العالم العربي ومصيره الاقتصادي

سبت, 21/09/2024 - 15:24

ظلت الأمة العربية على مدى قرون تقود العالم في مساعيه لاكتساب المعرفة والابتكار العلمي وكانت من بين أكثر المناطق المتقدمة اقتصاديا على وجه البسيطة. واليوم، تقف بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا –على تنوع مشاهدها السياسية والاقتصادية – عند مفترق طرق. 

 

فقد شهدت العقود الأخيرة تغيرات كبيرة، منها انتفاضات الربيع العربي، دون تغيير كافٍ، ولا سيما في تحويل الاقتصادات كي تلبي مطالب المواطنين بمعيشة أفضل. وأصبح العديد من بلدان المنطقة غارقا في الصراعات. وارتفعت الديون في بلدان أخرى إلى مستويات مثيرة للقلق.

 

ويقف الاستقرار والتماسك الاجتماعي على المحك في نهاية المطاف. أما بطالة الشباب في المنطقة فهي من أعلى المعدلات على مستوى العالم. ومن المتوقع أن ينضم أكثر من 100 مليون شاب مفعم بالأمل إلى قوة العمل على مدار العشرة أعوام القادمة وهم يتوقون إلى أن تشملهم السوق. وسيكون التقدم محدودا لو لم تتح للنساء فرص للنجاح. والتحدي الاقتصادي ليس مجرد مسألة فنية محضة – إنما هو مسألة سياسية في الأساس.

 

ومع قرب اجتماع قادة الاقتصاد في مدينة مراكش المغربية التي ستشهد انعقاد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يبحث هذه العدد من مجلة التمويل والتنمية كيف يمكن للعالم العربي الاستفادة من فرص النمو السانحة وإعادة بناء مركزه الاقتصادي.

يقول جهاد أزعور وتالين كورنشليان من صندوق النقد الدولي في مقالهما: "حان الوقت لإعادة النظر في محركات النمو الاقتصادي". ومن الصعب الاستمرار في الوضع الراهن لهيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي. ويجب على بعض الاقتصادات أن تضمن تحقيق نمو دائم وعادل بينما ترسم صورة مشرقة لفرص عمل الشباب وتحقق الاستفادة الكاملة من رأس المال البشري الذي توفره المرأة.

 

ويذكر جهاد أزعور وتالين كورنشليان أن التحول الحقيقي يقتضي زيادة شفافية القطاع العام ومساءلته، وتحديث المؤسسات الاقتصادية، والتوسع في المشروعات الخاصة، والاستجابة بشكل أكبر للتحول العالمي في نظام الطاقة. ويدعو مساهمون آخرون في هذا العدد إلى التغلب على الحواجز التي تعوق المساواة، وتحدي الأعراف الاجتماعية، ومواجهة المصالح الراسخة.

 

ويمكن أن يكون لتحديث العمل المصرفي والتجارة دور مهم، وهو ما يقتضي، على حد قول ناصر السعيدي وآثيرا براساد، إزالة الحواجز أمام مزاولة الأعمال والاستثمار داخل المنطقة وعلى مستوى العالم. ويبين الكاتبان أن دول الخليج – في ظل ما تتمتع به من روابط عالمية، واقتصادات تزداد تنوعا، واستثمارات في البنية التحتية للتجارة– يمكن أن تتصدر المسار في المنطقة.

ويقول أمجد أحمد إن التمويل الرقمي ينطوي على إمكانات هائلة لدفع الشمول المالي والنمو الاقتصادي، ويتحدث عن إصلاحات السياسات التي تهدف إلى جعل القطاع المصرفي قادرا على المنافسة وإلى جذب رأس المال المخاطر لشركات التكنولوجيا المالية المبتدئة.

 

ومن الواضح أن القوى العالمية والإقليمية لها دور مؤثر كذلك. ويكتب والي نصر أن التغير في مشاركة الولايات المتحدة في العمل، وزيادة تأثير الصين، والمواءمات السياسية الإقليمية الأخرى تمثل كلها تغيرا في البيئة الجغرافية–السياسية بين الأجيال. ويعرب عن رأيه بأن ذلك سيطلق العنان لإمكانات جديدة في المنطقة.

 

وفي مقال آخر ضمن هذا العدد، تدعو رانيا المشاط إلى إيجاد منهج عادل في الحصول على التمويل للعمل المناخي. ونعرض لمحة عن ثلاث صاحبات مشروعات تدفعن نحو التغيير الإيجابي في المنطقة. ونلقي الضوء على مسيرة نعمت شفيق، الخبيرة في الاقتصاد، وحياتها العملية في مجال السياسات العامة وعملها الأكاديمي.

 

ورغم أن التحديات التي تواجه المنطقة قد تكون جسيمة، هناك إمكانات هائلة وديناميكية كامنة في سكانها وبين قادتها الاقتصاديين. وهذه لحظة تاريخية حاسمة تدعو إلى اتخاذ إجراءات جريئة وإلى التفكير الخلاق في مستقبل العالم العربي. وربما كانت الفرصة سانحة أمام هذا العالم للاستفادة من إرثه في تشكيل قَدَره.

 

ونحن، في فريق مجلة التمويل والتنمية، قررنا أن الوقت قد حان للتحلي ببعض الجرأة والابتكار على صفحاتنا في هذه المجلة. وبصدور هذا العدد، نقدم تصميمنا الجديد الذي يعزز تجربة القارئ برسوم تصويرية في أقسامه المختلفة. وآمل أن ينشئ ذلك سمة أقوى وأوضح تتميز بها مجلة التمويل والتنمية مع استمرارنا في التعريف بقادة الفكر في كل عدد منها.

 

والشكر موصول على مطالعتكم لمجلتنا.

 

غيتا بهات، رئيس التحرير في مجلة التمويل والتنمية.

  

         

بحث