سجال قوي بين ولد محم وجميل منصور بسبب وزير حالي

ثلاثاء, 04/05/2021 - 10:00

*كتب ولد محم:*
أن يقول رجل من هذا البلد بأنه "يشعر وكأنه أجنبي في بلده" ويعتبر جيشه جيشا غير وطني، وهو الذي شغل في الماضي مناصب وزير المالية ومحافظ البنك المركزي الموريتاني والإداري المدير عام لشركة سنيم ومدير واحد من أهم المصارف الوطنية الخاصة، ويشغل حاليا منصب وزير في الحكومة، وينتمي إلى إسرة كل أطرها شغلوا مناصب حساسة بهذا البلد، ومنها أول امرأة تشغل منصب وزير في التاريخ الموريتاني فذلك أغرب ما يمكن أن تسمعه.
إن من بيننا أشخاصا ولدوا بعقل أجنبي، ومهما أعطاهم هذا البلد فسيظلون تحت سمائه أجانبا.

-----

*فعلق جميل:*
لا تظلموا عثمان كان
استمعت إلى التصريحات المنسوبة للسيد عثمان كان والواردة في ندوة عامة يبدو أنها نظمت مارس ٢٠١٩ لنقاش وثيقة مقدمة حينها، وكان فيها إلى جانب البروفسير عبد الودود ولد الشيخ، ويجيب على سؤال للسيد محي الدين سيدي باب، وتابعت بعض التعليقات المبالغة والمتسرعة في إصدار الأحكام، ولم أجد أصحابها قد تحروا أوتثبتوا.
خلاصة ما ذكره السيد عثمان كان - وزير الاقتصاد الحالي - في تلك الندوة هو التأكيد على موضوع التمييز الإيجابي، على يكون ذكيا وحتى مبدعا، واختار مثالين: الجيش الوطني، وقطاع التهذيب، واستعمل عبارة "بيننا من الصعب اعتبار الجيش وطنيا جامعا بمعنى الكلمة" وأوضح أن ذلك يستلزم سياسة تمييز تستحضر عند الاكتتابات ليتاح للجميع الوجود بتوازن ......
أما في قطاع التهذيب فطالب أن تهتم الدولة بكل الشباب الموريتانيين من ذوي القدرات والقابلية ومن كل المكونات، وأن يكون هناك تمييز إيجابي لأولئك الذين لا يملكون الإمكانيات ولا تملكها أسرهم، فالنخبة يلزم أن تكون من الجميع ولا يحتكرها مكون ولا اثنان ....( والظاهر أن المتحدث يستحضر موضوع الحراطين أكثر، ظهر ذلك في مثال نقاط التفتيش على طريق تيكان، وظهر في مثال التهذيب الوطني )
الحقيقة أن الحملة التي دشنها بعضهم لا تجد لها مبررا في كلام الرجل، فأن يكون الجيش قد عرف سياسات تصفية استهدفت بعض المكونات، وإجراءات تصفية في التصعيد لصالح بعض المكونات، مما نتج عنه وضع مختل ينبغي علاجه حتى تكون المؤسسة العسكرية عاكسة للوطن بكل مكوناته، حائزة لثقة كل أبناء وطن أفسدت عليه أخوته وتلاحمه السياسات والتوجهات ذات النفس العنصري، فليس بالمستهجن قوله والتصريح به.
صحيح أن الحذر لازم عند الحديث عن الجيش، والمطالبة فيه أهم من التوسع في التشخيص والتأريخ، ولنحل مشكلة ينبغي تجنب إثارة مشكلة أخرى، ولكن الأمر لا يستدعي هذه المبالغة التي صاحبها شيء غير قليل من عدم الدقة في النقل عن الرجل.

----

*فعقب ولد محم:*
"بعضهم" - ولا غرابة في ذلك - تولى رفع راية الدفاع عن التصريحات الصادرة عن السيد كان عثمان مستميتا في التأويل المتعسف والبحث المبالغ فيه عن السياقات الزمانية والمكانية، مما استدعى مني بعض الإيضاح:
١- السيد كان عثمان هو عضو في حكومة أدعمها وأساندها باستماتة يقصر عن بلوغها "بعضهم"، ومع ذلك فالرد كان على الشخص لا على الوزير، ولسبب بسيط هو أنه في تصريحه أكد بأنه يعبر عن قناعاته وموقفه الشخصي، وهو ما استدعى أن نعبر نحن ولو متأخرين عن موقفنا ورأينا الشخصي في هذه التصريحات.
٢- عن التمييز الإيجابي، فقد طالبنا به لصالح الفئات الهشة في هذا البلد - والتي لاينتمي لها السيد عثمان اجتماعيا ولا ماديا مطلقا - من تحت قبة البرلمان منذ دخولنا إليه وفي مواقف موثقة صورة وصوتا وبحضور "بعضهم"، وطرحناه في أكثر من مناسبة، وهو مطلب وطني لا يبرر إقصاء مكونة اجتماعية فالظلم لا يرفع بالظلم.
٣- أما بالنسبة للجيش والمؤسسة الأمنية فدعوى الاقصاء فيها مسألة درج عليها "بعضهم" ولاكها حتى صدقها، وقد تواجدت في الجيش والمؤسسات الأمنية كل المكونات الوطنية قاعدة وقيادات والشواهد لا حصر لها، ومهما كان هناك من نواقص لدى "بعضهم" فلا أعتقده يصل حد القول بأنه جيش غير وطني بهذه البساطة.
٤- أما المناصب التي تولاها السيد كان عثمان فهي في الغالب مناصب سياسية، ولا يستساغ توليها محاباة ولا تقية، ففي المعارضة التي لم يمارسها الوزير يوما بشكل علني سعة، وفي الاستقالة لذات السبب متسع أكبر.
٥- ما هزني في الحقيقة هو قول السيد عثمان بأنه "يشعر بأنه أجنبي في هذا البلد" لمجرد أنه في رحلاته المباركة إلى انتيكان كان يقابل وجوها موريتانية متأصلة الانتماء لهذا البلد (في الشرطة والدرك والجمارك وأمن الطرق) كل ذنبها أنها من مكونة اجتماعية معينة، أو أن لونها يبدو فاتحا قليلا أكثر من لون معاليه.
٦- لست مع دولة المحاصصة، ولا مع دولة الإقصاء ولن أكون، بل مع دولة المواطنة والعدل التي لايفرق فيها مسؤول ولا مثقف بين مواطنيه على أساس ألوانهم وانتماءاتهم العرقية أو الطبقية، والذي يتصرف أو يتحدث من منطلق انتمائه العرقي أو الجهوي يظل غير مؤتمن على هذا البلد المتسع بجهاته والغني بتنوعه الثقافي والعرقي.

