حكم الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي ليبيا بين عامي 1969 و2011، لتقوم بعد ذلك الميليشيات المسلحة باعتقاله وقتله في 20 أكتوبر 2011. وجاء اغتيال القذافي على خلفية انتفاضة شعبية ضد نظام حكمه الذي وصف بالقاتم والغامض وغير المتنبأ بأفعاله.
هذا الحدث جاء في وقتٍ كانت تعيش فيه دولٌ عربية مثل مصر وتونس وليبيا في خضم الانتفاضات الشعبية التي عرفت باسم “الربيع العربي”.
في التالي، يقدّم موقع فنك لمحة عن حياة القذافي، بزوغ نجمه السياسي، ونظامه السياسي ومصرعه في نهاية المطاف.
نشأته
لا يتحدر معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي من خلفية نخبوية. ويقال إنه ولد 7 يونيو عام 1942 في خيمة في الصحراء بالقرب من سرت، من قبيلة القذاذفة. وبما أن العائلات البدوية غير المتعلمة لم تكن تحفظ تواريخ الميلاد بشكلٍ دقيق، فإننا نجهل التاريخ الدقيق لميلاد القذافي. وعندما بلغ العاشرة من عمره تقريباً (عام 1952)، دخل المدرسة الابتدائية في سرت، ثم انتقل إلى مدرسة إعدادية في سبها عام 1959. عام 1961، التحق بالمدرسة الثانوية في مصراتة. وعام 1963، دخل بعدها الأكاديمية العسكرية الملكية في بنغازي.
لاحقاً، تمت بلورة هذه الحقائق الأساسية بالتفصيل، ولأغراض دعائية جزئياً. وشددت سيرته الذاتية المعتمدة على ثلاثة أشياء: خلفيته الصحراوية؛ والنسب الوطني لأسرته؛ وإضفاء الطابع السياسي عليه في سن مبكرة. فكانت عائلة القذافي فقيرة، وكان أول من تعلم القراءة والكتابة فيها. وعندما كان في المدرسة الابتدائية كان يزور عائلته فقط في عطلة نهاية الأسبوع، وينام في المسجد خلال أيام الأسبوع.
وزعم معمر القذافي أن جده، عبد السلام أبو منيار القذافي، قُتل وهو يحارب الإيطاليين بالقرب من مدينة الخمس عام 1915. وعندما كان في المدرسة الإعدادية في سبها، تم طرده بسبب أنشطته السياسية؛ وفي المدرسة الثانوية في سرت، قام بتنظيم مظاهرة ضد سوريا احتجاجاً على انهيار الوحدة مع مصر.
والأمر المؤكد هو أن بعض صداقاته المدرسية دامت طيلة حياته وقدمت نواة نهائية لمجلس قيادة الثورة. وتعرفت مجموعة أساسية على بعضها البعض من المدرسة الثانوية وحتى الابتدائية ومن الأكاديمية العسكرية في بنغازي، حيث شكلوا حركة الضباط الأحرار للتخطيط للإطاحة بالنظام الملكي.
والتقى القذافي بعبد السلام جلود، من قبيلة المغارة، في المدرسة في سبها، وأصبحوا أصدقاء مقربين؛ كان جالود أول نائب لرئيس لجنة التنسيق الإقليمي ثم أصبح فيما بعد وزير المالية ورئيس الوزراء؛ وأفيد بأن مصطفى الخروبي، وهو عضو آخر في المستقبل في لجنة التنسيق الإقليمي، هو أيضا زميل صبيحة. وكان صديق آخر من هذا الوقت هو محمد الزواي، الأمين العام الأخير لمؤتمر الشعب العام في ليبيا وبالتالي رئيس الدولة النظري من عام 2010 حتى عام 2011، ولكنه لم ينضم إلى الجيش أبدا، وبالتالي لم يكن ضابطا حرا أو عضوا في لجنة التنسيق الإقليمية.
في المدرسة الثانوية في مصراتة، التقى القذافي عمر ميهايشي، وهو عضو آخر في المستقبل في لجنة التنسيق الإقليمي. إلا أن معظم أعضاء المجلس في المستقبل جاءوا من الوقت الذي كان فيه القذافي في الأكاديمية العسكرية في بنغازي. وكان أبو بكر يونس جابر وزيراً للدفاع في المستقبل ورئيساً للجيش منذ عام 1970 وحتى الحرب الأهلية في عام 2011، وكان خويلدي حميدي وزيراً آخر.
