ساهم توفر الأجهزة المنزلية لقياس ضغط الدم، وتوفر أجهزة قياس ضغط الدم المتواصل خلال الـ24 ساعة ABPM، في التعرّف على حالات من الارتفاعات والانخفاضات في مقدار ضغط الدم في فترات مختلفة من ساعات اليوم. وهذا الأمر الذي يلاحظه بعض مرضى ارتفاع ضغط الدم، يثير لديهم تساؤلات عن أسبابه وتداعياته، وكيفية التغلب عليه ضمن الجهود العلاجية لضبط ارتفاع ضغط الدم طوال ساعات الليل والنهار لليوم كله. كما قد يلاحظه بعض الأشخاص الأصحاء، ويثير لديهم التساؤل عن مدى دلالة ذلك على إصابتهم بارتفاع ضغط الدم.
ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، من الطبيعي أن تختلف نتائج قراءات قياس ضغط الدم خلال اليوم الواحد، وتتفاوت، بل إن ذلك قد يحصل فيما بين كل نبضة للقلب عن نبضة أخرى تليها. وتحصل هذه الاختلافات في ضغط الدم لدى غالبية الناس، إما تحت تأثير «اختلاف الإيقاع اليومي لضغط الدم» Diurnal BP Variationتبعاً لتعاقب دورة النوم والاستيقاظ، أو نتيجة «اختلاف تأثيرات عدد من السلوكيات اليومية» مثل: الانفعال العاطفي والإجهاد العقلي، وممارسة الرياضة، وتناول الطعام، وتناول أملاح الصوديوم وغيره، والاستحمام، وإخراج البراز، وغيرها من أنشطة الحياة اليومية
. 1- النوم واليقظة والإجهاد
ويجدر معرفة المفيد أو الضار من تلك السلوكيات المؤثرة ضمن خطوات ضمان معالجة ارتفاع ضغط الدم لدى المرضى، وأيضاً لفهم أسباب الاختلافات في نتائج قياس ضغط الدم لدى الشخص السليم.
دورة النوم والاستيقاظ. من الطبيعي أن يرتفع ضغط الدم بسرعة عند الاستيقاظ، مقارنة بالمقدار المنخفض له أثناء النوم الليلي العميق. ثم وأثناء النهار يبدأ ضغط الدم بالانخفاض التدريجي ليصل إلى ذروة الانخفاض في وقت مبكر من بعد الظهر، ثم يبدأ بالارتفاع التدريجي؛ ليصل إلى ذروة ذلك الارتفاع في وقت مبكر من المساء. وبعد ذلك، يبدأ ضغط الدم بالانخفاض التدريجي في وقت متأخر في المساء. ثم مع بدء الخلود في النوم، يبدأ مزيد من الانخفاض في ضغط الدم، ليصل إلى معدلات منخفضة جداً في أواخر فترة النوم الليلي. ويُلاحظ أن قراءات قياس ضغط الدم تشير إلى الارتفاع خلال ساعات العمل الليلية والانخفاض خلال ساعات النوم بالنهار لدى منْ تتطلب أعمالهم الوظيفية المناوبة بالعمل الليلي.
كما أن حصول ارتفاع ضغط الدم في الصباح الباكر يعتمد بشكل أساسي على النشاط البدني بعد الاستيقاظ من النوم، ولو بقي المرء في فراشه مستلقياً ومرتاحاً، لا يرتفع ضغط الدم لديه آنذاك، بل يرتفع بسرعة بعد مغادرته السرير. والارتفاعات الصباحية تكون أكبر لدى بعض مرضى ارتفاع ضغط الدم، وتُسمى «طفرة ضغط الدم الصباحية» Morning BP Surge، وهي التي قد تكون ذا صلة بملاحظة الباحثين الطبيين أن هناك ارتفاعا في احتمالات حصول نوبات الجلطة القلبية والسكتة الدماغية بشكل أعلى خلال تلك الفترة، من ساعات اليوم.
