اتفاقية إمارة آدرار هي الاتفاقية الوحيدة الذي وقعها في يونيو 1894م رئيس الجمهورية الفرنسي سادي كارنو (Sadi CARNOT) والذي سيقتل سنة بعد توقيعه تلك الاتفاقية مع أمير آدرار لأسباب معروفة عند المؤرخين. كما وقع اتفاقية إمارة آدرار الوزيران الفرنسيان: وزير الخارجية حينها السيد جول دوفيل (Jules Develle) المتوفى سنة 1919م، ووزير التجارة والصناعة والمستعمرات السيد لويس تيرييه (Louis Terrier) المتوفى سنة 1895م. وقد وقعها من الجانب الآدراري الأمير أحمد بن سيدي أحمد بن أحمد بن عيده في 20 أكتوبر 1891م.
واتفاقية إمارة آدرار مكونة من خمس مواد، وأبرز ما فيها -في نظري- نقطتان: أولاهما التزام أمير آدرار بعدم توقيع أي اتفاقية مع أية قوة أجنبية، والثانية: أن الاتفاقية تبقى سارية المفعول لمدة ثلاثين سنة من تاريخ توقيعها واعتمادها. هذا فضلا عن مواد ثانوية مثل تشجيع التبادل التجاري والإكراميات، وهي شروط لا يخلو منها أي نص من تلك الاتفاقيات.
والسؤال لماذا وثيقة إمارة آدرار هي الوثيقة الوحيدة التي وقعها الرئيس الفرنسي بنفسه وووقعها اثنان من أبرز وزراء حكومته (وزير الخارجية ووزير التجارة والصناعة والمستعمرات) بينما لم يوقع الاتفاقيات المبرمة مع الإمارات الموريتانية الأخرى أو القبائل غير الإميرية غير الوالي الفرنسي المقيم بالسنغال أو الوالي الفرنسي المقيم بالسودان الفنرسي خصوصا أحدى اتفاقيات إدوعيش الثلاث واتفاقية إمارة أولاد امبارك؟
يبدو أن فرنسا حرصت على أن تكون الاتفاقية مع إمارة آدرار ذات طابع دولي، وموقعة من أعلى المستويات لسببين: أولهما: أن الفرنسيين قد تأكدوا في نهاية القرن التاسع عشر من أن أراضي منطقة آدرار تحتوي على مناجم عديدة من أبرزها الحديد، خصوصا وأن بعض المستكشفين الفرنسيين مثل الضابط فينسان، الذي زار آدرار سنة 1860، أكد على غنى تلك الأراضي بالمعادن المختلفة، وهو ما يعني ضرورة وضع اليد عليها قبل أي دولة أوروبية. والفرنسيون أصبح لديهم من المعلومات الطبيعية والجيولوجية عن منطقة آدرار ما لا يمتلكه غيرهم، ومن الضروري العمل على سبق غيرهم من القوى الأوروبية المتنافسة على القارة الإفريقية.
أما السبب الثاني، وهو المهم، ويتلخص في كون فرنسا تعرف أن إسبانيا قد وقعت اتفاقية في 10 شوال 1303هـ أي 12 يونيو 1886م اتفاقا مع أمير آدرار أحمد بن امحمد، وبموجبه يعترف هذا الأخير بالسيادة الإسبانية على نقاط محددة في الصحراء الغربية، وتريد فرنسا من إبرام اتفاقية جديدة مع سلفه وابن عمه الأمير أحمد بن سيدي أحمد ألا تترك المجال مفتوحا لإسبانيا، بل تحصر اتفاقها مع الأمير أحمد بن امحمد في مجال محدد لا يشمل غير الصحراء الغربية، ويستثني الشمال الموريتاني الذي تعرف عنه فرنسا من المعلومات الجيولوجية ما لا تعرفه إسبانيا.
وعلى هذا الأساس ستكون الوثيقة التي أبرمتها فرنسا مع إمارة آدرار، الموقعة على أعلى المستويات (الرئيس الفرنسي وأمير آدرار)، حجة عند أي نزاع مع إسبانيا حول تقاسم هذه المنطقة، ومآلات النفوذ في الصحراء الغربية وفي شمال موريتانيا. وهذا ما تم بالفعل لما وقعت فرنسا وإسبانيا في 27 يونيو 1900 معاهدة باريس التي رسمت الحدود بين وادي الذهب الواقع تحت السيطرة الإسبانية وبين موريتانيا الواقعة تحت السيطرة الفرنسية. وفعلا كانت اتفاقية أمير آدرار أحمد بن سيدي أحمد مع الفرنسيين سببا في إقصاء فرنسا لغريمتها إسبانيا وحجة قانونية تم يموجبها تحييد إسبانيا تمام، وهو ما سمح لفرنسا في المستقبل بوضع الفرنسيين اليد على المناجم الموريتانية بآدرار، ومن هنا نفهم حرص الفرنسيين على أن تكون الاتفاقية موقعة من طرف الرئيس الفرنسي ومن طرف أمير آدرار حتى تأخذ قوة الاتفاقية الدولية الملزمة بقوة القانون.
د. سيدي أحمد ولد الأمير