ليلى...اسمها الحقيقي ..لها حكاية ..مأساتها أكبر من عمرها ..مِن تحَمُّلها..
ولدت في إحدى دول الربيع العربي..ترعرعت هناك...هي الأكبر بين إخوتها ..
تعتبر الأم الفعلية لهم..
عمرها الآن لا يتجاوز الثانية والعشرين..
ماتت أمها أمام ناظريها في حادث سير أليم....أصبح والدها مقعدا بعد إصابته في النخاع الشوكي في نفس الحادث..
كان عمرها يومذاك سبع سنين فقط....
اضطرت للعمل خادمة في بيت أسرة ثرية من مواطني ذلك البلد...
تعرضت كثيرا للتحرش والمضايقة من أبنائها...وللضرب والاهانة من صاحبة البيت..
زَوّجها أبوها في الثانية عشر من عمرها لرجل في السبعين....كانت الزوجة الثانية له....
تلجأ آخر الليل حين تهدأ الأصوات الى ركن قصيّ منعزل في المنزل..تتذكر أمها..تناديها أحيانا..وتناجيها أحايين كثيرة...تترك دموعها تنهمر بغزارة...تبكي بحرقة ...بمرارة...ثم تعود لمضجعها حتى لا تلفت الانتباه إليها...
الآن ,رغم سنها الصغير ,تبدو كبقايا هيكل إنسان محطم...يحمل هموم الدنيا على كاهله ....
نزلت عند سيدة فقيرة في أحد أحياء الترحيل....كانت تربطهما علاقة جوار قديمة في الخارج..
لا تخرج الا نادرا...لا ترغب في مقابلة أحد...
توفي والدها منذ سنوات...طُلّقت من زوجها بعد إصرارها على الإقامة مع إخوتها...
قامت ثورة في البلد الذي ولدت وعاشت فيه هي وإخوتها...تلتها حرب مدمرة.... ما تزال مستمرة الى اليوم..
قُتل أصغر إخوتها بدم بارد في تلك الحرب بقذيفة طائشة...
عادوا جميعا لأول مرة الى وطنهم...عادوا كالغرباء...كالأجانب مطلع سنة 2017 ..
لم يستطع الاخوة التأقلم في بلد لم يعرفوه..وشعب لم يألفوه....
عادوا جميعا الى حيث وُلدوا وعاشوا رغم المخاطر الجمة...
باستثناء ليلى..
بقيت هنا وحيدة الا من ذكريات حزينة ..كبدها يتمزق....قلبها يتقطع..دموعها لا تتوقف..
إن تحدثت أبكت وآلمت كل من يستمع إليها ...وإن سكتت كأنما الكون كله صامت يصغي لمأساتها..لآلامها..
مأساة ليلى ..أكبر من أن تحيط بها مؤلفات بأكملها..
ترقد الآن هزيلة في أحد المستشفيات بسبب مرض لم يستطع الاطباء تشخيصه..لا يزورها أحد..ولا ترغب في الحديث مع أحد...
أمنيتها الوحيدة أن يجمع الله شملها بإخوتها أو تلحق بوالديها في الفردوس الاعلى....
لكِ الله يا ليلى ..لك الله!!
بقلم/ محمد محمود محمد الامين