الرؤساء فى موريتانيا والزعماء السياسيون، يلعبون دائما بالرأي العام والإعلام لعبة كلومار، حتى أصبحت الأمور مختلطة، رغم ما يشاع من حرية فى الحصول على المعلومة؛ فعندما يُسألون عن أي ملف حساس؛ يجيبون بأنهم سوف يتصرفون وفق إرادة الشعب، أو حكم القضاء، أو المصلحة العليا للبلد، وهذه جميعها صيغ متعددة من إجابة كلومار NCND. لكنهم فى النهاية يصنعون ما يريده الرئيس، أو ما تريده المؤسسة العسكرية الحاكمة.
ولا يمكن اليوم “أن نؤكد، ولا أن ننفي” أن النظام الحالي يسعى إلى تصفية الحساب مع ولد عبد العزيز، أو إلى تجديد الطبقة السياسية، كما أننا “لا نستطيع أن نؤكد، ولا أن ننفي”، أي شيء ذي صلة بالعلاقة بين الرئيسين.
تماما مثل وكالة الاستخبارات الأميركية عندما قالت فى أول تغريدة لها على تويتر : “لا يمكن أن نؤكد، ولا أن ننفي، أن هذه أول تغريدة لنا على تويتر.”
لكننا نستطيع أن نؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، شيئا واحدا، ألا وهو أن الأمور لا تسير فى صالح أي من الرئيسين عزيز وغزواني؛ فهما يركبان فى سفينة واحدة، ومسلسل الانقلابات الذي تعيشه البلاد منذ 78 لم ينته بعد، إلا أننا نتابع اليوم حلقات جديدة من ذلك المسلسل القديم، منها ما شاهدناه بالفعل، ومنها ما هو قيد الإخراج.
7 – الكوريدا
شاهدنا حلقة من المسلسل الجديد من الانقلابات، فى ملعب “مَـلّـحْ” بأحياء الترحيل، يوم انطلاق حملة الدستور.
العلم الموريتاني، قطعة من القماش، لا ينقصها سوى اللون الأحمر، لتكون صالحة لخديعة الثور، فى لعبة الكوريدا.
وكان الإخراج يشبه النهاية، على الوقع الحزين لأغنية المأمورية الثالثة : “عزيز الشعب امْعاكْ .. مـــــا مَعقولْ اتفكَّرْ … تمشِ عنَّ فيــاك .. يحكمنَ حد أوخرْ“.
أغنية كان وقعها مخالفا للأجواء الاحتفالية السائدة فى نهاية حكم عزيز.
ولم نفهم حينها إن كان “حَدْ أوْخَرْ” تعني أحمد ولد داداه، أم بيرام، أم غيرهما من الطامحين إلى الحكم.
وكانت الشحنة العاطفية القوية لحفل التسليم بين عزيز وغزواني – بعد ذلك – تشبه أيضا، أجواء الكوريدا. كانوا يقولون إن ولد عبد العزيز لن يترك السلطة، ما دام على قيد الحياة.
يوم يذكر بيوم انقضاء الفترة الانتقالية، وحفل تسليم السلطة للمدنيين بين ولد محمد فال وولد الشيخ عبد الله. كان من غير المنطقي – آنذاك – أن يغادر الرئيس القصر مشيا على الأقدام والناس ينظرون، فى بلد سمعته مرتبطة بالانقلابات.
شاهدنا الحلقة الثانية من المسلسل الجديد للانقلابات يوم عيد الاستقلال بأكجوجت، فى حفل حضره ولد هيدالة، وولد الشيخ عبد الله، وأحمد ولد داداه، وجلسوا مع مقعد فارغ لولد عبد العزيز، لمشاهدة رجال العسكر، يضربون أرجلهم على وقع الموسيقى العسكرية.
وجاءت التحويلات المفاجئة التي طرأت على قيادة الحرس الرئاسي – فى ذلك الوقت الحرج والحساس – لتحسم الأمر. وإن كان العد التنازلي للنهاية، قد بدأ – قبل ذلك – بالمرسوم الصادر عن الرئاسة، بخصوص المأمورية الثالثة.
كان ولد عبد العزيز مُهابا، وما كان أصحاب الطبول الكبيرة الذين دعموا ولد الغزواني فى الانتخابات الرئاسية، ليدعموه ضد إرادة ولد عبد العزيز، وهو فى السلطة. حتى إنهم الآن، يخافون منه خوف “اللحمة من النار”؛ لديه من الكاريزما: كاريزما الشجاعة والقيادة، وعنصر المفاجأة، ما يجعلهم لا ينامون ملء جفونهم، إلا إذا جعلوه، وراء سبعة قضبان، أو فى المنفى؛ من وراء سبعة بحور.
