كثر اللغط حول لجنة التحقيق ,وسال حبر الكتاب فيها وجال السياسيون في دهاليزها ,وسطّر المدونون والصحافة عنها ,وكتب كل من له رأي ومن لا رأي له في حيثياتها، واشتغل الرأي العام بمتابعة جلساتها والجدل الدائر حولها، ومع ذلك فلم أعلق ولم أنبس ببنت شفة فيما يخصها ، ولم أخض في الموضوع - رغم كونه حديث الساعة - لأن الوضع ببساطة، لا يحتاج، في نظري، الى لجنة تحقيق ولا مساءلة، فحال البلد وحال شعبه يكفيان كدليل على النهب والتورط الذي وقع ,مع ممارسة شتى انواع الفساد... فموريتانيا منذ استقلالها وحتى اليوم الذي استلم فيه الرئيس الحالي شؤون الحكم، كانت معظم ثرواتها منهوبة ,وتعاني البقية القليلة المتبقية منها من سوء التسيير، فنحن بلد غني جدا بالثروات المعدنية - كالغاز الطبيعي.. الذهب.. النحاس.. الحديد.. اليورانيوم الخ.. – والثروات البحرية والحيوانية، عَدا عن المقدرات الزراعية التي تزخر بها أرضنا، فضلا عن قلة السكان والمساحة الشاسعة للبلاد.
ومع كل ما تقدم، وكدليل على صدق ما ذهبنت اليه، ومصداقية ما تطرقت له، فلا توجد حتى اليوم بنية تحية قوية او منظومة صحية مقبولة، ومستوى التعليم متدنٍّ جدا، ولا مستشفيات بمواصفات عصرية ,ولا جامعات بمستويات أكاديمية ,ولا ملاعب رياضية تكون متنفسا لعشرات الآلاف من الشباب الذين لا يجدون لتفريغ طاقاتهم البدنية الا التوجه الى الأمور الاجرامية، كما أن البطالة منتشرة والجوع والفقر مستشريان في أوساط شعبية كبيرة.
ولا بد لأي زائر جديد لبلادنا أن يتعرض لصدمة قوية، فلا وجود لمرافق سياحية ذات مستوى لائق، تغري الضيوف بالإقامة بيننا ولا شوارع نظيفة أو حدائق غناء، تسر الناظر وتبهج الزائر!!
فلِمَ نحتاج الى لجنة تحقيق برلمانية أوقضائية أو الى محاكمة هذا أو ذاك، فكل من حكم هذا البلد - ودون استثناء - فاسد، مُفسد، لم يُسيِّرْ تسييرا سليما ,من البواب إلى رئيس البلد، ومن الخفير إلى الوزير.
لذلك كنت وما زلت ضد لجنة التحقيق وضد المساءلة، لأنما يتطلبه الوضع الآن هو ثورة على الفساد وكل مخلفاته، بمشاركة الشعب والنخبة ومساندة رئيس الجمهورية، الذي نناشده الآن بالقطيعة التامة مع الوجوه القديمة، الغارقة من قدميها إلى أذنيها في وحل الفساد ,لأنها هي سبب مأساة هذا الشعب، والاعتماد - بدلا منهم - على طاقات شبابية مبدعة موجودة ووجوه جديدة نظيفة، مع تفعيل دور الرقابة الصارمة، وإنشاء محاكم خاصة بالمفسدين وناهبي المال العام يكون قضاتها من المشهود لهم بالنزاهة والمشهورين بالعدل والصرامة، وتمنح كل الوسائل المادية واللوجستية مع الصلاحية اللازمة لتمكينها من الوصول لجميع ما تحتاج اليه في تسهيل مهمتها، الأمر الذي سيمكنها من إجراء تحقيق دقيق وشفاف وإصدار الأحكام الرادعة في حق كل متلاعب بحقوق أو ثروات هذا الشعب الذي وُلد معظمه ومات في ظل دولة النهب والسرقة والغبن هذه.
كما أن علينا، بالإضافة لكل ما سبق، محاولة الرقي بهذا البلد من أجل إنقاذ ما تبقى من أشلاء هذا الشعب المسكين، لأن ما نُهب من ثروات هذا الوطن وخيراته يصعب استرجاعه من حيتان القرش التي التهمته!
فخامة الرئيس... نلتمس منكم أن تتخلصوا من كل هؤلاء الذين يتبجحون علنا بالكذب والنفاق، ويحملون - دون خجل - لواء "التلحليح" في البلاد , فهم وباء وبلاء خطيران، فكما استطعتم الحرب على وباء "كورونا" وكسبتموها، فمطلوب منكم شن حرب، لا هوادة فيها على هؤلا، واقطعوا رؤسهم، لأنها رؤوس الفتنة ورؤوس كل بلاء في هذه البلاد ، ويكفيكم وقوف هذا الشعب ونُخبه الوطنية النظيفة التي ساندتكم، وكلها أمل في التغيير، وما زالت مستعدة لأن تثور وتحطم كل تابوهات الفساد وتحميكم وتفديكم، فإرادة الشعوب أقوى من كل الطغاة، فسر بنا أيها القائد الى الامام، فالله يحفظك، ونحن معك.
بقلم الكاتبة / زهراء نرجس رئيسة تيار المسار