خرج "الداه" إلى هذه الحياة بطريقـة غير شرعيـة، فقد وضعته والدته مكتملا بعد محاولات متعددة منها للتخلص منه بقتله وإجهاضه وهو ما يزال في بطنهـا خوفا من اكتشاف العار الذي سيلحق بها وبأسرتها ,لكن الله شاء أن يكتمل ويولد حيا.
وبعد ولادته ,حاولت التخلص منه ايضا وفكرت في خنقه أو رميه في الصرف الصحي ,غير أن أختها الكبرى أشارت عليها برميه في وقت متأخر من الليل في مكان عام يرتاده الناس ـ عادة ـ حتى يجد من يتكفل برعايته.
ويشاء الله عز وجل أن يلتقطه أحد المارة ويقوم بتسليمه لأحد المستشفيات في المدينة ,حيث اقترحت إحدى الممرضات أن يُسلّمه المستشفى لأسرة كانت قد أوصتها برغبتها في تربية طفل او اثنين من اللقطاء بسبب حرمانها من الاطفال.
اتصلت الممرضة بالعائلة وحضرت لاستلامه ثم قامت بإطلاق إسم مشابه لإسم جدها "الداه" ,وكانت الاسرة لديها قبله لقيطة أخرى سموها (منت الحكومة) فتكفلت برعايتهمـا والعناية بهما ,فكانا بمنزلة الأخوين الشقيقين.
ولئن كان الداه حُرم من ثدي والدته الحقيقية وحنانهـا، فقد وجد الحنان والحب الكبير عند مربيته أو بالأحرى أمِه الجديدة.
لم يكن الداه يعرف ـ في البداية ـ قصته المأساويـة، وكان الأطفال في مثل سنه يلقبونه بأسماء غير محترمـة ، وكأنه هو من قام بذلك العمل المُشين والمحرم ,مع انه لا يتحمل أي ذنب ولا جريرة.
تزوجت "أخت" الداه بعد أن أصبح عمرها 18 سنة فهي تكبره بخمس سنوات ، لكن "أمه" ومربيته مَرضت بمرض مزمن ـ عافانا الله وإياكم ـ وكان أبوه هو الآخر قد بلغ من الكبر عتيـا، وبمعنى آخر ,فقد أصبح الداه هو "رجل البيت" ,فهو من يتكفل بمصاريف علاج أمه من عمله البسيط ، حيث أنهم كانوا من أسرة فقيرة.
لم يبخل الداه على أمه ,فكان يعتني بها ويأخذها الى المستشفى كلما شعرت بألم حتى وافاها الاجل المحتوم , لكنها ـ رحمها الله ـ توفيت وهي غير راضية عن وضعية ابنها المِسكين ووضعيته الوزرية، وبرحيلها شعُر الداه بالمرارة واليتم والوحدة.
بعد رحيل أمه ,تزوج "والده" بامرأة تستحق إطلاق وصف المرأة الشريرة عليها ، لأنها لم تكن تهتم به ولا تقوم بواجب الرعاية الواجبة لوالده أيضا.
بعد سنوات بدأ يبحث عن حقيقته، فقد أدرك يقينا أنه ولدٌ "لقيط" ,وبعد رحلة شاقة من العناء والبحث , وبمساعدة أناس خيّرين ,وصل الى أمه الحقيقيـة، فذهب إليها وتحدث معها، فلم تصدق في البداية أن ابنها الذي رمته في الشارع في وقت متأخر من الليل حتى تُخفي خطيئتها عن الناس ,أنه هو مَن يقف أمامها الآن ، وكانت ساعتها متزوجة من رجل آخر ,لكنها لم تُنجب منه أطفالا.
حاول الداه التقرب من والدته قدر المستطاع، عَلَّه يجد الحنان والعطف اللذين فقدهما من سنين طويلـة، لكن أمه ذات القلب المتحجر كانت سيئة الظن بابنها، حيث اعتقدت أنه ما جاء بعد هذه السنوات الطويلة الا للبحث عن المال ,فلم يشعر منها يوما بأية عاطفة أمومة ,فتركها وذهب لحال سبيله...
وبعد فترة ,علم بأنها مرضت وأجريت لها عمليـة جراحية خطيرة ,قام بزيارتها والاطمئنان عليها.
وبعد خروج والدته من المستشفى وعودتها الى المنزل، قامت ببيع قطعة أرضية ثمينة كانت تملكها وقسمت ثمنها كصدقات على أقربائها دون أن تعطيه أي شيء.
في تلك الاثناء ,تعلق قلب الداه بابنة خالته الحقيقية وهي كذلك تعلق قلبها به، وعزم على التقدم لخطبتها.
أخبرته ابنة خالتـه أن والدته باعت أرضا تملكها ووزعت ثمنها على أقاربهـا، فذهب اليها وتحدث معها وعاتبها قائلا : أنت تعلمين يا أمي بأن حالتي يُرثى لها ,وانني لا أملك شيئا ,لذلك كان الأولى أن تعطي ولدك جزءا من المال مهما كان ضئيلا ,فأجابته غاضبة : أنت أتيت فقط للبحث عن المال ، لذلك سأعطيكَ مبلغا مقابل أن تكتب لي وثيقة تتعهد فيها بأن تغادر ولا تعود إليّ ثانية ولا تطلب مني أي شيء ,بل تختفي من حياتي نهائيا.
عند ذلك تأكد أن أمه لا ترغب في وجوده ، بل انه قد يشكل عائقا في طريقها وفي علاقتها مع زوجها ،ففضل الانسحاب بهدوء.
أما بالنسبة لابنة خالته فعند ما ذهب لخطبتها، قابله أخوها بالرفض الشديد قائلا :
لو كانت لك أخت هل ستزوجها بإنسان مثلك يا ترى!!!!
أطرق رأسه ولم يجب ,وخرج هائما على وجهه يسأل نفسه : ماذا ذنبي وماذا جنيتُ ليعاملني الجميع بهذه الطريقة؟.
قصة أعدها للنشر موقع الجواهر