مناظرة في منتهى الروعة بين يمني وحجازي امام الخليفة

جمعة, 19/06/2020 - 16:06

كان أبو العباس السفاح يحب من السمر التناظر و منازعة الرجال , فحضر عنده يوما حجازي ويمني

وهما (إبراهيم بن مخرمة الكندي , وخالد بن صفوان بن الأهتم ) فتفاخرا وتنازعا

فقال ابن مخرمة اليمني : يا أمير المؤمنين , إن أهل اليمن هم العرب , دانت لهم الدنيا , ولم يزالوا ملوكا , ورثوا الملك كابرا عن كابر , وآخرا عن أول, منهم النعمان والمنذر صاحبا الحيرة , ومنهم عياض صاحب البحرين , ومنهم من كان يأخذ كل سفينة غصبا , وليس من شيء له خطر إلا وينسب إليهم , إن سئلوا أعطوا , وإن نزل ضيف قروه , فهم العرب العاربة , وغيرهم المستعربة .

 

فقال العباس : أحسنت , ولكنني أرى خالدا ما أعجبه الكلام .. ثم قال : ماذا تقول يا خالد ؟؟ أجب صاحبك

فقال خالد : إن أذن لي أمير المؤمنين بالكلام تكلمت

قال : تكلم ولا تهب أحدا

فقال خالد : أخطأ المقتحم , ونطق بغير صواب , وكيف يكون لقوم ليس لهم ألسن صحيحة , ولا لغة فصيحة , نزل بها كتاب أو جاءت بها سنة أن يفاخرونا

يفخرون علينا بالمنذر والنعمان

فنفخر عليهم بسيد الأنام , وأكرم الكرام , محمد عليه الصلاة والسلام

فلله المنة به علينا وعليهم

 

يا مفتخرا بالنعمان وصاحب البحرين

 منا النبي المصطفى والخليفة المرتضى , ولنا البيت المعمور وزمزم والحطيم والمقام , والحجابة والسقاية والبطحاء والمآثر والمفاخر

ومنا الصديق والفاروق وذو النورين وعلي وأسد الله وسيد الشهداء , فمن لكم بهؤلاء ؟

بنا عرف الناس الدين وأتاهم اليقين ,

فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادانا قطعناه

 

ثم أقبل على إبراهيم فقال له : ألك علم بلسان قومك ؟

قال : نعم

فقال خالد : فما اسم العين عندكم ؟

قال : الحندورة

قال : فما اسم السن عندكم ؟

قال : الميدن

قال : فما اسم الأذن عندكم ؟

قال : الصنارة

قال : فما اسم الأصابع عندكم ؟

قال : الشناتير

قال : فما اسم الذئب عندكم ؟

قال : الكنع

قال : أفَعالِمٌ أنت بكتاب الله ؟

قال : نعم

فقال خالد : فإن الله عز وجل يقول ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا )

ويقول ( بلسان عربي مبين )

ويقول ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه )

فنحن قومه ونحن العرب والقرآن بلساننا

 

ألم تر أن الله تعالى قال ( والعين بالعين )

ولم يقل ( والحندورة بالحندورة )

 

وقال ( والسن بالسن )

ولم يقل ( والميدن بالميدن )

 

وقال ( والأذن بالأذن )

ولم يقل ( والصنارة بالصنارة )

 

وقال ( يجعلون أصابعهم في آذانهم )

ولم يقل ( يجعلون شناتيرهم في صناراتهم )

 

وقال ( فأكله الذئب )

ولم يقل ( فأكله الكنع )

 

ثم نظر خالد إلى إبراهيم وقال له : إني سائلك عن أربع

إن أقررت لي بهن فقد قهرت , وإن جحدتهن فقد كفرت

قال : وما هن ؟

قال : الرسول منا أم منكم ؟

قال : بل منكم

قال : القرآن نزل فينا أم فيكم ؟

قال : بل فيكم

قال : البيت عندنا أم عندكم ؟

قال : بل عندكم

قال : المنبر لنا أم لكم ؟

قال : بل لكم

قال : اذهب فما كان من فضل بعد ذلك فهو لكم .

فضحك أبو العباس , وأقر خالدا على كلامه

ثم حباهما من العطاء جميعا.