– الهرم
ينظر أبناء قبيلة الجيش إلى أنفسهم، وإلى القبائل الأخرى، وفق تراتبية اجتماعية راسخة فى العقيدة العسكرية. تراتبية تضع الجيش فى قمة الهرم، ثم الدرك، ثم الحرس، ثم الشرطة، ثم الأجهزة الاستخبارية. وتبقى النظرة إلى عناصر أمن الطرق – هؤلاء الدخلاء الجدد – غير مستقرة؛ تتأرجح بين الشرطة، والحرس، والدرك. لكنها لا تصل أبدا، إلى مستوى الجيش، فى التقدير والاحترام.
دفع قطاع الشرطة طيلة فترة ولد عبد العزيز، ثمن تهمة الولاء لولد محمد فال حين ساءت الأمور بينهما، حيث تعرض القطاع للإقصاء، والتهميش، ونقص فى الموارد والصلاحيات، بعد بطاقة التعريف، وجواز السفر، وتنظيم المرور. ولم يتول إدارة الشرطة أي شرطي أو مدني، منذ عهد ولد اميشين إلى اليوم. ويبقى الشرطي ضحية للصورة النمطية السلبية التي ترتسم فى الأذهان؛ إذ يقول له المدنيون : “أنت عسكري تحمل السلاح، ولست منا”، ويقول لهم العسكر “انتم قطاع مدني، ولستم منا”، ويقول له المواطن البسيط : “أنت لا تأتينا إلا يوم العقاب والقمع وتحصيل الضريبة.”، ويبقون فى أسفل ترتيب قوات الأمن.
وزير الداخلية فى النظام العسكري القائم منذ 78، لم تعد لديه صلاحية التدخل فى القطاعات التابعة له؛ فإدارة الحرس أصبحت يقال لها قيادة الأركان، ويتولى أمرها جنرال من الجيش يعينه الرئيس، وهو أكبر من الوزير، ومثلها إدارة الحماية المدنية التي تتولى إطفاء الحرائق. كما أن وزير المالية، لا يملك شيئا من أمره أمام مدير الجمارك، لأن الجيش يعتبر الجمارك بيت مال تابع له، وجزءًا من الكعكة، ولا يعقل أن يتولى تسييره عندهم إلا قائدا فى الجيش أكبر قدرا من الوزير، ولا يتكلم إلا مع الرئيس. وكان من المفترض فى النظام الديمقراطي المدني أن يتولى إداريون مدنيون عاديون، تسيير هذه القطاعات التابعة للحكومة.
الأمر يجر طرفه على المستوى الجهوي، حيث لا يقيم قادة الحرس والجمارك وزنا لتعليمات الإدارة الإقليمية، لأنهم تابعون بالفعل لمن هو أكبر قدرا وأشد نفوذا من الوالي، إذا كان مدنيا تعيسا.
محاسبة المفسدين وحدها لا تكفي للإصلاح، فإعادة هيكلة أجهزة الدولة أولى وأجدى نفعا على المدى البعيد.
وبعد جميع هذه القطاعات يأتي المدنيون التعساء، والمقسمون – فى السياسة – إلى ثلاثة قبائل غارمة هي : النساء، والأقليات العرقية، وأعوان الأمن من المدنيين. وبعد الجميع، يأتي المدنيون الذين لا علاقة لهم بالجيش – ويقال لهم “سيفيل” – فى أسفل السلم الاجتماعي؛ فى الحضيض.
هؤلاء هم أبواق النظام، ولا يكلفون إلا بدور واحد؛ لا يطلب منهم غيره، ألا وهو التصفيق، والتصفيق، ثم التصفيق، والزغاريد، والطبول والخيام، من أجل تأليه القائد، وجعله ربا يعبد، طيلة فترة جلوسه على العرش؛ لا لكونه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية، بل لكونه قائدا أعلى للقوات المسلحة. وتلك رتبة رمزية، لا يستحقها فى أعين أفراد القبيلة، إلا من هو – قادم للتو – من رحم المؤسسة العسكرية.
هنالك فرق بين الطريقة التي تعامل بها الضباط السامون مع الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله، وتلك التي يعاملون بها الرؤساء السابقين الآخرين الذين خدموا فى الجيش : ولد عبد العزيز، ولد محمد فال، ولد الطايع، ولد هيدالة، ولد أحمد لولي، ولد الولاتي؛ فلديهم اعتبارات أخرى وقيم أخلاقية، يستندون إليها فى التعامل مع الأفراد، داخل وخارج المؤسسة العسكرية.
11 – السيف
عن/ ريم يفيد
يتبع أن شاء الله...
لمتابعة الحلقات الماضية يرجى الضغط هنا