وبالمقابل، فإن عدم حصول الانخفاض الطبيعي الليلي في مقدار ضغط الدم Nighttime BP Dip أثناء النوم، مرتبط بارتفاع احتمالات حصول تضرر الأعضاء المستهدفة بالتلف عند مرضى ارتفاع ضغط الدم، أي القلب والأوعية الدموية والكليتين. ما يتطلب التعامل العلاجي مع هاتين الحالتين عبر ضبط توزيع أوقات تناول أدوية علاج ضغط الدم وانتقاء الطبيب لنوعيات منها ذات تأثير يختص بإحدى تلك الفترتين
. 2-الإجهاد الذهني والجسدي
يرتبط مقدار ضغط الدم ارتباطاً وثيقاً بالأنشطة العقلية والبدنية للمرء. وفي حال الإجهاد الذهني والبدني خلال ساعات العمل اليومي، قد تحصل تغييرات متفاوتة في ضغط الدم لدى الأصحاء من الناس. ولكنها قد تكون أعلى لدى مرضى ضغط الدم. كما لاحظت عدة دراسات طبية أن تلك الارتفاعات تحصل بشكل أكبر خلال أيام العمل الأسبوعية، بخلاف أيام عطلة نهاية الأسبوع.
وتفيد أيضاً نتائج عدة دراسات طبية بأن الإجهاد العقلي والجسدي مع اختلال النمط الطبيعي لدورة النوم والاستيقاظ، يؤثر بشكل أكبر في نمط التغيرات الطبيعية لضغط الدم خلال ساعات النهار والليل لدى الأشخاص غير المُصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم، وهو ما يمكن التخفيف منه بشكل واضح بتعلّم ممارسة آليات الاسترخاء النفسي والعقلي أثناء إنجاز مهام العمل وبعده، وأيضاً بالاهتمام بأخذ قسط كاف من ساعات النوم الليلي. 3- الرياضة والكسل
ممارسة الرياضة. من الطبيعي والصحي أن يرتفع مقدار ضغط الدم بشكل معتدل أثناء ممارسة التمارين الرياضية، ثم ينخفض ضغط الدم بعد ذلك. ويرجع هذا الارتفاع الطبيعي في ضغط الدم نتيجة ارتفاع كمية الدم التي يضخها القلب لتلبية حاجة العضلات للأكسجين والعناصر الغذائية اللازمة لإنتاج الطاقة. ويرتبط انخفاض ضغط الدم في مرحلة ما بعد أداء التمارين الرياضية بانخفاض إجمالي المقاومة الطرفية للشرايين Total Peripheral Resistance، وهذا الانخفاض الصحي يستمر لعدة ساعات.
وتشير المصادر الطبية إلى أن الكسل عن ممارسة الأنشطة البدنية سبب في الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم، وأن الحرص على ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة الشدة وفي غالب أيام الأسبوع، هو أحد السلوكيات الوقائية والعلاجية للتعامل مع ارتفاع الضغط. وتحديداً أفادت نتائج بعض الدراسات الطبية بأن ممارسة التمارين الرياضية في فترة الصباح تُسهم في خفض ارتفاع ضغط الدم خلال فترة النهار والليل، وأن ممارسة التمارين الرياضية في فترة أواخر ما بعد الظهر قد يُسهم في خفض ضغط الدم لدى المرضى الذين لا ينخفض لديهم ضغط الدم أثناء النوم.
4- تأثير الطعام
تناول الطعام وما بعد الأكل. يرتفع ضغط الدم قليلاً أثناء تناول الطعام ثم ينخفض بعد ذلك. ويرجع هذا الارتفاع إلى زيادة النشاط البدني أثناء تناول الطعام، بينما يرجع الانخفاض بعده إلى انخفاض المقاومة الطرفية الكلية للشرايين بسبب توسع الأوعية الدموية في الجهاز الهضمي وزيادة تدفق الدم إليه. وهذا الانخفاض في ضغط الدم يكون قليلاً لدى الأشخاص الأصحاء الشباب، ولكنه قد يكون كبيراً، ويُسمى «انخفاض ما بعد الوجبة» Postprandial Hypotension، وخاصة لدى المسنين، ومرضى ارتفاع ضغط الدم، ومرضى السكري الذين لديهم ضعف في عمل الجهاز العصبي السيمبثاوي Sympathetic Nervous System، وعند تناول وجبات طعام غنية بالسكريات. ويبلغ الحد الأقصى لانخفاض ضغط الدم بعد الأكل نحو ساعة واحدة بعد الأكل، ويستمر لأكثر من ساعتين، وقد يتطلب المعالجة الطبية للتخفيف من تداعياته.
