22 محلل السباق
شاع في بلادنا ما يسمونه بمحلل السباق، بحيث يدخلون متسابقا من خارج إن سبق أخذ وإن سبق لم يعط شيئا، ويستدلون بحديث مرفوع في الباب وبما ذكره ابن جزي في قوانينه.
ونقول وبالله التوفيق: إنه قول باطل ولا حجة فيه، فقد قال ابن عبد البر في الاستذكار كتاب الجهاد: وذكر مالك عن يحي ابن سعيد أنه سمع سعيد ابن المسيب يقول: (ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل فإن سبق أخذ وإن سبق لم يكن عليه شيء)
قال ابن عبد البر: أنكر مالك قول سعيد هذا ولم يعرف المحلل.
وفي فتاوى شيخ الإسلام قال: وحديث محلل السباق حديث باطل ولا وجود له في الكتب المعتمدة، ومن رواه مرفوعا فقد غلط فهو من كلام سعيد بن المسيب، هكذا رواه الثقاة عن الزهري عن سعيد.
والمحققون يعلمون أن هذا ليس من كلام النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولا أصل له ولا فصل.
23ـ البلوغ بالسن
وكل تكليف بشرط العقل
مع البلوغ بدم أو حمل
أو بمني أو بإنبات الشعر
أو بثمان عشرة حولا ظهر
هذان البيتان لأبي محمد عبد الواحد بن عاشر، من نظمه المسمى بالمرشد المعين على الضروري من علوم الدين.
وهذا هو المشهور عند أهل هذه البلاد، فالبلوغ بالسن عندهم يكون بثمان عشرة، وهذه هي رواية ابن القاسم عن مالك.
ونحن نقول لك: إنه نقل غير صحيح، فالصحيح ما رواه عنه ابن وهب من أنها خمسة عشر، وهذا هو الذي تؤيده النصوص الصحيحة الصريحة، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث نافع قال «حدثني ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة قال: فلم يجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشر سنة فأجازني».
قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز، وهو خليفة فحدثته بهذا الحديث فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمسة عشر.
وزاد مسلم في روايته: ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال.
وقوله: يفرضوا لهم، أي يجعلوا لهم رواتب معلومة كرواتب الجند.
وأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج، وهو أيضا في صحيح ابن حبان بزيادة: ولم يرني قد بلغت.
قال الحافظ في الفتح: وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيها لجلالة ابن جريج.
لذلك قال النووي في شرح مسلم: هذا دليل لتحديد البلوغ بخمسة عشر سنة، فمتى استكمل خمسة عشر سنة يصير مكلفا وإن لم يحتلم، وتجري عليه الأحكام في العبادات وغيرها.
24ـ الكفاءة بالنسب
من الأخطاء الشائعة قولهم بوجود واعتبار الكفاءة بالنسب في الأنكحة، ويا طالما رأينا القضاة والفقهاء في موريتانيا يفرقون بين المرء وزوجه بحجة عدم الكفاءة، وهذه مسألة مصادمة لنصوص الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما عند مسلم وغيره: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
ويقول صلوات الله وسلامه عليه كما في الصحيح: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى).
وصح عنه صلوات الله وسلامه عليه قوله (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى في ذمتهم أدناهم).
وبالرجوع إلى السنة الفعلية نجده صلوات الله وسلامه عليه قد زوج بلالا من أخت عبد الرحمن بن عوف، وزوج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش، وابنه أسامة تزوج فاطمة بنت قيس، وتزوج سالم هند بنت الوليد بن عتبة وتزوج المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.
والكفاءة بالنسب أيها العزيز، إنما هي نتاج التراكمات الاجتماعية والتقاليد البدائية البدوية المتخلفة.
وإن تعجب فعجب كيف يحكم فقهاؤنا خليل ابن إسحاق ويجعلون مختصره قرآنا وفيصلا يتلى، ويقيدون به مطلق النصوص ويخصصون عامها وينسخون محكمها... ثم إذا قال خليل: (الكفاءة الدين والحال) حاصوا حيصة الحمر الوحشية!.
25ـ علاج الزوجة
يقول فقهاء المذهب إن الزوج غير ملزم بعلاج زوجته شرعا, فعلى أهلها تحمل نفقات العلاج في حالة المرض!
وهذا أمر مستهجن ومخالف لقوله جل في علاه (وعاشروهن بالمعروف) بل لا تكاد تجد ذكرا للمرأة في القرآن إلا وهو مقرون بالمعروف، ولو أن أصحابنا قالوا لا يجب على الرجل علاج نفسه مثلا, لسكتنا لأن المسألة خلافية، أما أن يعالج الرجل نفسه ويترك زوجته ملقاة على السرير أو الحصير فهذا - وإن كثر قائله ـ لا دليل عليه من جهة الأثر، وهو قبيح من جهة النظر.