“الثورة الجماهرية ”(1969 – 1977)في 1 أيلول/سبتمبر عام 1969، استولى 12 ضابطاً في الجيش الليبي على السلطة في انقلاب أبيض. ولأن الانقلاب حدث في اليوم الأول أو “الفاتح” من شهر أيلول/سبتمبر، أصبح الانقلاب معروفاً بثورة الفاتح. وكان الضباط ناصريي الهوى، وهذا ما دفع مجلس قيادة الثورة الذي شكلوه لاتباع النهج الناصري. في البداية، كان مجلس قيادة الثورة هيئة وهمية: لم يتم الإعلان عن أسماء أعضائه حتى كانون الثاني/يناير عام 1970. عندئذ اتضح أن قائد هذا المجلس كان المقدّم معمر القذافي الذي تمت ترقيته إلى رتبة عقيد في اليوم الذي تلا الانقلاب. كان القذافي وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة من خلفيات غير نخبوية، فالكثير منهم من قبائل أدنى منزلة في المنطقة المحيطة بمدينة سرت.
في بلد الحس الوطني فيه ضعيف، كانت مرجعيات مجلس قيادة الثورة هي التي للقومية العربية الناصرية. وكانت سياسات المجلس موجهة نحو إجلاء القواعد العسكرية الأجنبية وإعادة تنظيم العلاقات مع شركات النفط وتحويل السلطة عن البيروقراطية القديمة. تم تأميم المصارف والمستشفيات والمؤسسات التجارية وشركات التأمين، كما أدى العداء لإسرائيل إلى ترحيل السكان اليهود المتبقين.
إلا أن النظام الجديد ذهب أبعد إلى أبعد مما قام به جمال عبد الناصر. تم تعريب المجتمع بالكامل – كان يُسمح فقط باللافتات المكتوبة باللغة العربية في الشوارع. لكن القذافي كان أكثر تعصباً للدين الإسلامي على المستوى الشخصي من جمال عبد الناصر، واستمر النظام بحظر رموز “الانحلال الأخلاقي الغربي”، مثل الكحول والدعارة والإباحية والكازينوهات والنوادي الليلية.
رغم أن حركة الضباط الأحرار قدّمت أعضاء مجلس قيادة الثورة، إلا أن القذافي حظي بدعم أكثر من المؤسسة العسكرية. وكان معظم مؤيدي القذافي من أصدقائه وأساتذته أيام الدراسة، الذين وفروا مخزوناً من الموظفين الذي شغلوا مناصب حكومية (مثل الدبلوماسيين والإداريين والأساتذة الجامعيين). وكلا الطرفين كانا أقل رسمية من مجلس قيادة الثورة واستمرا طيلة فترة حكم القذافي. استمر مجلس قيادة الثورة حتى آذار/مارس عام 1977، عندما تم إلغاؤه ودمجه في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام الذي أصبح بمثابة هيئة تقود الثورة في آذار/مارس عام 1979.
بدأ مجلس قيادة الثورة يفقد أهميته تدريجياً لأن أعضاءه لم يكونوا على اتفاق دائم مع القذافي. حدثت محاولة الانقلاب الأولى في كانون الأول/ديسمبر عام 1969. لم يشارك في الانقلاب أعضاء مجلس قيادة الثورة بشكل مباشر، إلا أنهم سرعان ما بدأوا بالانفصال: غادر أربعة منهم بإرادتهم في فترة السبعينيات، وقتل أحدهم في حادث سيارة؛ وتم إعدام آخر لمحاولته تنظيم انقلاب.على الرغم من التشديد على القومية العربية والإسلام، وجد الضباط الثوريون صعوبة في الحصول على دعم السكان. ونفروا الطبقة الوسطى بسياسة جديدة تربط بين النخب السياسية والجماهير، دون إشراك زعماء القبائل والقادة الدينيين التقليديين. وعام 1971 بهدف تعبئة السكان، قام مجلس قيادة الثورة بتأسيس الاتحاد الاشتراكي العربي باعتباره منظمة جماهيرية تحت سيطرته. وتم حظر أية أشكال أخرى للسياسة والإعلام والنقابات التجارية. لكن لم يتمتع الاتحاد الاشتراكي العربي (تيمناً باسم التنظيم السياسي الذي أسسه جمال عبد الناصر) بشعبية كبيرة ولم يستطع فرض مراسيم النظام الثورية الاقتصادية والاجتماعية. واتضح أن الحاكم الرئيسي هو القذافي.
وفي 15 نيسان/أبريل عام 1973، وفي خطابه الشهير الذي ألقاه في زوارة بعد فترة من التأمل في الصحراء، أعلن القذافي عن نظام سياسي جديد مصمم وفق المبادئ الثورية، تاركاً النموذج المصري. وبدلاً من ذلك، ستكون ثورة جماهيرية تعيد تشكيل هيكلية الدولة وفق النظرية العالمية الثالثة الجديدة المذكورة في الفصل الأول من الكتاب الأخضر الذي وضعه القذافي. قدمت هذه النظرية نهجاً جديداً لا رأسمالياً ولا شيوعياً، وإنما جمع النظريات الاشتراكية والإسلامية.