الكشف عن وصية صدام حسين للقذافي

ثلاثاء, 19/12/2023 - 16:58

في خطوة وصفت بالمذهلة أعلنت طرابلس في 19 ديسمبر عام 2003 تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل وأنها ترحب بالمفتشين الدوليين للتحقق من إيفاء ليبيا بالتزاماتها.

 

تلك الخطوة التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الغربية باستغراب وتعجب جعلت من ليبيا الدولة الثانية التي تتخذ مثل هذه المبادرة الطوعية بعد جنوب إفريقيا عقب سقوط نظام الفصل العنصري.

 

الكثيرون في الغرب ربطوا على الفور الخطوة الليبية بالقبض على صدام حسين قبل أيام معدودة، ورجح البعض أن القيادة الليبية بدت بهذه الخطوة كما لو أنها تطبق "وصية" تلقتها من صدام حسين والطبيب الأمريكي يتفحص أسنانه، إلا أن الخبراء يقولون عن مثل هذا التوجه في طرابلس لتطبيع العلاقات مع الغرب وإغلاق الملفات القديمة بدأ قبل ذلك بوقت طويل، وأن المفاوضات بين طرابلس وواشنطن ولندن بشأن تسليم البرنامج النووي والصاروخي الليبي السري كانت بدأت خلف الكواليس قبل عشرة أشهر من تاريخ الإعلان عن الخطوة.

 

نجل القذافي سيف الإسلام على شاشة شبكة "سي إن إن " الإخبارية الأمريكية، أعلن في ذلك الوقت أن "هذه الخطوة ستمهد الطريق لتطبيع علاقاتنا السياسية مع الولايات المتحدة ومع الغرب بشكل عام، وكذلك القضاء على أي تهديد ضد ليبيا من الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص".

 

بداية التحول الذي أفضى إلى تخلي ليبيا عن برامج أسلحة الدمار الشامل تعود إلى 4 أكتوبر عام 2003 حين تم تفتيش سفينة تجارية تابعة لشركة ألمانية في ميناء "تارانتو" بإيطاليا وعثر بها على خمس حاويات في طريقها إلى ليبيا تحتوي على مكونات لبرنامج تخصيب اليورانيوم الليبي. الشحنة صودرت في حين جرت الحادثة في أوج نشاط استخباراتي أمريكي بريطاني واسع في تلك الفترة لملاحقة الشبكة السرية الليبية التي بنيت لتغذية تلك البرامج السرية.

 

عقب الإعلان عن المبادرة الليبية الطوعية عمل مفتشون تابعون للولايات المتحدة وبريطانيا والمنظمات الدولية على تفكيك برامج الأسلحة الكيميائية والنووية والصاروخية الليبية، وبالتوازي اتخذت واشنطن خطوات في اتجاه تطبيع علاقاتها مع طرابلس التي كانت قطعت بشكل رسمي ورئيس في عام 1981، كل ذلك جرى بعد أن قامت الطائرات الأمريكية في عشرات الرحلات بنقل كميات هائلة من الوثائق والمعدات الحساسة من ليبيا.

 

عملاء الاستخبارات المركزية الأمريكية توصلوا حينها إلى نتائج بأن ليبيا لا تملك أسلحة نووية، لكنها كانت قريبة من هذا الهدف، وهي تملك كمية كبيرة من المواد السامة، ولديها مركز لتطوير الأسلحة البيولوجية، إلا أن مثل هذا السلاح لم ينتج بعد. كما أن طرابلس اعترفت لهم بأنها اشترت من كوريا الشمالية صواريخ باليستية.

 

مندوبو أجهزة الاستخبارات الأمريكية الذين تولوا تفتيش المنشآت الليبية، زعموا أن برنامج طرابلس النووي كان أكثر تقدما مما توقعوا، كما صرّح أحد قادة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن "ما رآه في ليبيا كان الاكتشاف الأكثر إثارة للإعجاب في السنوات الثلاثين الأخيرة".

 

 

المبالغة الرسمية الأمريكية في تقييم البرنامج النووي الليبي كانت مناسبة في ذلك الوقت في محاولة تلميع "السمعة الأمريكية" وإعادة الاعتبار إليها، وكانت واشنطن ضمنيا تقول للعالم المصدوم من كذبها حيال أسلحة العراق النووية والبيولوجية، "إذا لم نجد أسلحة دمار شامل في العراق، فها هي، لقد وجدناها في ليبيا"!

 

في تلك المناسبة التي أعلنت فيها ليبيا تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل، امتدح الرئيس الأمريكي جزرج بوش الابن الخطوة الليبية ودعا قادة كوريا الشمالية وإيران إلى أن تحذوا حذو القذافي!

 

بطبيعة الحال، بعد أن انقلب الغرب على القذافي في عام 2011، وتدخل حلف الناتو وشن هجمات جوية عنيفة وسلح المنتفضين ضد نظامه، وتعقبه إلى أن قبض عليه وقتل بطريقة بشعة، لم يعد أمام بيونغ يانغ إلا أن تشعر بالراحة وبالرضى لأنها لم تنصت لنصيحة بوش ولم تقتد بالقذافي!   

 

نواكشوط

  

         

بحث