الحاجة ماسة الى حكومة متماسكة في مأمورية الرئيس الثانية لتجنب تكرار سيناريو عزيز

سبت, 05/04/2025 - 10:27

تشهد الساحة السياسية الموريتانية حركية لافتة في ظل أنباء متواترة عن تعديل وزاري وشيك في حكومة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

 

وتتحدث مصادر إعلامية عن مغادرة ستة وزراء على الأقل، بالتزامن مع تسريبات تشير إلى تذمر متزايد من أداء الوزير الأول مختار أجاي، وسط حديث عن مساعٍ منه لبناء لوبي نافذ داخل الدولة عبر تعيينات محسوبة الولاء له في إدارات ومراكز حساسة.

 

في هذا السياق، يبدو واضحاً أن النظام في مأمورية الرئيس الثانية يواجه تحدياً داخلياً حقيقياً، يتجاوز الأداء الحكومي العادي، إلى ما يمكن اعتباره اختباراً لمدى تماسك الجبهة الداخلية للنظام. فاختيار الشخصيات الحكومية وتوازن الولاءات داخلها، بات عنصراً محورياً في صياغة مستقبل الاستقرار السياسي والانتقال الديمقراطي المرتقب في 2029.

 

خطر "الولاء الشخصي" على حساب الانسجام الوطني

 

الوزير الأول مختار أجاي، بحسب ما تروج له بعض الأوساط، لا يكتفي بإدارة الملفات الاقتصادية والإدارية، بل ينشط في إعادة هندسة التوازنات داخل الدولة، عبر تعيين مقربين له في مناصب استراتيجية، في ما يعتبره البعض سعياً للتمكين الشخصي على حساب المشروع الوطني الشامل للرئيس. هذا التوجه، إذا ثبتت صحته، لا يهدد فقط الانسجام بين مكونات الحكومة، بل يضعف قدرة النظام على خوض الاستحقاقات القادمة من موقع موحد، ويكرّس الانقسام داخل دوائر الحكم، وهو ما من شأنه أن يعيد سيناريو انهيار الولاءات الذي واجهه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في أواخر حكمه.

 

الحكومة القادمة: ضرورة الانسجام والولاء للبرنامج لا للأشخاص

 

المرحلة القادمة تفرض على الرئيس تشكيل حكومة تمتاز بالانسجام الكامل مع برنامجه التنموي، لا مع طموحات شخصية لأفراد داخل الجهاز التنفيذي. فنجاح أي مشروع إصلاحي، اقتصادي أو اجتماعي، يبدأ من تماسك الفريق الحكومي حول رؤية واحدة وأولويات محددة، وليس من التنافس الصامت بين أجنحة تبحث عن مواقع النفوذ.

 

الأهم من ذلك أن الحوار الوطني المنتظر، والانتخابات المقبلة، كلاهما يتطلبان مناخاً من الثقة الداخلية بين شركاء الحكم، وتفاهماً بين مراكز القرار، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود لوبيات متصارعة أو شخصيات تُدار من خارج السياق الرئاسي.

 

دعاية الزعامات التقليدية وتأثيرها على التعيينات

 

من جهة أخرى، تشهد الزعامات التقليدية – من أطر القبائل ووجهاء المناطق – حراكاً غير مسبوق لحجز مقاعد في التشكيلة الحكومية الجديدة. فهذه الزعامات ترى في التعديل المرتقب فرصة لتقوية حضورها السياسي وتثبيت نفوذها المحلي عبر تعيين شخصيات محسوبة عليها في مراكز القرار. إلا أن هذا الضغط التقليدي، وإن بدا مشروعاً في سياق التوازنات الاجتماعية الموريتانية، فإنه قد يشكل عبئاً على الرئيس إذا لم يُدار بحكمة، خصوصاً إذا طغى منطق المحاصصة على الكفاءة والانسجام الوطني.

 

ضرورة الحسم الرئاسي

 

أمام هذا المشهد المعقد، تبدو الحاجة ملحة لتدخل حاسم من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لإعادة ضبط بوصلة السلطة التنفيذية وتشكيل حكومة تعكس إرادته وتخدم مشروعه، لا مشاريع خاصة أو قبلية. إن الفشل في ضبط التوازنات الداخلية، قد يعيد إنتاج أخطاء المرحلة السابقة، حين تصدعت السلطة من داخلها بسبب صراعات الولاءات وتغوّل بعض مراكز النفوذ.

 

باختصار، إن بناء حكومة قوية، متماسكة وموالية للرئيس وبرنامجه فقط، وليس لأشخاص أو شبكات مصالح، هو التحدي الأبرز في بداية مأمورية ثانية مفصلية، تعِد بتسليم السلطة في أجواء ديمقراطية مستقرة، إذا ما أُحسن ضبط إيقاعها الداخلي وتحصينها من التصدع.

  

         

بحث