فعندما يخرج الثور الجريح من حلبة الكوريدا حيا، ينتشر الرعب فى أرجاء المدينة.
تحقيق اللجنة البرلمانية فى فساد العشرية، سائر فى اتجاه القبض عليه.
إذ لا تعدو كونها غرفة للتعذيب، أو تأديب الخصوم. جهاز مبتكر جديد للتنقيب عن الذهب. يبحثون فى تاريخ ولد عبد العزيز، ينبشون حقائب الأطفال والنساء، يطلبون جوهرة مفقودة، أو قطعة من الماس، تبرر تقييده أو إرساله إلى السجن أو المنفى.
وعند ولد الواقف شيء يحب أن يقوله لعزيز، بشأن “الأرز الفاسد”.
جميع المشمولين فى ملفات العشرية وأنصارهم سيتحولون تلقائيا إلى معارضين للنظام، يبحثون فى حقائبه عن أدلة لإدانته بالفساد، من أجل رد التهمة وإحراج النظام، والتشكيك فى مصداقية العدالة.
8 – الباء
مُرِتانْ أولادُ .. أشبهْ ما ينزادْ … من يوم الِّ عادُ .. هم وُلَاةَ الأمرِ … ظهر الفسادُ .. فى البر والبحر.
الفساد وباء منتشر فى البر والبحر، ولن ينجح أي رئيس أو وزير أو قائد عسكري أن يبرئ نفسه منه، إلا إذا كان فقيرا يلقط البعر. ولن ينجيه ذلك الفقر، ولا تلك التعاسة، من تهمة الفساد ولو زالت عنه أعراضه؛ ولا ينقصة إلا جهاز فحص فعال، كي تقام عليه الحجة الدامغة، ويدان.
فجميع قصور نواكشوط الشمالية – وفق العارفين بسوق العقار – بنيت بعد 78 ، من المال العام.
ولن تنجح اللجنة البرلمانية، ولا المحكمة السامية، فى إدانة أي وزير أو رئيس، ولا فى إقامة الحجة عليه، ما لم تُوحّد قواعد الصرف والنحو المتبعة، ويقال للناس؛ لماذا فلان باؤه تجر، وباء غيره لا تجر؟
والواضح من حال الباء، أنها لا تجر القوي عندنا. وقد هلكت أمم قبلنا كانت إذا سرق منهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق منهم الشريف تركوه.
كما أن تسريب الوثائق المؤمنة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لا يكفي وحده لإدانة الخصوم أمام أي عدالة، ولو كانت عرجاء.
9 – القبيلة
الجيش فى موريتانيا قبيلة مهيمنة على السلطة والمجتمع. وإن قيل إن ذلك غير صحيح، وإن المؤسسة العسكرية : مؤسسة جمهورية تعمل بمقتضيات القانون، وإنها ليست قبيلة – نقول نعم، هي ليست قبيلة فحسب؛ إنما هي أسرة مالكة للسلطة فى موريتانيا، وتتوارثها عبر الأجيال، لكن الأمر يحتاج فقط إلى توضيح.
عندما يبدأ الوزير الأول خطابه للصحافة الرسمية – فى خرجته الإعلامية المخصصة للإعلان عن تخفيف الإجراءات، وفتح النقل بين المدن – يبدأها بشكر القوات المسلحة، وينتهي بشكر القوات المسلحة، فإنه مدرك لتلك الحقيقة. أهمل وتجاهل دور الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، ورجال الأعمال، والصحافة، وقادة الرأي من أئمة وعلماء؛ فتلك قبائل ضعيفة، لا علاقة لها بالقرارات الحاسمة، ولا دور لها فى لعبة الحكم.
القادة العسكريون مدركون لتلك الحقيقة، ويشعرون بالمسؤولية حيال كل شيء متعلق بالأمن والاستقرار. ولذلك لم يدعموا مشروع المأمورية الثالثة، حين رأوا فيه، تهديدا محتملا لذلك الاستقرار.
10 – الهرم
نقلا عن/ ريم فييد
يتبع ان شاء الله....
لمتابعة الحلقات الماضية يرجى الضغط هنا