كيف جلب "السيف العربي" الثروة والازدهار لشركة بريطانية؟

اثنين, 16/09/2019 - 09:41

يقول غرانت مكدونالد، صاحب ورشة لصياغة الفضة في لندن، إنه كاد "يطير فرحا" عند خروجه من أحد القصور الملكية في الشرق الأوسط.

ففي هذه الزيارة، عقد صفقة من شأنها إحداث نقلة في حجم أعماله. ورغم مرور حوالي 40 عاما على هذه اللحظة، إلا أنه ما زال يستعيد كل تفصيل فيها بقوة.

وقال مكدونالد، البالغ من العمر 71 عاما، إنه "كان شعورا رائعا. ومجرد سرد الحكاية الآن يمنحني شعورا كبيرا بالإنجاز، بالضبط كما شعرت في ثمانينيات القرن العشرين".

أسس مكدونالد ورشة المصوغات الفضية التي يملكها في ستينيات القرن العشرين، لكن الأزمة التي مر بها الاقتصاد البريطانين في السبعينيات دفعته للبحث عن أسواق خارج البلاد.

وبالفعل، تمكن من الحصول على بعض التعاقدات الصغيرة عام 1979 في إحدى دول الخليج العربي، التي رفض ذكرها لأسباب تتعلق بالخصوصية.

وبعد عامين، أثناء إحدى زياراته لهذه الدولة، سُئل مكدونالد ما إذا كان على استعداد لتصنيع أقيم هدية تقدمها العائلة المالكة لكبار ضيوفها، وهو السيف الشرفي.

ووافق مكدونالد على العرض، وتحدث عن جماليات السيف من باب التأدب، لكنه لم يكن منبهرا بصنعة السيف، فاقترح أن يضع تصميما جديدا له.

وعكف في غرفته في الفندق هذا اليوم على رسم تصميم جديد، وطُلب منه لاحقا أن يصنع واحدا كعينة. لكن المشكلة كانت في التكلفة الهائلة لهذا السيف، والتي يمكنها أن تؤدي به إلى الإفلاس.

بيد أن مكدونالد كان مصرا على موقفه، وخاض المخاطرة واشترى كل كميات الذهب والألماس والياقوت التي احتاجها، وبدأ العمل مع فريقه.

وأُعجبت العائلة المالكة بالسيف، الذي بلغت تكلفته حينذاك 50 ألف جنيه استرليني (ما يساوي 190 ألف جنيه استرليني اليوم)، وطلبوا منه صنع 15 آخرين.

ويقول مكدونالد: "سخرت كل إمكانيات الورشة لصنع هذه العينة، وكُللت جهودنا بالحصول على هذه الصفقة الضخمة التي أحدثت نقلة في حجم الشركة".

واليوم، تُدر شركته ملايين الجنيهات سنويا، وتحمل اسم "غرانت مكدونالد لندن"، وما زالت يأتيها الكثير من الصفقات من الشرق الأوسط، إذ دأب مكدونالد على زيارة المنطقة شهريا لأكثر من ثلاثين عاما، "فالشرق الأوسط أحسن إلينا كثيرا".

كما تحظى الشركة بثقة أمير ويلز، ولي عهد بريطانيا، الذي استعان بخدماتها في عدة طلبيات من قبل.

ولد غرانت في شمال لندن لأب طبيب، وبدأ ولعه بالفضة والمعادن القيمة منذ سنوات المراهقة، "عندما علمني أحد المرضى الذين ارتادوا عيادة أبي طريقة صنع ملعقة من الفضة، وكنت في الرابعة عشرة".

وبدأ صنع تصميماته في ورشة تحت عيادة والده، ويقول إن والده كان يدق بقدمه على أرض العيادة عندما يضيق بصوت الدق على المعادن.

ثم أنهى دراسته لمدة خمس سنوات في مدرسة وسط لندن للفنون، وكانت أول وظيفة له في إحدى ورش الحلي حيث كان يصلح الخواتم. ثم بدأت الطلبات الخاصة تتدفق عليه، حتى أسس ورشة صياغة الفضة الخاصة به في منتصف ستينيات القرن العشرين. وأصبح اسمها "غرانت مكدونالد لندن" عام 1971.

وتضم الشركة اليوم 18 موظفا، يصنعون جميع أنواع الحلي، بدءا من أزرار القمصان، وحتى أكبر القطع التي قد يصل سعرها إلى 250 ألف جنيه استرليني. وقد يستغرق صنع القطع الكبرى شهورا عدة.

ولا تستعين الشركة بالتكنولوجيا الحديثة، مثل التصميم والطباعة ثلاثية الأبعاد، ويقول غرانت إن المهارة البشرية ما زالت هامة. "فاليوم أصبحنا أكثر اعتمادا على التكنولوجيا، لكن غياب البشر عن الورشة سيؤدي إلى خسارة، وستتحول إلى مجموعة من الماكينات".

ويقول بيتر تايلور، رئيس مركز مصنعي الذهب، وهو جمعية بريطانية تدرب صانعي الذهب والمجوهرات، إن غرانت "أحد رواد جيله في صناعة وتصميم الفضة".

وأضاف: "غرانت وجه معروف، ويحظى باحترام جميع أفراد الصناعة، ولديه شركة كبرى تعمل بنجاح في المملكة المتحدة وخارجها."

وغرانت الآن في السبعين من عمره، ويُعد شركته الآن لمرحلة جديدة يتسلم فيها ابنه جورج مقاليد الأمور. وبدأ جورج العمل في الشركة منذ عام 2003، بعد تجربة في مجال النشر حيث عمل مصمما ومصورا.

ويقول غرانت إن تسلم ابنه لإدارة الشركة يشعره براحة شديدة، إذ يؤكد له أن شركته ستستمر. "فقد عملت طوال حياتي لتنمو هذه الشركة، ومجرد فكرة بيعها وتعويض العاملين ورؤيتها وهي تندثر مخيفة للغاية".

ولم يتقاعد غرانت حتى الآن، ويعمل ثلاثة أيام في الأسبوع من مقر الشركة في لندن. كما أن لديه ورشة في المنزل ينوي استخدامها في تقديم دروس في صنع المصوغات الفضية.

وقول غرانت "وتعليم أحفادي صنع ملعقة الفضة من بين قائمة الأشياء التي أريد إنجازها".

بي بي سي

  

         

بحث