فاجأني مضمون مقابلة الوزير السابق السياسي المحنّك محمد يحظيه ولد وبريد الليل مع مجلة Portal diplomatico بعنوان:
“المغرب يُخيف جيرانَه”، فلزِمنِي مِن تصحيحِ المفاهيم وتقويمِ الموازينِ بقَدْرِ ما أحمل من العِلْمِ والوعي:
أولا: استعمالُه فزَّاعةَ النزاع في الصحراء للتحذيرِ مِن حريقٍ مُدمِّر اهـ ويُستفادُ منه مسألتانِ أولاهما: أنّ المغربَ ليس هو مَن يُهدّدُ بالحرب، وثانيهما: أنّ الحربَ المدمِّرة في المنطقة ستجِدُ مَن يُمَوِّلُـها بمئات ملايين الدولارات كما في نماذج سوريا واليمن وليبيا، وكما سيُحقِّقُ دعاةُ القوميّة العربية مزيدا من الانتصارات بضمان تشرْذُمِ الشعب الواحدِ والأمّة الواحدة ذات الدِّينِ الواحد.
ثانيا: إعابتُه تعاوُن المغرب المتميّز مع دول جنوب الصحراء واعتبارُه سَقيمًا مِن حيث المبدإ وفاشلا من الناحية العمليّة اهـ إقرارا منه بانفتاح المغرب واعتماده على الحوار والدبلوماسية وعلى استبعاد الحلول العسكرية، وحَـجْرًا مِنه على سياسة المغرب الخارجيّة ولتكون تحت وِصاية جنرالات الجزائر وعملائهم البوليزاريو.
ثالثا: دعواه أنّ المغرب في عزلة تامة كالجزيرة التي تُطوِّقُها المياهُ مِن كل ناحية اهـ ونواقضُ هذا الرأي متعددة: منها: اتّفاقُ الأطراف المتنازعة في ليبيا على مِصداقية المغرب لرعاية الحوار والاتفاق، ومنها: احتواؤه بوساطته الحكيمة أزمة الانقلاب العسكري في مالـي التي حقنتِ الدِّماءَ وأبقتْ على سِلْمِ المجتمع، ومنها: افتقار أوروبا والخليج وغيرهما إلى تجربة المغرب الأمنية في مكافحة الإرهاب، ومنها: نجاتُه منذ 2011 وسلامتُه من فِتنةٍ مزّقت بلدانا عربية معلومة، ومنها: مئات الرحلات المغربية اليومية إلى جميع بقاع الأرض واستقبال المطارات المغربية مئات الرحلات الأجنبية يوميا، والرحلات الجوية الجزائرية والمغربية على السواء بين الجزائر والدار البيضاء، ومنها: أنّ المغرب يوم دخلها السنوسي خائفا على نفسِه أمّنَتْهُ في الفندق شهرا كاملا دون أن تبتزّه أو تأخذَ منه معلومة ولو واحدة حتى غادرها بمحض اختيارِه.
رابعا: تنظيرُه السياسي للمغرب ليحذُوَ حَذْوَ الجنرال ديغول يوم زار ألمانيا ونسَّقَ معها المشكل الاقتصادي المشترك اهـ وهو عجيبٌ حقا إذ لا توجد أوجُهُ تشابه ليصح القياس إذ لم تحتلّ المغرب شِبرا واحدا مِن أرض الجزائر كما لم تكن فرنسا هي مَن اعتدى على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
خامسا: تعريضه بأنّ انسحاب قادة الانقلاب العسكري في موريتانيا 1978 من المناطق الصحراوية موقف سياسي متغيّر لا موقف مبدئيّ ثابت اهـ ويحتاج إلى تبرير الموقف المبدئِيِّ في عِفّة موريتانيا عن المطالبة بالصحراء خمسة عشر عاما بعد استقلالها 1960.
سادسا: أنّ الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه المغرب هو إبقاؤه منطقة محايدة بين حُدوده مع موريتانيا.
سابعا: مَلامتُه المغربَ على فتور علاقاتها مع موريتانيا اهـ وليتَ الوزير السياسي المحنك محمد يحظيه ولد ابريد الليل تذَكّر الحقائق التالية:
ـ أنّ تعدُّدَ الانقلابات العسكرية في نواكشوط وتغييرَ حمَلة حقيبة الخارجية والمخابرات الخارجية هو السبب الرئيسي في فتور العلاقات الدبلوماسية أحيانا تبعا لمزاج حاكم عسكري لم يدخل أكاديمية دبلوماسية.
ـ أنّ الموريتانيين مرضى وطلابا ووافِدين للسياحة والتجارة وغيرها في جميع الأوقات موضع حفاوة وتكريم في المغرب مهما كان مِن جفاء بين الحكومتين في الرباط ونواكشوط.
ثامنا: قوله إن الموريتانيين والصحراويين شعب واحد اهـ وفيه تدليس وتلبيس لأن من الموريتانيين مَن لا يتكلمون الحسانية ولا يُشرِّفُهُم الحديث بها ولا عادات البيظان، والصواب هو قولنا “إنّ البيظان في منطقة الصحراء سواء ما كان منها في موريتانيا أو المغرب شعب واحد يتكلمون الحسانية ولهم نفس العادات وكما أن سكان شمال المغرب ووسَطه والجزائر شعب واحد وكما أن السعودية وقطر والإمارات واليمن شعب واحدٌ وكما أن النمسا وألمانيا شعب واحد وكما أن اسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال ورومانيا شعب واحد ولغتهم اللاتينية واحدة، كل ذلك رغم أنف الحدود الاستعمارية اللعينة.
تاسعا: أتـمَنّـى لدعاة القومية ـ عربية أو أمازيغية أو آرية أو زنجية … أن يُثبتوا ولو مرة واحدة أنّ سُلوكهم لا يُؤدِّي إلى تقسيم الْـمُقَسَّم وتجزئة الْـمُجزَّإِ.
بقلم/ الـحَسن ولد ماديكْ
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة
رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات