في الصحافة لايكفي أن تكون هاوياً، تماما كما لاتسعفك قدرة على الكتابة خارج المعاييرالمتفق عليها داخل الحلق الصحفي، فالكتابة الصحفية ليست قصة أدبية ولا ينبغي إغراقها بالمحسنات اللفظية، لأن الكتابة للصورة تتطلب أسوبا معيناً يحتاج لمهنية لا يمكن اكتسابها خارج مؤسسات إعلامية معروفة.
لقد اكتشفت هذه الحقيقة حين كنت محررا في شبكة الجزيرة الإعلامية ( في زمن الرأي والرأي الآخر)، كان علي أن أتخلى عن أسلوبي الأكاديمي لكي أكون قادراً على مجارات الإيقاعات السريعة للحدث وعناصره ، ولأتمكن في نفس الوقت من إقناع المشاهد بأن عليه أن يستمع وينظر في الآن ذاته. وهنا يكمن الفرق بين من يكتب بحرفية و يختار الصورة التي تتناسب مع الكلمات لتستحوذ على الحس النقدي للمشاهد ليتمكن من أسره بسهولة، وبين من يجمع بين رداءة الصورة ولي أعناق الجمل ليفتح المجال أمام سيول من السخرية تفرض نفسها ضمن الصدى الذي كان على الخبر أن يصله .
في تتبعي لردة فعل الشارع على الإعلام الرسمي أدركت أن أخطاء المبتدئين غالبا ما تنسف جهودا قد تكون جبارة، فمادام الإنسان العادي يلاحظ أخطاء صحافتنا الرسميةوتُثنيه تلك الأخطاء عن فهم الرسالة التي يريد الإعلام إيصالها، فهذا يعني أن أساليب الإعلام الرسمي بحاجة لمراجعة جذرية، المشكلة أنه في كل مرة يتم التركيز فيها عليه للبحث عن معلومات مهمة مثل البيان الصادر عقب اجتماع مجلس الوزراء وغيره، تظهر لنا موجة من "#الهشتاكات" الساخرة من تقارير أو صور ملتقطة للرئيس أو لأحد وزرائه.
وتعتبر الصورة التي التُقطت لوزير التنمية الريفية والماعز أحد النماذج التي تثبت أنعمل الصحافة الرسمية أصبح مصدرا من مصادر السخرية من الحكومة وجهودها، ناهيك عن الصورة التي أُخذت من وزيرة الشؤون الاجتماعية في أول اجتماع لها مع طاقم وزارتها، والتي ركزت على محفظتها التي لفتت انتباه المشاهد، وحولها لأداة من أدوات الترفيه الذي تدفعه فضولية فطرية لدى هذا الشعب المغلوب على أمره، والحقيقة أن الأمثلة كثيرة لدرجة يصعب حصرها في سطور مثل هذه.
إن إستراتجية النظام الحالي القائمة على إحاطة العمل الحكومي بسرية تامة، على عكس ماكان قائما، تتطلب تكوين صحافة على المستوى المسؤولية المسندة لها, فمن المؤسف أن يتم العمل الإدراي طبق ابروتوكولاته المعروفة وبمهنية عالية ، ثم يتم تشويهه من خلالالقنوات التي يفترض أن تخرجه في أبهى صوره.
قد لايدرك الكثير من صحافتنا الرسمية أن مشكلة الخبر هي أنه وحدة متكاملة بصورها وكلماتها، فهو بهذا المفهوم لا يحتمل الأخطاء بغض النظر عن بساطتها، خصوصاً في ظل وجود فضاء مفتوح مهمة معظم رواده هي اصطياد الأخطاء، وبث موجات ساخرة قد تنسف بالحقيقة التي لايملك صاحبها حرفية تقيه أخطار عالم افتراضي قد لايكون موضوعياً بالضرورة.
صحيح أن ثمة مواقف مسبقة من كل ماله علاقة بماهو رسمي –خصوصاً الإعلام- أنتجتها تراكمات سياسية جعلت المتلقي العادي بحكم تأثير خطاب المعارضة يصنف الإعلان الرسمي على أنه مجرد أداة لإطراء النظام، وهذا يجعل من المسؤولين عنه أمام مهمة مزدوجة، تتطلب في أحد جوانبها تكوين كادر بشري يمتلك من الحرفية ما يمكنه من تغطية أنشطة الرئيس ووزرائه بصورة تخرجها من نطاق سخرية المشاهد، أما الجانب الأكثر صعوبة فهو إقناع المشاهد أو المستمع أو القارئ بأن هذا الإعلام قد تجاوز مرحلة تمجيد صاحب الفخامة، ويمتلك من الحياد في فترة تعهداتي ما يخول له الانحياز لهموم الإنسان العادي وطرح مشاكله بكل موضوعية.
عموما يتفق معظم المختصين على أن المؤسسات الإعلامية لاتمتلك حلولا سحرية لإقناع الجمهور، بقدر ما تمتلك أدوات للتأثير عليه (الصورة والكلمة وطرق المونتاج )لإيهامه بأن لديها من الحياد ما يجعلها تبحث عن الحقيقة فقط، وتلك مرحلة تحتاج لحرفية مازالإعلامنا الرسمي بحاجة لطفرات نوعية ليصلها، لكن قبل ذلك على المشرفين عليه أن يوقفوا نزيف السخرية من حكومة مهمتهم الأولى هي تسويق جهودها لتكون على مستوى تطلعات الشعب، حتى وإن بدت غير كذلك...
أممّا ولد عبد الله