في يوم 11 سبتمبر 2019 نشرتُ مقالا تحت عنوان: "هل نحن أمام ملامح عهد جديد؟"، وللإجابة على هذا السؤال قسمتُ المقال إلى أربع فقرات، وكانت الفقرة الأخيرة تحت عنوان: "الجيش والتنمية"، وقد جاء فيها وبالحرف الواحد: " أظهرت الأربعينية الأولى بأن هناك محاولة جادة لأن يكون جيشنا الوطني حاضرا كلما كانت هناك كارثة تستوجب حضوره، وأظهرت هذه الأربعينية بأن بوصلة الجيش قد تم توجيهها إلى القضايا التنموية، ومن المؤكد بأن ذلك سيزيد من تعزيز الثقة بين الجيش والشعب، وتلك مسألة في غاية الأهمية.
تدخل الجيش للتخفيف من "كارثة القمامة" في العاصمة نواكشوط، ثم قام من بعد ذلك ببناء مستشفى ميداني في مدينة ألاك استعدادا لأي طارئ، وقد بدأ هذا المستشفى يستقبل بالفعل المرضى في مدينة ألاك.
هذه خطوات في غاية الأهمية وتستحق التشجيع من الجميع، ونأمل أن نرى وفي وقت قريب فرق إنقاذ وإسعاف متحركة تتبع للجيش، وأن نرى طائرات عسكرية تتدخل لإنقاذ وإسعاف ضحايا حوادث السير الذين يصابون إصابات بالغة في حوادث تقع في أمكنة لا توجد قربها سيارات إسعاف." انتهت الفقرة من المقال المذكور.
اليوم تعيش بلادنا وضعا صعبا، وتهددها ـ كغيرها من دول العالم ـ جائحة كورونا، واليوم يتحرك جيشنا الوطني وبقية قواتنا المسلحة على أكثر من جبهة للمشاركة في التصدي لهذه الجائحة.
إن الجبهة الأولى التي يتحرك عليها جيشنا الوطني هي الجبهة الحدودية والتي يزيد طولها على 5000 كلم منها 2237 كلم مع دولة مالي. مطلوب من جيشنا الوطني أن يحمي هذه الحدود الشاسعة من الإرهابيين والمهربين والمتسللين، ولم تشغله المهمة الطارئة الموكلة إليه، والمتعلقة بتوزيع الطعام على فقراء العاصمة، عن مهمته المتعلقة بتأمين الحدود من الإرهابيين والمهربين والمتسللين. ففي الوقت الذي كانت فيه بعض عناصره توزع الطعام على الفقراء في العاصمة نواكشوط، كانت عناصر أخرى تحبط عملية تهريب على حدودنا الشرقية، وقد تمكن جيشنا من خلال تلك العملية أن يقبض على 7 مهربين وأن يحجز ويصادر كمية هامة من الأسلحة والمخدرات.
إن مراقبة الحدود لم تعد تتعلق فقط بحمايتها من الإرهابيين والمهربين كما كان في السابق، بل أصبحت تتضمن أيضا حمايتها من المتسللين المحتمل إصابتهم بفيروس كورونا المستجد، وكما قلت في مقال سابق، فإنه لا خلاف في الجوهر بين إرهابي يحمل حزاما ناسفا، يحاول أن يتسلل إلى داخل بلادنا ليفجر نفسه بين عدد من المواطنين الأبرياء، وإرهابي آخر يُحتمل أن يكون حاملا لفيروس كورونا، يحاول أن يتسلل إلى داخل بلادنا لينشر العدوى بفيروس قاتل في صفوف مواطنين أبرياء.
أما الجبهة الثانية التي يتحرك عليها الآن جيشنا الوطني، فهي جبهة ذات بعد اجتماعي، وتتعلق بتوزيع سلات غذائية على 20 ألف أسرة فقيرة في نواكشوط، وذلك للتخفيف من آثار حظر التجوال وغلق الأسواق. وحسب ما شاهدنا من صور، وما سمعنا من شهادات ميدانية، فإن جيشنا الوطني يؤدي هذه المهمة الجديدة التي تم تكليفه بها على أحسن وجه.
ـــــ
* ليست هذه هي المرة الأولى التي أكتبُ فيها مقالا لتوجيه كلمة شكر إلى جيشنا الوطني، لقد كانت البداية في يوم 17 سبتمبر من العام 2010 مع معركة "حاس سيدي"، والتي دارت داخل الأراضي المالية بين عناصر من الجيش الموريتاني وعناصر من القاعدة. في تلك الفترة عارضتُ ـ وبشدة ـ موقف المعارضة التي أنتمي إليها، فقد اتخذت المعارضة في ذلك الوقت مواقف منددة بعبور الجيش الموريتاني إلى داخل الأراضي المالية لخوض معركة مع عناصر من القاعدة. ولقد اعتبرت المعارضة بأن تلك المعركة ما هي إلا معركة تدخل في إطار الحرب بالوكالة التي يخوضها الجيش الموريتاني ضد القاعدة نيابة عن فرنسا.
لقد كتبتُ عن تلك المعركة، واعتبرتُ بأنها ستشكل بداية لتغيير الخارطة الجغرافية لساحة الحرب بيننا مع القاعدة، وهو ما كان، ولله الحمد. ولقد بلغ بي الحماس لتلك المعركة إلى أن وصفتُ كل من يعتبرها معركة بالوكالة عن فرنسا بأنه هو أيضا يمارس الإرهاب بالوكالة نيابة عن القاعدة. ومن بين المقالات التي كتبتها في تلك الفترة : "شكرا للجيش" ؛ "الإرهاب بالوكالة" ؛ "سامحونا" ؛ "الكلام المباح"....إلخ
حفظ الله موريتانيا..