هل الربيع العربي مسؤول حقا عن تفكيك دول عربية؟

جمعة, 03/01/2020 - 17:55

بعد أن آلت أوضاع العديد من دول الربيع العربي إلى تفكيك البنية المؤسسية للدولة، وانهيار قوتها المركزية، واشتعال الحروب الأهلية في بعضها، يُنحى باللائمة على الثورات العربية بوصفها المسؤول المباشر عن انهيار الدولة الوطنية العربية في تلك الدول.

ويُعلل المهاجمون للثورات العربية اتهامهم لها بالمسؤولية عن تفكيك البنية المؤسسية للدولة الوطنية، بذريعة عدم نجاحها في توفير البديل القوي القادر على حفظ الدول، وضمان أمنها واستقرارها، بل أفضت إلى تمزيق نسيجها الداخلي، وأشعلت فتيل الاقتتال الأهلي، ما أحالها إلى بلاد مدمرة، تتطلب عملية إعادة بنائها أموالا ضخمة، وعملا مضنيا لعقود قادمة.

وطبقا لمهاجمي الربيع العربي فإن من تداعيات الثورات العربية الماثلة للجميع تدمير أربع دول عربية، وهي العراق وليبيا وسوريا واليمن، زادت خسائرها الاقتصادية عن تريليون دولار بحسب تقارير صحفية، وتُقدر أعداد اللاجئين والنازحين فيها بالملايين، وزادت أعداد القتلى عن مليون قتيل ومفقود وجريح، إضافة إلى ما لحق البنية التحتية من دمار هائل في تلك الدول، مع ارتفاع نسب البطالة والفقر إلى أرقام مضاعفة جدا.

ويشير تقرير صادر في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن "نسبة الفقر في اليمن وصلت 75% مقارنة بـ47% قبل بدء الحرب في العام 2014"، وأوضح البيان أنه "منذ عام 2014 تسببت الحرب بزيادة الفقر في اليمن من 47 من السكان إلى 75% بحسب التوقعات بحلول نهاية عام 2019" وأضاف: "إذا استمر القتال حتى عام 2022 فستُصنف اليمن كأفقر بلد في العالم".

في المقابل يجادل مؤيدو الربيع العربي، وأنصار الثورات العربية بأن المسؤول المباشر عن كل تلك النتائج المؤلمة، والتداعيات المؤسفة هو أنظمة الفساد والاستبداد، وقوى الثورة المضادة، التي استفزتها الثورات العربية، ما دفعها إلى حشد جميع إمكاناتها وطاقاتها لمواجهة الربيع العربي، والسعي الدؤوب لإجهاض ثوراته الشعبية.

ووفقا للكاتب والمحلل السياسي اليمني، عباس الضالعي فإن "الربيع لا يتحمل مسؤولية انهيار الدولة الوطنية في دول الربيع العربي بالكلية، بل إن السبب الرئيسي يرجع إلى التمويل الخارجي لتدمير هذه الدول، خاصة التمويل السعودي والإماراتي الذي استفزه التغيير الذي ينعكس على الأوضاع السياسية في البلدين".

وأضاف: "وقد نجحت السعودية والإمارات في عرقلة التغيير في كل من اليمن وليبيا وسوريا والعراق، وهذه الدول جميعها دخلت في حروب أهلية، لكن هناك سبب من داخل التركيبة للأنظمة التي دفعت بها ثورة الربيع العربي، ويتمثل في تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي في هذه الدول، وهو ما شكل رعبا للأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وبعض القوى الدولية".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "إضافة لعدم وجود خبرات كافية في إدارة مؤسسات الدولة، وتحقيق متطلبات التغيير بروح العصر وأدواته، وتصعيد قيادات فاسدة أكثر من القيادات في الأنظمة التي قامت الثورات عليها، مثلا في اليمن تم تصعيد قيادات غارقة في الفساد أكثر من فساد القيادات في النظام السابق، وحتى القيادات التي جاءت من ساحة التغيير تلطخت بالفساد بشكل سريع حتى أن المواطن العادي أصبح يترحم على أيام النظام السابق".

وعن أوجه القصور والضعف في الربيع العربي، لفت الضالعي إلى أن "الربيع العربي يتقن الشعارات، لكنه – للأسف – فشل في تحويل تلك الشعارات إلى حقائق ملموسة، ففي اليمن تم تفكيك البلد وتسليمه للميلشيا والعصابات من قبل الرئيس الذي جاء به الربيع العربي، وهو عبد ربه منصور هادي الذي يعد أسوأ كارثة على اليمن خلال المائة عام السابقة" وفق وصفه.

وأردف "فهو الذي سلم الدولة والقرار للخارج تحت ذريعة مكافحة توغل تيار الإسلام السياسي في مؤسسات الدولة، وأدخل اليمن في حرب أهلية من ست سنوات، ولا بوادر لإيقاف هذه الكارثة إلا باقتلاع هادي أولا".

ووصف ثورات الربيع العربي بأنها "أخفقت في تحويل شعارات الدولة المدنية والعدل والمساواة والديمقراطية، وهذا ناتج عن عدم خبرتها في الإدارة وضعفها في العلاقات، وغياب الرؤية الوطنية للتغيير، وعدم وجود سياسة واضحة لاحتواء مكونات المجتمع السياسية والمدنية".

وانتقد الضالعي "قوى الربيع العربي بأنها هي وجه آخر للقمع والإقصاء، وإن كانت النسبة أقل من الأنظمة السابقة، لكنها لم تكن بالشكل المطلوب، أو بالشكل الذي تم رسمه من خلال الشعارات التي أُعلن عنها في برامج ثورة الربيع العربي عند انطلاقها".

من جهته قال الباحث السياسي والإعلامي الأردني، الدكتور أسامة عكنان "إذا كان القصد من تحميل ما يعرف بالربيع العربي مسؤولية تفكيك دول عربية كانت مستقرة، الإيماء إلى أن ما كان أفضل مما سيكون، وأن على الشعوب أن تقبل بوضع الاستبداد الفاسد القائم، فهذا تضليل تجب إدانته، أما إن كان القصد هو القيام بعملية تقييم لما حدث، فالمسألة تأخذ وجهة أخرى".

ورأى عكنان أن "الحديث عن تفكيك تلك الدول يفقد معناه، ويغدو حديثا غير بريء، إذا تجاهل أن أنظمة الفساد والاستبداد كانت سباقة إلى تفكيك تلك الدول، عبر خلق النزعة القبلية العميقة سياسيا في ليبيا واليمن مثلا، وعبر خلق تفرقة بين المواطن المنتمي حزبيا والمواطن غير المنتمي حزبيا في سوريا، وبالتالي فالحديث عن التفكير يجب أن يبدأ بمستواه الأول الذي كانت قد مارسته تلك الأنظمة ابتداء، وإلا فإن إثارة المسألة لن تكون بريئة ولا منتجة".

واعتبر عكنان في تصريحاته لـ"عربي21": "الحديث البكائي عن تفكيك الدولة لإدانة الحراك والانتفاضة ضد الظلم والفساد والاستبداد، واستعادة تلك الأنظمة لشرعيتها ومشروعيتها، هو حديث مشبوه ومراوغ، ما دام تقييم تجربة ما يعرف بالربيع العربي، ينطوي على الكشف عن أخطاء الحراك والانتفاضات، مع السعي لإعادة الاعتراف بشرعية ومشروعية من وما تمت الانتفاضة ضده".

أما عن تقييمه للفعل الحراكي الشعبي العربي في تجربة الربيع العربي، فبحسب عكنان "علينا الاعتراف بأن الجمهور المنتفض فشل في تحقيق غاياته لسببين، أولهما: الافتقار إلى القيادة والتنظيم الثوري، فحراك بلا رأس مصيره الفشل، من قبل من يملكون الرأس، والأنظمة تملك الرأس، وثانيهما: الافتقار إلى المشروع الثوري التحريري النهضوي، فثورة بلا مشروع مصيرها الفشل".

ولفت في ختام حديثه إلى أن "أنظمة الفساد والاستبداد هي أيضا ليس لديها مشروع، لذلك لم تكن تملك في ظل وجود الانتفاضة ما تقنع به الشعب بأنها هي البديل لأولئك الذين لا يملكون مشروعا ما داموا في الأساس قد ثاروا ضدها، لذلك وجب في ظل افتقار الأنظمة إلى المشروع، أن تستعيد شرعيتها ومشروعيتها بتصوير المنتفضين والحراكيين والثائرين بأنهم ليسوا فقط غير مالكين لمشروع نهضوي تحرري..، بل بوصفهم يمثلون مشروعا تدميريا تفكيكا مهلكا بصور متعددة ومختلفة".

  

         

بحث