض الإكراميات مُقابل التَّسهيلات.

هذه نتيجة متوقعة لسلبيات التعقيدات المصاحبة للزواج العلني، فالزواج السِّري في حِلٍّ من كل الالتزامات والعادات المرهقة ماديا، فلا ولائم، ولا أصهار.. والمِحنة الصَّامتة ، أنَّ زواج ليلة في العَلن يَستهلك تدبير سَنَةٍ من الكدِّ والشَّقاء.

الرُّتبة الأرفع في سُلَّم الزواج السّري، هي "السّرية برتبة دولية"، وهي خاصة "بأهل لبْرودْ لكْبار" ، يتواعدون في الخارج، حيثُ لا جواسيس، ولا مُكدِّرَ للصَّفو، لكنها لا تخلو هي الأخرى من وخزٍ وجراحٍ.

خالگ إمَّلِّ اتْخندريسْ الفقراء، وهو الوَجه القاتم بؤسًا وتعاسة ًللزواج السّري، عنوانه العقود السَّائبة، وتوزيع النِّطاف بسخاء في الأرحام، ثم الرَّحيل أو كسر ظهر الحقيقة والسَّكينة بالنّكران والتَّقاضي.

لقد وَضَع الاستغراب رأسه بين يديه، وسلَّم أمره لله في تعجُّب بعد أن أعيَتْه أغوار بحر الظُّلامات هذا!

وعمومًا يبقى الرِّجال مَقَاصير أعمارٍ، ترجموها للحسانية، وأمِّنوا.

 

بقلم الكاتبة المعروفة/ الدهماء ريم