احتدّ الصّراع في تونس هذه الأيّام، بخصوص استمرار وجود فرع «اتّحاد علماء المسلمين» على أرض «الخضراء».
وبدءاً، لا بدّ من توضيح أنّ فرع «اتّحاد علماء المسلمين» في تونس، كان يُراد له أنْ يكون فرعاً بوظيفة المركز أو المقرّ الرئيس، وذلك بعد الحرج الذي سبّبه للدول التي استضافته واحتضنت نشاطه المثير للجدل.
وقد يكون من الضروري أيضاً، التذكير بأنّ هذا التنظيم، الذي لا شكّ في ارتباط عمله باستراتيجية حركات «الإخوان»، هو بمنزلة الأداة الإيديولوجية التي تخدم رِكاب هذه الجماعات في مختلف أصقاع العالم، وتبرّر سياساتها، وتقوم بالدعاية المضادّة ضدّ منافسيها، وتحرّم وتجيز كلّما يعرقل أو يساعد نشاط «الإخوان»، من أجل وصولهم واستقرارهم في السلطة.
وقد يكون من المفيد كذلك، التذكير بأنّ قرار تأسيس هذا الهيكل المفصلي في التنظيم الإخواني سنة 2004، جاء أوّلاً بعد أن تراءى للحركات الإخوانية بعض الأفُقِ والأمل في الوصول إلى الحُكْمِ في عدد من الدول، وثانياً لضرورة مأسسة ومركزة الفتوى و«القرار الديني»، التي باتت مطلوبة، وذلك لتعويض دور ومؤسّسات الإفتاء القائمة، والهيئات الوطنية والتقليدية المماثلة.
ويمكن للمرء في تونس، أن يختلف مع الحزب الدستوري الحرّ، ومع رئيسته عبير موسي، التي اختارت مجال معركتها مع حزب «النهضة» الحاكم، بأن تخوض صراعاً كبيراً ضدّ المدّ الإخواني، الذي يجسّده وجود «اتّحاد علماء المسلمين»، لكنّ الإجماع يكاد يكون حاصلاً، بأنّ هذا الهيكل الإخواني، الذي يتمتّع بحماية «النهضة»، لا يحمل أيّ ودّ للنموذج الحضاري التونسي، بل إنّ السّمة البارزة في مواقف وسلوكيات المنتمين إليه، هي العداء التامّ للخصوصية التونسية، التي يرون فيها زيغاً وانحرافاً عن «الطريق السويّ».
ولا نزال نتذكّر كمّ الفتاوى الصادرة عن «هيئة علماء المسلمين»، من أجل دعم الحركات الإخوانية في كلّ من مصر وتونس سنة 2011 و2012 و2013، بمناسبة تنظيم الانتخابات، وفي كلّ المناسبات، إذ اعتبر رئيسها وقتئذ، يوسف القرضاوي - وتونس تعيش مرحلة انتخابات المجلس التأسيسي - أنّ «التصويت لغير الأصلح (ويقصد من أسمتهم الفتوى بالعلمانيين دون تمييز)، هو شهادة زور»، ومعتبراً أيضاً أنّ القيام بالتصويت في الانتخابات، هو «فرض عين».
إنّ هذه الفتاوى، هي مزدوجة الأهداف، لكونها تخويفية وتعبوية، وهي ساهمت بشكل كبير في توجيه السلوك الانتخابي للمواطن التونسي، وهي لذلك حلقة أساسية في استراتيجية حركة «الإخوان الدولية»، لأنّها توفّر الخطاب التبريري الجامع، الذي يوحّد جماعات «الإسلام السياسي»، مهما كانت الخلافات بينها.
Volume 0%
وفي تونس، ومنذ تركيز فرع «اتّحاد علماء المسلمين» على أرضها، برعاية وحماية «النهضة»، كجزء من التزاماتها تجاه حركة «الإخوان» الدولية، وبتمويل دولي غير خافٍ من دول في المنطقة، سعى هذا التنظيم إلى القيام بأعمال تخريب ممنهجة لمنظومة التعليم، من خلال رعاية التعليم الموازي، وتزييف الوعي المدني المجتمعي، وتنظيم الحملات ضدّ المؤمنين بقيم الحداثة والجمهورية، ومحاربة المرأة، ونشر ثقافة الخرافة، وبثّ خطاب الكراهية والحقد والجهل، ولذلك، تجنّدت كلّ الأطراف المدنية والمجتمعية لمحاربة وجوده على الأرض التونسية، باعتباره معادياً لخصوصيات النموذج الحضاري التونسي.
إنّ التونسي بعامّة، يرى في مِثْل «هيئة علماء المسلمين»، آليّة للثأر من مسار تحديث المجتمع والدولة في تونس، وهو لذلك يعاديها، ويتصدّى باستمرار لمخطّطاتها الجهنّمية.
وإنّ ما تقوم به رئيسة الحزب الدستوري الحرّ، عبير موسي، هو الجزء «الصّاخب» من هذا العمل الذي هو قاسم مشترك بين الطيف المدني، ولا نقول بين الأحزاب المدنية، التي أخذت منها الانتهازية مأخذاً.
وبالرغم من أنّ هذا الصراع لا يمكن أن يختزل لوحده برنامج حزب، فإنّه لا بدّ من الاعتراف بأنّ بعض المسائل والقضايا، يمكن أن تكون المجال الخصب لحسم بعض المعارك، خصوصاً إذا كانت هذه القضايا وهذه المسائل، مرتبطة بمخاوف جدّية، من إمكانية تشويه وتزييف الوعي المجتمعي التونسي.
إنّ مشاغل التونسيين قد تكون أيضاً في مجالات الاقتصاد والفقر والحرمان، ولكنّ الأكيد، أنّ كلّ مشاكل تونس بدأت بالسياسة والسياسات، وتعمّقت بتمكّن «الإخوان» من الدولة والمجتمع، وهو ما قاد ويقود إلى الهاوية.
الأستاذ الفيلسوف حمّادي بن جاب الله، قال في حديث له الأسبوع الماضي: «إنّ الدفع نحو الهاوية، جاء به الإسلام السياسي، وكلّ ما يقال اليوم، بما في ذلك الدعوة إلى الحوار، هو لإخراج الإسلام السياسي من المأزق الذي وقع فيه».
ونكاد نجزم أنّه ما مِنْ طرف في تونس، يرغب في إنقاذ «النهضة» من الجحيم الذي تردّت فيه.
بقلم/ الهاشمي نويرة