التطبيل للحكام و أصحاب الأموال و النفوذ ليس فناً حديثاً، لكنه تطور تاريخياً من حيث النوع و الكم و أساليب المطبلين و أنواعهم، ففي حين كان أئمة النفاق و التطبيل من الأدباء و الشعراء أصبح اليوم من جميع فئات الشعب بما فيهم من استطاع اليه سبيلاً من (العمال و الفلاحين و المثقفين الثوريين) بما أتاحته لهم وسائل التواصل الاجتماعي من منابر نفاق و تزلّف لم تكن متاحة للجميع من قبل.
و لا تظنن أن المطبّل مرتاحٌ في عمله هادئ البال مطمئنّ السريرة فلكلّ شيء آفة، و آفة التطبيل المزاودة على المطبّل. ففي حين يظنّ أنه أدى واجب النفاق و التزلّف باحترافية و إتقان يأتيه من يزاود عليه فيهوِّن في نظر المطبَّل لهُ تطبيل المطبِّل و يقلل من مبالغاته التطبيلية فيحرجه أمام صنم عجوته.
و ليس كلّهم بقدرة أبي تمّام حيث تعرّض لهذا الموقف فوجد المخرج بسرعة بديهته و سعة علمه حين امتدح أحمدَ بن الخليفة المعتصم فلما بلغ قوله :
إقدام عمروٍ في سماحة حاتمٍ
في حلم أحنف في ذكاء إياس
وحيث " لاتعدم الحسناء ذامّاً " فقد قال بعضُ المزاودين : " إن الأمير فوق ما وصفت ، ولم تزد على أن شبهته بأجلاف العرب " فأطرق أبو تمام قليلاً ثم قال :
لا تنكروا ضربي له مَنْ دونَهُ
مثلاً شروداً في الندى والباسِ...
فالله قد ضرب الأقل لنوره
مثلاً مـن المشكـاة والنبراسِ...
ولهول الصدمة على مزاودي التطبيل وشدة وقعها فقد أخذ أبو يوسف الكندي الفيلسوف _ وكان منهم _ الرقعة ولم يجد فيها هذين البيتين فعلم أنه قالها مرتجلاً فقال متفرساً : " إن هذا الرجل لن يعيش طويلاً " ؛ وصدقت فراسته حين توفي أبو تمام عن ثلاث وأربعين سنة .
فاقبلوا فيهم اليوم فراستي أنا حين أقول أنهم لن يعمّروا طويلاً. و فراستي لا تقصد حياتهم و موتهم و لكن أقصد لن يعمّروا حياتنا و لن يعمّروا فيها بإذن الله.
الأبيات اشارة لقوله تعالى :
((اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَْمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))
تدوينة للكاتب والاديب السوري / محمد مغربي على صفحته في الفيسبوك