الطريقة الغزوانية للوصول الى السلطة (ج2)

خميس, 10/09/2020 - 13:23

هنالك تشابه كبير بين الطريقة العزيزية والطريقة الهيدالية المتعارضتين – من حيث الأسلوب – مع الطريقة الغزوانية التي لا تختلف كثيرا عن الطريقة الطائعية.

لا نتعرض هنا للطريقة التي وصل بها الرئيسان سيدي ولد الشيخ عبد الله والراحل اعلى ولد محمد فال، رغم كونهما يتقاسمان أمرا مهما، هو أنهما غادرا كرسي الرئاسة – وإن بشكل متفاوت – بملء إرادتهما، كما أن فترة حكميهما كانت فترة انتقالية محدودة. هذا بالإضافة لكونهما، إلى المدرسة الغزوانية أقرب؛ إذ يتقاسم ولد الشيخ عبد الله مع ولد الغزواني بُعد التصوف، بينما يشترك ولد الطايع مع ولد محمد فال – فى درايتهما وتأثرهما بأساليب الحكم فى المجتمع الغربي، إضافة إلى خلفيتهما العسكرية.

ويشترك ولد عبد العزيز وولد محمد فال مع ولد الشيخ عبد الله فى مغادرة الحكم بشكل طوعي؛ وإن كانت أحاديث المأمورية الثالثة، والبطاقة البيضاء، واتفاق داكار، نقصت من تلك الطوعية فى التنازل عن الحكم، خاصة بالنسبة لولد الشيخ عبد الله، إذ غادر تحت تهديد السلاح.

3 – اللعبة

ما نريد قوله باختصار، هو أن موريتانيا يحكمها الجيش، والقادة العسكريون مسؤولون عن كل شيء يحدث فى السياسة، منذ حرب الصحراء 1976 – فى آخر عهد ولد داداه – إلى اليوم؛ يكتبون السيناريوهات من داخل الثكنات، ويقررون طريقة إخراج اللعبة. وعندما يتعاونون مع ظهير مدني، ويسمونه الجناح المدني، يأخذونه – فى الغالب – من رحم الأجهزة الاستخبارية العاملة فى دوائر الحركات السياسية، من شتى المشارب الفكرية، دون تمييز؛ فهؤلاء – فى النهاية – جزء من المؤسسة العسكرية، سواء ارتدوا البذلة، أم خلعوها.

يلعبون بالسياسة لعبة الشطرنج؛ وأحيانا يلعبونها – فى الغابة – مع الصياد، لعبة الثور الأبيض. ومرة يلعب أهل السياسة بقائدهم لعبة الكوريدا.

ويلعبون جميعهم مع الصحافة والإعلام، لعبة الاستخبارات الأمريكية بحق المواطن فى معرفة الحقيقة، لعبة كلومار Glomar بشان الغواصة النووية الروسية التي غرقت فى المحيط الهادئ، أيام الحرب الباردة.

4 – الأسد

كان الأسد يعيش فى الغابة مع ثلاثة ثيران أقوياء: ثور أبيض يُرى فى الليل من بعيد، وثور أسود يرى من بعيد فى النهار، والثالث لونه أحمر لا يجلب انتباه الصياد، مثل لون الأسد.

وكان الأسد لا يقوى على أكل أي من الثيران بمفرده، ما داموا ثلاثة، فتآمر مع الثورين الأسود والأحمر للقضاء على الثور الأبيض، ثم مع الأحمر على الأسود. وحين عرف الثور الأحمر أن دوره آت قال : “لقد مت يوم مات الثور الأبيض”.

كان الثور الأبيض – أيام الفترة الانتقالية وحكم عزيز – هو أنصار ولد الطايع وأقاربه، إذ تعرض موظفوهم السامون ورجال أعمالهم، للظلم من قبل النظام، واتهموا أولا، بعمل تخريبي ضد الدستور، ثم بالتهرب الضريبي، لا لشيء، إلا لأنهم أقارب الرئيس.

وجاء دور أحمد ولد داداه 2007 (الثور الأسود)، حين خدعوه ببريق الانتخابات “الشفافة والنزيهة” بالاتفاق 2007، وعندما بقي الرئيس “المدني المنتخب” وحده فى الغابة (الثور الأحمر)، أصبح أمره هينا ومحسوما بانقلاب سلمي بسيط، يتم تشريعه بعد ذلك فى داكار، تحت ضغط السلاح و”الكتيبة البرلمانية”. كان بوسعه أن يقول فى خطاب الوداع بقصر المؤتمرات : “لقد مت يوم مات الثور الأبيض”.

ودفع المقربون من ولد الشيخ عبد الله، ثمن دعمهم له، وتمت تصفيتهم من الدوائر الحكومية بشكل ممنهج.

5 – الذنب

الثور الأبيض اليوم، هم هؤلاء المدنيون التعساء الذين كانوا يد ولد عبد العزيز التي يبطش بها فى السياسة، وها هم اليوم يُجرجرون أمام المحاكم، لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يتقنون المهمة التي كلفوا بها، وهي التصفيق، والتصفيق، ثم التصفيق للقائد، وجعله ربا يعبد.

لا ذنب لهم، إلا أن طبولهم كانت كبيرة، وأصواتها كانت تطرب القائد، دبغوا جلودها من المال العام. لكن الأمور تغيرت، وجاء قائد جديد، لا يحب أصوات طبول كانت قد شُبحت لغيره؛ فلديه أصحاب طبول جدد، جاهزون وطال انتظارهم للإشارة، كي يبدؤوا العزف والغناء فى الكوليزى والسيرك، على شرف القائد الجديد.

لا ذنب لهم، إلا أنهم كانوا يضغطون – بالأمس القريب – على الناخبين، باستخدام النفوذ والمال العام على المواطن البسيط، ينتزعون صوته لنواب الحزب الحاكم بأمر من الرئيس. وهؤلاء النواب الذين نجحوا بالضغط والتزوير، هم أنفسهم من يتولون اليوم إدانة أصحاب الطبول القديمة، بالخيانة والفساد. أصدقاء الأمس، أعداء اليوم.

إن للدهر إن تأملت صرفا ..

كان ولد ولد الغزواني قد أبقى عليهم إلى جانبه لبعض الوقت، ليطمئنهم ويفصلهم عن عزيز، ريثما يرتب الأمور المتعلقة بالأمن والسياسة، ليضربهم ضربة قاضية، ويأتي بآخرين… وهكذا دواليك، وفق قاعدة جاك برل : Au suivant, au suivant

6 – كلومار

 يضمن القانون الأميركي حق الإجابة للمواطن عن أي سؤال يطرحه على أي جهاز من أجهزة الدولة، بخصوص الشأن العام. وعندما غرقت غواصة نووية روسية فى المحيط الهادئ، أسس الأمريكيون شركة اسمها كلومار Glomar منحوها ترخيصا للبحث فى قاع المحيطات عن السفن الغارقة، وزودوها بالوسائل الكفيلة بالاستيلاء سرا على الغواصة الروسية، وعندما سئلت وكالة الاستخبارات عن صحة الأمر أجابت : “لا يمكن أن نؤكد، ولا أن ننفي، قصة كلومار مع الغواصة الروسية”، وصارت تلك الإجابة معروفة باسم كلومار، وصالحة لكل الأمور.

 “neither confirm nor deny” (NCND)

 

لمتابعة الجزء الاول يرجى الضغط هنــــــــا

 

نقلا عن  rimfeed.com

يتبع ان شاء الله....

       

بحث