أمين حبلا - يعتقد كثير من العرب أن موريتانيا هي بلد الرقيق، وأن أسواق النخاسة لا تزال قائمة في هذا البلد ذي التركيبة السكانية المتنوعة، أما في المجتمعات الغربية فإن الحرب قائمة على قدم وساق من أجل "تحرير عبيد موريتانيا".
وبين هذا وذاك، يمكن الجزم بأن العبودية في موريتانيا أصبحت أقل من النادر، وإن كانت آثارها لا تزال ماثلة للعيان، في مستويات الفقر وفي حدة الخطاب السياسي المستخدم لملف الحقوق.
في هذا التقرير، الذي ننشره في اليوم العالمي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وذكرى إلغائها، نتعرف على أشهر 10 معلومات أساسية عن العبودية في موريتانيا:
1- عاشت موريتانيا -مثل مختلف الأقطار المجاورة لها- ظاهرة العبودية طوال قرون متعددة، ترسخ فيها الرقّ كنسق اجتماعي ينتمي إليه الآلاف من السود الموريتانيين، وذلك تبعا لعوامل اجتماعية وأمنية متعددة في منطقة الصحراء، وكان الأسياد يتباهون بملك أكبر عدد من العبيد.
ولم تكن موريتانيا استثناء في ذلك، فقد كانت المنطقة كلها سوقا كبيرا لتجارة الرقيق، وكانت الجارة الجنوبية (السنغال) إحدى أهم منصات شحن العبيد ونقلهم إلى الولايات المتحدة الأميركية.
2- يحمل السود الناطقون بالحسانية في موريتانيا اسم "الحراطين"، وهم جزآن: أبناء وأحفاد العبيد السابقين، وبقايا أبناء قبائل ومجموعات من السكان الأصليين.
3- وقف بعض العلماء والتنظيمات الإسلامية القديمة في موريتانيا ضد تجارة الرقيق في ضفة نهر السنغال، وكان للإمام ناصر الدين زعيم الإمارة الإسلامية (توفي 1674 للميلاد)، دور أساسي في مواجهة تجار النخاسة الأوربيين، كما كان لدولة الأئمة التي أسسها العلماء الزنوج دور أساسي في مواجهة تجارة الرقيق.
4- احتلت فرنسا موريتانيا بموجب اتفاقية تبادلية مع بريطانيا تعرف باتفاقية الجزيرة الخضراء، وشملت بنودها توقيف تجارة الرقيق، لكن فرنسا لم تهتم -رغم النصوص القانونية الهائلة التي يزخر بها تراثها التشريعي- بإلغاء العبودية في موريتانيا، وفي حالات كثيرة تمت إعادة العبيد الآبقين إلى أسيادهم.
5- ألغت موريتانيا الرقّ بموجب نصوص متعددة، من بينها الدساتير المتعددة التي تنصّ على المساواة بين المواطنين، فضلا عن القوانين الخاصة بتجريم ومعاقبة مرتكبي هذه الظاهرة.
ففي سنة 1981، أقرّت الحكومة الموريتانية قانونا يرمي للقضاء على الرق، لكن تنصيص إحدى مواده على تعويض مالكي العبيد جعله يبدو كأنه إقرار بشرعية الاسترقاق وكشف لسطوة الواقع على القانون، واستمر الأمر على هذه الحال طوال فترة نظام الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع (1984-2005).
وصدر قانون آخر عام 2003 يحرم استغلال الإنسان. وفي عام 2007، اعترفت الحكومة باستمرار وجود العبودية، وأصدرت قانونا جديدا تميز عن سابقيه بتجريم ممارسة الرق لأول مرة، وأقرّ عقوبات تصل إلى السجن 10 سنوات نافذة، وحظر التلفظ علنا بعبارات مسيئة للأرقاء السابقين.
وفي عام 2015، صدر قانون جديد، وأضيف للدستور تجريم العبودية، واعتبرت في نص الدستور "جريمة ضد الإنسانية" و"لا تسقط بالتقادم".
وإضافة إلى ذلك، صدر قانون تنظيم العمالة المنزلية، وتم إنشاء قطب قضائي خاص بجرائم الاسترقاق.
ويرى حقوقيون أن هذا الحراك القانوني والقضائي ليس إلا تعبيرا عن إحساس السلطة بوجود بقايا وجيوب للرق، إذ من غير المنطقي أن تسن القوانين وتنشأ الهياكل القضائية للتعاطي مع مشكلة غير موجودة.
ولا يتوقف السجال بين المنظمات الحقوقية المناهضة للعبودية التي يرى العديد منها أن هذه القوانين غير مفعلة، وتتهم السلطات بالتلكؤ في تطبيقها، في حين تتهم الجهات الحكومية والمقربون منها في العادة بعض النشطاء الحقوقيين باختلاق وتضخيم وقائع غير موجودة.
اعلان
6- اهتمت الحركات السياسية والفكرية بملف الرق، وكانت حركة "الحر" بزعامة رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير، هي الوجه السياسي والحقوقي الأكثر تعبيرا خلال العقود الماضية عن مطالب وطموحات العبيد والعبيد السابقين. وفي السنوات الأخيرة، تأسست منظمات وهيئات حقوقية وسياسية لذات الغرض، من بينها حركة "إيرا" التي يقودها البرلماني والناشط السياسي بيرام ولد الداه اعبيدي.
7- لا تزال في موريتانيا طبقية متأسسة على كثير من قيم وممارسات العبودية، وخصوصا في مجتمع السونوكي الزنجي الذي يعيش الآن أزمة اجتماعية عميقة بسبب صراع العبيد السابقين وأسيادهم، مما يعني أن الموجة القادمة من أزمة الرق ستنتقل إلى مجتمع الزنوج، بعد أن ظلت لعقود علامة إدانة للقومية العربية في البلاد.
8- أدان القضاء الموريتاني عدة أشخاص بتهمة الاسترقاق، كما أبطل دعاوى أخرى، ومع ذلك ظلت الحكومات الموريتانية المتعاقبة تؤكد أن ما بقي من العبودية هو آثار اجتماعية واقتصادية لا واقع معيش.
9- دخل خطاب محاربة الرق في كل البرامج السياسية، وأنشأ الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني وكالة خاصة بمكافحة آثار الاسترقاق والقضاء على مخلفات الفقر والتهميش والحرمان.
10- يمثل ملف الرق ورقة انتخابية مهمة، مكّنت السياسي بيرام ولد اعبيدي من الحلول في الرتبة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأخيرة العام الماضي، علما بأن كثيرا من أبناء الأرقاء استطاعوا قديما وحديثا الوصول إلى مراتب سامية في الدولة، من بينهم في السنوات الأخيرة مسعود ولد بلخير أول رئيس للبرلمان من قومية الحراطين، والذي دخل المدرسة عوضا عن ابن سيده عندما كان الأسياد يرفضون إدخال أبنائهم "مدارس النصارى" (المستعمر الفرنسي)، ومع الزمن تحول ولد بلخير إلى أحد أهم ساسة البلد ورجاله البارزين.
يقرّ الموريتانيون بأن تجارة الرق كانت سائدة في بلادهم في الماضي، ويختلفون كثيرا حول توصيف ما آلت إليه الأمور في الحاضر، ويبقى الثابت الذي لا خلاف بشأنه هو أن كثيرا من أبناء الأرقاء السابقين وإن تحرروا من قيود الاستعباد التي أرهقت كواهل الأجداد، فإنهم ما زالوا يرسفون في أغلال مخلفات العبودية وآثارها البادية للعيان.