----

*فاستدرك جميل:*
لفت انتباهي تعليق الأستاذ والوزير سيدي محمد ولد محم الأخير والذي اعتبرني أقصده ببعضهم، فاستعملها للتعليق على ما كتبت في شأن تصريحات سابقة للسيد عثمان كان عثر عليها بعضهم ونشرها دون سياقها ومناسبتها، واستدعى تعليق الأستاذ - الذي سبقه وأعقبه آخرون في التعليق على التسجيل المذكور - بعض الملاحظات ألخصها على النحو التالي :
1 - ليست مهمتي الدفاع عن السيد عثمان كان، ولا تقديم مبررات لأقوال وتصريحات لم يستشرني فيها ولا تعبر بالضرورة عن رأيي، كلما ما في الأمر هو محاولة وضع الأمور في نصابها في قضايا يصر البعض على تحميلها ما لا تحتمل في دفاع تلقائي عن ممارسات ومواقف تنتمي لفترات الضغط العنصري وتجريم بعض المكونات والفئات الوطنية.
2 - لا تستغربوا شعور البعض بشيء من الغربة في وطنه، خصوصا إذا كان الحديث عما كانت تشهده نقاط التفتيش في بعض خطوط النقل إلى الداخل، حيث تلحظ عين المهتم والمراقب بل الإنسان العادي سلوك التمييز السلبي الذي يصعب تفسيره بغير الخلفية التي لا تعترف بالوطنية للجميع.
3 - لكم كامل الحق في الدعم المطلق للحكومة الحالية، وتخطيء حين تتصور أن ثمة منافسة يقصر عنها غيرك أو يصل إليها، والموضوع بالمناسبة لا علاقة له بالحكومة والموقف منها، فالرجل أدلى بتصريحه بصفته الشخصية وأشهرا قبل استلام رئيس الجمهورية لمهامه، وبالتالي قبل الحكومات اللاحقة على ذلك.
4 - يحتاج موضوع الجيش الوطني إلى توقف، ولا يصلح في اعتقادي لأن يكون عنوانا لتجاذب سياسوي على لغة بعض جيراننا.
أن يكون الجيش الوطني، والصفة مثبتة بالمناسبة، قد شهد في تاريخه، وبفعل سياسة نظام قائم حينها تصفيات استهدفت مكونات عرقية محددة فهذه حقيقة تاريخية، تثبتها الوقائع وتؤكدها الاعتذارات والتعويضات التي أقرت رسميا حتى في عهد ذلك النظام، وأن تكون سياسة الاكتتاب والتصعيد في مرحلة معينة قد تأثرت بهذه الأجواء فأمر معروف وقائع وقرائن، وأن يدعو كل هذا إلى سياسة تعالج هذه الاختلالات وتصحح هذه الأخطاء، فأمر محمود مطلوب.
5 - من المهم رفض منطق المحاصصة لأنه يهد الدول ويفسدها، ومن المهم رفض منطق الإقصاء والتهميش والتمييز السلبي لأنه يناقض العدل ويخلق دواعي التوتر والفتنة، فالحل إذن في دولة المواطنة والمساواة التي تستصحب وتستحضر تنوع المجتمع وتعدديته.
في حالة كحالتنا بحكم ميراث ثقيل من الإقصاء، وفي بلد كبلدنا استعصم العديدون فيه بولاءاتهم العصبية فنالوا بها ما لا يستحقون وحرموا آخرين مما يستحقون، نحتاج إلى سياسة تطمئن وإجراءات تزيل الشعور بالغربة الذي خلفته سنوات الحيف والجمر وغذته دعايات متطرفة لا يخدمها شيء مثل ما يخدمها تطرف الإقصاء والاستهداف.

  

         

بحث