ويزيد شرب القهوة والشاي في مقدار ضغط الدم لفترة قصيرة، لا تتجاوز النصف ساعة. ولدى البعض، يزيد تدخين السجائر بشكل مؤقت من مقدار ضغط الدم، وفي الغالب لفترة تصل إلى نصف ساعة، ما يجعل ضغط الدم لدى المدخّن يزيد بزيادة ممارسته للتدخين. ولذا يجدر الحرص على عدم قياس ضغط الدم خلال النصف ساعة التالية للتدخين أو شرب القهوة أو الشاي.
5- تناول الصوديوم والأملاح
يرتبط تناول الصوديوم الغذائي ارتباطاً وثيقاً بمقدار ضغط الدم لدى الإنسان الطبيعي ومريض ارتفاع ضغط الدم. ولدى مرضى ضغط الدم، يُلاحظ ارتفاع ضغط الدم نهاراً وليلاً عند تناول طعام عالي المحتوى بالصوديوم High - Sodium Diet، وبالمقابل يُلاحظ انخفاض ضغط الدم نهاراً وليلاً عند الحدّ من تناول الصوديوم.
ولدى فئة مرضى ضغط الدم الذين لديهم حساسية من الصوديوم Salt - Sensitive Patients، قد تكون درجة ارتفاع ضغط الدم الناجم عن الإكثار من الصوديوم، أكبر خلال الليل مقارنة بالنهار. وبتقليل تناول الصوديوم، ينضبط لديهم ضغط الدم أثناء الليل.
وبالمقابل، فإن تأثير تناول البوتاسيوم والمغنسيوم والكالسيوم هو عكس الصوديوم، أي تحصل نتيجة تناولهما انخفاضات في ضغط الدم، وخاصة في ضغط الدم بالليل. ولذا يُنصح بتناول الخضار والفواكه الغنية بالبوتاسيوم والمغنسيوم، وبتناول منتجات الألبان الغنية بالكالسيوم، ضمن غذاء مريض ارتفاع ضغط الدم وللوقاية منه.
6- الاستحمام وإخراج الفضلات
عند بداية الاستحمام يرتفع ضغط الدم، ثم ينخفض أثناء غمر الجسم أو غسله بالماء الساخن، ثم ينخفض أكثر مباشرة بُعيد الفراغ من الاستحمام، ثم يعود تدريجياً للارتفاع نحو مستوى ضغط الدم قبل البدء بالاستحمام، وتستغرق هذه العودة ما بين نصف ساعة إلى ساعة.
وهذه التغييرات هي الاستجابات الفسيولوجية المتوقعة لتعرض الجسم للماء بدرجة حرارة متوسطة أو عالية، وكلما طال أمد الاستحمام بماء أعلى حرارة، زاد الانخفاض في ضغط الدم.
أما خلال عملية التبرز لإخراج الفضلات، وما بعدها، فيختلف ضغط الدم وفق مدى سهولة الإخراج ومدى الضغط الذي يبذله المرء أثناء التبرز وسرعة الوقوف بعد الفراغ من ذلك.
