أيام ,بل ساعات قليلة ونختتم فترة ال100 يوم من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ,الرئيس الذي أجمع أغلب الموريتانيين بكل أطيافهم ومشاربهم على دعمه وبنوا أهراما من الاحلام والآمال على نجاحه.
لقد اتسمت هذه الفترة القصيرة بالعديد من الانجازات ,حيث كانت البداية بتشكيل حكومة "تكنوقراط" من الخبراء والمختصين ,مما أضفى عليها طابع الجدية في عملها ,وباشرت بوضع الخطط والاستراتيجيات الملائمة لإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات المستعصية المطروحة ,الامر الذي لمسه المواطنون واستبشروا به خيرا.
فتح أبواب القصر الرئاسي على مصراعيه لأول مرة أمام رؤساء الاحزاب السياسية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني وحَملَة الفكر ,هي أيضا خطوة في الاتجاه الصحيح تهدف إلى إرساء سُنة التشاور وتبادل الرأي تنضاف لعديد الانجازات التي تميزت بها فترة ال100 يوم.
الاهتمام بالتعليم ـ كركيزة أساسية ومنطلق هام لتنمية مستدامة ـ كان ضمن أولويات البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس ,وقد جسده على أرض الواقع بإشرافه ـ شخصيا ـ على انطلاق السنة الدراسية من أحد الاحياء الشعبية النائية بالعاصمة ,وهي خطوة لها دلالتها ورمزيتها في نفوس المواطنين.
ورغم قِصر المدة ,وحجم المسؤوليات الجسام ,صُدمتُ كثيرا ,وأنا أقرأ لبعض الشخصيات البارزة التي كانت شاهدة على مجمل الأحداث وعاصرت مختلف الانظمة الماضية ,صُدمت من استعجالها للتغيير وكأن الرئيس بيده عصا سحرية يمكن أن يغير بها كل شيء خلال مئة يوم ,وهم أول مَن يعلم أن تغيير منهج أو خطة يتطلب فترة طويلة من الزمن أحرى تغيير الدول وبنائها وتطويرها ,بما يعنيه ذلك من وضع الاستراتجيات القصيرة والمتوسطة والطويلة.
لِمَ نكذب على أنفسنا ونخذل الرجل الذي نعلم جميعا أنه ورث تركة ثقيلة من الفساد والنهب والتخريب على مدى 60 سنة في مجتمع ما تزال القبلية والجهوية والمحسوبية تنخر في جسده وتتجذر في كيانه؟
إن مجتمعا يعتبر رجال أعماله هم العدو الاول له ,يستوردون له السموم القاتلة من الادوية المزورة والاغذية الفاسدة وينهبون خيراته ,هو مجتمع عصيّ على التغيير بالسرعة التي يعتقدها البعض ,وهذا ما يعمل فخامة الرئيس على تغييره وإصلاحه إصلاحا جذريا من خلال بناء نهج صحيح مُؤسسي يضمن التغيير المعقلن والتصحيح الممنهج من دون صخب ولا ضجيج ,حتى يساهم الجميع في تنمية البلد وتطويره رأسيا وأفقيا.
وهنا أود تسجيل كلمة للتاريخ دون إفراط ولا تفريط...لقد قام الرجل بكل ما يمكن القيام به في 3 أشهر ,وذلك في تؤدة وثقة تامة وإيمان راسخ منه بأن مَن يطمح لتشييد بناء قوي ,عليه ـ أولا ـ أن يضع الأسس القوية اللازمة ,فموريتانيا تمر بتحولات تاريخية جعلتها محط أنظار العديد من القِوى الدولية التي تتصادم مصالحها ,كما أن الاكتشافات الهائلة للغاز الطبيعي في شواطئنا ,جعلت لُعاب الكثير من المستثمرين الاجانب يسيل طمعا في نيل حصة من الكعكة قبل فوات الاوان ,الامر الذي يدركه فخامة الرئيس جيدا ويتعامل معه بحكمة وحنكة ,وهذا ما يتطلب منا جميعا كمواطنين عاديين وكنُخب سياسية ومثقفين مواكبة هذه المرحلة الهامة من تاريخنا المعاصر ,وذلك بتجاوز بعض الأخطاء غير المبررة ,كما يتطلب شد الاحزمة وجلد الذات وتكاتف الجهود والارتقاء إلى مستوى المسؤولية المُناطة بكل واحد منا ,بعيدا عن المصالح الخاصة الضيقة وحب الذات ,والابتعاد عن مقولة (أنا فقط ومن بعدي الطوفان).
فمتى كانت الحمية والولاء للجهة أوالقبيلة أولى من الولاء للوطن والدفاع عن مصالحه والالتزام بثوابته ,ولماذا نرى هذا الانفصام لدى المثقف الموريتاني؟ فمعظم الذين ينتقدون الرجل ويملئون آذاننا صراخا وضجيجا ,لم يفعلوا ذلك الا بسبب أن الجهة أو القبيلة التي ينتمون لها لم تنل حظا وافرا ـ في نظرهم ـ من التعيينات والمناصب.
ليس خطئا أن يتطلع البعض لمنصب أو يتوق لوظيفة ما ,نظرا لِما قام به من خدمات كبيرة لدعم الرئيس وبرنامجه الانتخابي وما بذله من جهد سرا وعلانية في سبيل ذلك ,إلا أن على الجميع التحلي بالصبر ,فالايام قادمة ,والرجل ما يزال في بداية مشواره ,ومن المؤكد أنه سيُعطي كل ذي حق حقه ,خاصة مِن مَن يستحقون المناصب والتعيينات على أسس واضحة يمتلك أصحابها من الكفاءات ما يؤهلهم لتولي المهام التي ستُناط بهم ,وأنا على يقين بأنه لن يُستَثنى أحد من ذلك.
وفي الختام أقول : إن الامال والاحلام كبيرة والمواطنون يتطلعون إلى إنجازات سريعة بقدر تلك الآمال ,لينعموا بالعيش الكريم في وطن منحوه الكثير ولم يجنوا منه إلا القليل عبر عشرات السنين ,لكن المستقبل واعد والخير كثير ,والرئيس لديه من العزم والحزم والاصرار ما سيمكنه ـ بإذن الله ـ من تحقيق تلك الآمال والطموحات.
بقلم الكاتبة/ زهراء نرجس رئيسة تيار المسار