الحلقة (9)
19 – الجهة
أزاح انقلاب 2003 الستار عن انقسام واضح للخارطة السياسية فى موريتانيا – وفق الجهة – إلى شرق وغرب. فى حين، كان الانقسام الذي يخشى منه على الوحدة الوطنية – مدى سنين طويلة – هو انقسام اللون أو اللغة.
أصبحت خارطة الصراع على السلطة واضحة المعالم بين “أهل الشرق” و”أهل الساحل”، وفق تعريف سيد أحمد ولد الأمير فى تحديد الجهات، استنادا إلى كاترين الشيخ؛ القائل إن الخط الفاصل بين الاثنين، هو الخط العمودي القائم من الجنوب إلى الشمال. خط فاصل بين الذين يقولون إن الشمس تطلع من الجهة الشرقية “شرك”، والذين يقولون إنها تطلع من “تل”، بالحفاظ على نفس الترتيب، لكن وفق إزاحة دائرية إلى اليمين، تبلغ 90 درجة.
وجاء توزيع الثروة والموارد بين الجهتين ليزيد الأمور تعقيدا. إذ تتركز كثافة السكان والثروة الحيوانية فى الشرق، بينما تتركز الموارد المعدنية والسمكية فى الغرب. ومع استغلال الغاز سينزاح مركز الثروة فى الغرب إلى الجنوب الذي كانت لديه ثروة المياه والزراعة، إضافة إلى الكثافة السكانية.
كان انقلاب فرسان التغيير2003، انقلابا لأهل الشرق على أهل الساحل، مثل انقلاب 78، وفق خارطة ولد الأمير التي لا تفرق – فى الجهة الغربية – بين الشمال والجنوب.
وقد كشف انقلاب 16 مارس 1981 النقاب عن انقسام ثقافي وسياسي آخر، بين أهل الساحل إلى جنوب وشمال.
20 – الثمرة
حصد ولد الطايع – لأهل الشمال – ثمرة البذرة التي زرعها لأهل “القبلة” أحمد سالم ولد سيد ورفاقه، بانقلاب 16 مارس.
حصد ولد عبد العزيز واعل ولد محمد فال – بعد ذلك لأهل الساحل – أيضا، ثمرة البذرة التي زرعها ولد حننة ورفاقه لأهل الشرق 2003، وترك الأمر أثرا بالغا فى النفوس، لكن الفرحة كانت كبيرة – آنذاك عند أهل الشرق – بسقوط نظام “سيفيل”، وعودة الجيش إلى الحكم على وقع الحماس لأغنية “مَجْلس هَونْ اتوالَ .. عَسكريتُو حيًّة … مجلس للعدالة .. والديمقراطية.” خاصة فى أوساط كنته وأولاد الناصر الذين كانوا يدفعون النصيب الأوفر من ثمن الانقلاب.
كان النظام العسكري طاغيا على المشهد السياسي، أيام انقلاب 16 مارس؛ فجاءت الأحكام قاسية، وتم تنفيذها بسرعة. وكان النظام المدني طاغيا، فى آخر عهد ولد الطايع؛ فجاءت الأحكام خفيفة. أحكام القتل، وتنفيذها، أمر يتطلب قدرة كبيرة، وتصميما قويا، لا تمتلكهما الأنظمة الضعيفة. أم أن ولد الطايع، كان – حينها – قد استفاد من التجارب الماضية، وتخلى عن القسوة فى الحكم؛ فكظم الغيظ، وصان دماء الانقلابيين، وأكرم مثواهم فى السجن.
ويأتي انقلاب ولد الغزواني اليوم على ولد عبد العزيز، بمثابة ثأر لأهل الشرق على أهل الساحل الذين احتفظوا بالسلطة لأطول فترة فى التاريخ الحديث، وهم أقلية فى الجيش. وتلك مفارقة لم نجد لها أي تفسير.
كما أن ولاية لعصابة – فى الجهة الشرقية – هي أكبر منتج للرؤساء : ولد محمد السالك، بوسيف، ولد أحمد لولي، (بنيجاره)، غزواني.
هنالك تشابه فى التضاريس بين ظهري آدرار وتكانت، كما أن لعصابة تعرف بأنها عصابة تكانت، وهذا المحور المتوسط (ظهر آدرار، تكانت، لعصابة شيء يشبه الناقة، ظهرها فى الشمال ورأسها فى الجنوب، وهي المنطقة الجبلية الوسطى التي تنتج الرؤساء.
“ومن لم يرد صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر”
ولد داداه ترشح من شنقيطي، وولد هيدالة حارب جبهة البوليزاريو فى آدرار، وسكن أطار، وتزوج فيه.
وبقي عزيز وسيدي وحدهما، استثناء للقاعدة.
عزيز وولد محمد فال رجلان من أهل الساحل، يعرفان تسلق جبال آدرار، أما فترة الرئيس المدني، فكانت جزئا من إخراج اللعبة العسكرية التي يتم إنتاجها داخل الثكنات.
كان وصول ولد هيدالة إلى السلطة – من جهة أخرى – بمثابة انقلاب لأهل الساحل على أهل الشرق، حين كان الحكم فى يد أبناء لعصابة، كما أن التجاذب بين الشمال والجنوب فى منطقة الساحل أدى فى 16 مارس إلى ضربة مماثلة لوقعة 2003. ضربة مؤلمة وقاتلة، مع أنها لم تكن قاضية. لكنها أدخلت نظام هيدالة فى المنطقة الحمراء المنذرة بالنهاية.
21 – العدوى
يتبع ان شاءشاء الله.....
لمتابعة الحلقات الماضية
اضغط هنا