وللتوضيح، فعند بدء عملية التبرز السهلة، يرتفع ضغط الدم لثوان ثم ينخفض إلى مستواه المعتاد. ولكن عند مواجهة صعوبة في الإخراج، ولجوء المرء إلى أخذ نفس عميق، ثم محاولة إخراج الهواء من الرئتين مع إغلاق منفذ خروجه من الفم والأنف (أي لسان المزمار Glottis)، وهو ما يُسمى «مناورة فالسالفا» Valsalva Maneuver، يحصل أولاً ارتفاع مؤقت لضغط الدم في الجسم كله، ثم يحصل مع زيادة ضغط كل من: عضلات الصدر والحجاب الحاجز وعضلات جدار البطن على تجويف الصدر، ارتفاع في ضغط الدم في الصدر، ما يؤدي إلى نقص تدفق الدم للقلب وانخفاض ضغط الدم في الجسم. وأثناء هذا قد يتضرر مرضى ضغط الدم أو منْ لديهم ضعف في شرايين الصدر بذلك الارتفاع في الضغط داخل الصدر والشرايين فيه، ما يستوجب الحذر من إجهاد الجسم أثناء التبرز وضرورة اللجوء إلى وسائل لتليين الإخراج.
كما يحصل مزيد من ذلك الانخفاض في ضغط الدم عند فراغ المرء من ممارسة هذه المناورة لدفع خروج البراز. وآنذاك إذا قام المرء مسرعاً من كرسي الحمام، يهبط ضغط الدم أكثر، ما يفسر الشعور بالدوار أو المعاناة من نوبات الإغماء التي قد تُصيب البعض آنذاك، وخاصة كبار السن أو مرضى السكري. ولذا يحتاج المرء شيئا من الراحة قبل الوقوف كي تزول تغيرات ضغط الدم التي أنتجتها ممارسة مناورة فالسالفا.
خطوات أساسية للطريقة الصحيحة في قياس ضغط الدم
> في أغلب الأحوال والظروف لعموم الناس، لا توجد طريقة لتشخيص الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم ومتابعة التغيرات فيه سوى الطريقة التقليدية باستخدام جهاز قياس ضغط الدم. ولأن الأرقام مهمة في هذا الشأن، فإن من المهم:
- التأكد من كفاءة عمل جهاز ضغط الدم.
- الدقة في إجراء قياس ضغط الدم بطريقة صحيحة.
- تهيئة الشخص المراد قياس ضغط الدم لديه بطريقة سليمة.
ولذا فإن إجراء قياس ضغط الدم يتطلب التنبه للعناصر التالية:
- قياس الضغط يكون بعد نصف ساعة على الأقل من تناول القهوة أو الشاي أو ممارسة الرياضة أو التدخين.
- قياس ضغط الدم عندما يكون الشخص جالساً على الكرسي، أي غير مستلقٍ على سرير الفحص أو واقفاً إلا في ظروف تُجبر على ذلك.
- يجب أن يرتاح الإنسان على الكرسي ما لا يقل عن خمس دقائق أو أكثر، حسب ما تدعو إليه الحاجة، قبل قياس ضغط الدم له.
- يجلس الشخص معتدل الظهر وواضعاً باطن قدميه على الأرض بشكل كامل، أي ليس فقط رؤوس أصابع قدميه أو بوضع ساق على ساق. ويضع مرفقه وساعده في الجهة المراد قياس الضغط منها فوق الطاولة المجاورة بشكل مريح، أو فوق جانب كرسي الكنبة لو كان في المنزل. والسبب أن شد أي من عضلات الإنسان في الأطراف السفلية أو العلوية يؤدي إلى ارتفاع في مقدار الضغط، قد يتجاوز 15 مليمتر زئبق.
- يجب أن يكون مستوى لف السوار حول العضد في مستوى القلب.
- سوار جهاز قياس الضغط يجب أن يغطي 80 في المائة من طول العضد. ويجب لفه بإحكام لتثبيته حول العضد دون ضغط شديد.
- يجدر قياس الضغط مرتين في الجلسة الواحدة، ويعتمد المعدل كمقدار ضغط الدم لدى الشخص آنذاك.
- يتم قياس الضغط في العضدين، الأيمن والأيسر، في أول زيارة. وإذا لم يُوجد فرق بينهما، يتم القياس في جهة واحدة في المرات التي تليها. وإن وُجد فرق بمقدار يفوق 20 ملم زئبق للضغط الانقباضي أو 10 ملم زئبق للضغط الانبساطي فيما بين العضدين، فإن استشارة طبيب القلب لازمة.
ش الاوسط