26ـ المعتقة والسوداء
لايتفق المالكية على رأي أو قول محدد في الولاية، فعبد الرحمن ابن القاسم العتقي يقول: إن الولاية في النكاح ليست واجبة، ولا هي من شروطه ولا من أركانه بل هي مستحبة فقط.
قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار (.. وأما رواية ابن القاسم وما كان مثلها عن مالك فهو نحو قول أبي حنيفة والكوفيين ...)
وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد (لم تأت آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولي في النكاح فضلا عن أن يكون في ذلك نص...
وأما المرأة تجعل عقد نكاحها إلى رجل ليس بولي لها فيعقد نكاحها، فقال ابن عبد البر
(اختلف مالك وأصحابه في ذلك، ففي المدونة قال ابن القاسم: وقف فيها مالك ولم يجبني عنها ....)
وقال ابن خويزمنداد (اختلفت الرواية عن مالك في الأولياء، فقال مرة كل من وضع المرأة في منصب حسن فهو وليها سواء كان من العصبة أو من ذوي الأرحام أوالأجانب ...)
وكنت قد بينت في مناسبات سابقة خلاف المالكية في ذلك، وكان لي مع المعنيين نقاش وجدل طويل، جلدت فيه ظهورهم بسياط الأدلة، وحلقت ذقونهم بمواسي البراهين، والذي يهمني هنا أنهم يميزون بين نوعين من النساء:
1- (شريفة لها في الناس حال): فهذه لا تتزوج عندهم إلا بولي، ولا يتزوجها إلا كفؤ لها!.
2- (دنيئة ليس لها في الناس حال): وهذه تتزوج بلا ولي، ولا تشترط لها الكفاءة (لأن كل واحد كفؤ لها!)
ويقولون: إن الدنيئة هي السوداء والمعتقة! ...
فهل يعتبر سواد اللون عندهم دناءة؟
هل كل من اسود لونه يكون دنيئا في المذهب؟
راجعوا الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. ج 3. ص 467 . نشر: وزارة الأوقاف القطرية.
وراجعوا الإشراف لابن المنذر. ج4 .ص 34 .
إنهم ليقولون قولا عظيما! قول مردود شرعا ومستهجن طبعا، وقد أصاب ابن المنذر عندما قال في الإشراف بأن هذا التفريق حرام لا يجوز.
وهنا يكون فقهاء المذهب قد سبقوا يانسميس وأصحاب الفصل العنصري بقرون وقرون.
ولو اطلع مارتن لوثر كينج ومالكوم أكس ونلسون منديلا..على هذا الفصل لكانوا قد بدؤوا نضالهم ضد التمييز العرقي من هنا.
27ـ تيمم العروس
من الفتاوي المغلوطة الرائجة المنتشرة بين الناس في موريتانيا وخاصة في صفوف النساء، قولهم إن العروس يرخص لها في التيمم، حفاظا على ما في جسدها من طيب بدل الغسل الواجب عليها!
يقول الشيخ محمد الأمجد ولد أبي المعالي ناظما:
بناني حيث موجب الغسل عرى
بعرسك التي تزين الشعرا
ليس عليها غسل رأسها لما
في ذاك من إتلاف مال علما
بل مسحها عليه يكفي وحكى
إمامنا الحطاب وافر الذكا:
الطيب إن في جسد العرس غدا
كلا فلا تغسل ذاك الجسدا
بل حكمها إذ ذلك التيمم
للعلة التي لها تقدم
وفي الدسوقي كل ذا المسوق
ونعم ما ذكره الدسوقي
وللشيخ محمد عالي ولد عدود:
إذا العروس ازينت بطيب
يعم كل الجسد الرطيب
تيممت سبعا لصون ما ب
جسدها وانظره في الحطاب
ونحن نقول لك: إن هذا كلام باطل ونسبته للحطاب خطأ، فالحطاب إنما نقله عن أبي عمران الفاسي بواسطة (المسائل الملقوطة) وكان الحطاب حريصا على التحذير منه واعتبره مخالفا للمذهب.
وأنت إذا تصفحت مواهب الجليل للإمام الحطاب، تجده يقول عند شرحه لقول خليل (ولا ينقض شعره رجل ولا امرأة).
(قال في المسائل الملقوطة: قال الشيخ أبو عمران الفاسي: وأرخص للعروس أيام أسبوعها أن تمسح في الوضوء والغسل على ما في رأسها من الطيب، وتتيمم إن كان بجسدها، لأن إزالته من إضاعة المال انتهى... وهذا خلاف المعروف من المذهب).
فأنت ترى والحالة هذه أن عزوه للحطاب غلط.
وهب أن الحطاب أفتى به، فأين الدليل؟
ولا قوة لما نقله البناني أو الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير، عن ابن بطال من أن بعض التابعين أجازه...
فكل ذلك منعدم من جهة الأثر، ثم إنه ضعيف جدا وساقط من جهة النظر، فالحذر الحذر.
28ـ الأقراط
يتبع ان شاء الله........