إن الأنظمة الإدارية في موريتانيا تعتبر، إلى حد ما، نتاجاً لعدة عوامل تاريخية، بعضها يعود إلى فترة الاستعمار، حيث فرض المستعمرون أشكالاً إدارية لتسهيل حكمهم والسيطرة على الموارد. ورغم مرور ستة عقود على الاستقلال، فإن العديد من السمات الهيكلية للمؤسسات الإدارية لا تزال تتسم ببعض الخصائص التي قد تكون متشابهة جدا مع تلك التي أرادها الاستعمار.
على الرغم من وجود أفراد يحملون شهادات عليا فإن التعيينات في المناصب الإدارية العليا لا تتم إلا بناءً على العلاقات الشخصية أو السياسية، وليس على أساس الكفاءة أو الخبرة وفي كثير من الحالات، يتم تعيين الأفراد في المناصب، سواء كانت إدارية أو سياسية، من خلال ولائهم لأشخاص ذوي سلطة، مثل الوزراء أو الجنرالات أو حتى بعض رجال الأعمال المتنفذين، وهو ما يساهم في استمرار فساد الإدارة وضعف المؤسسات وبالتالي يمكن القول أن هذا النظام يعكس في بعض جوانبه منهجية الاستعمار التي قامت على تعيين ممثلين محليين يُمكن السيطرة عليهم لتمرير مصالح الاستعمار.
من جهة أخرى، هناك نوع آخر من التعيينات يستهدف بعض الأفراد لوضعها في مناصب عليا، ليس بناءً على كفاءتهم أو شهاداتهم الأكاديمية، بل بسبب استعدادهم لخدمة مصالح شخصيات نافذة لتسهيل نهب المال العام. هؤلاء الأفراد يُعتبرون جزءًا من دائرة جديدة تعمل على تكريس الفساد، وهو ما يساهم في تدهور القدرة الإدارية في البلاد.
يجب أن لا ننسى كذالك أن التعيينات الإدارية تعتمد في بعض الأحيان على الروابط القبلية، حيث يعين بعض الأفراد في مناصب كبيرة فقط لأنهم ينتمون إلى قبائل معينة أو لديهم علاقات قوية داخل هذه القبائل و هذا بدوره يشير إلى استمرارية تأثير الأسس التقليدية التي كانت سائدة في العهد الاستعماري، حيث كان المستعمر يفضل التعامل مع الزعامات القبلية لتسهيل حكمه.
و أخيرا ، ألا يمكننا القول أن الشكل الحالي للإداريين في موريتانيا يحمل بصمات من الحقبة الاستعمارية، سواء في طريقة التعيينات أو في استمرار الفساد والمحسوبية وهو ما يستدعي إعادة النظر في هيكلة النظام الإداري في البلاد بشكل يضمن تحقيق العدالة والشفافية.
محمد محمود آبيه