تَقليدٌ لم يَكتَمِلْ.
........ا
واتَتْني لُحيظات لأستَمع إلى مقطعٍ صوتي، تَتَمازح فيه ديمي وباب ولد النَّانه رحمة الله عليهما، المقطع جَمْعٌ لشَتِيتينِ حولَ تأدية مَرحة لأغنية "اتربَّبَّه".
ضوضاء الحكاية جعلتني على تماسٍ بذكريات تُمْتِع استعادتها،.. بابَ لا يُريد أن تَحفظَ ديمي الأغنية "الثّمينة"، يُريدها أن تَسْتعففَ عن أغنيته وهيَ الغنية عنها،.. إذ يَخشى أنْ يَحسم صوتها المنافسة لصالحها،..
وكانت القدّيسة تُجاري تداعيَّاته المَرحة بحنجرتها المِطواع،.. وبكل تواضع وأريحية تَتظاهر بأنَّها تتعلَّم منه "اتربَّبَّه"، تلك التَّغريدة السُّريالية،.. ماهَرَهَا بابَ في الغناء وهُوَ مَاهِر، .. يُناولها الكلمات بصوته الرَّخيم الأجَش، فتَشفّها وتنثرها بحسٍّ يَفيض..
ثم يُصوِّب لها حين تتهجَّى خلفه بعُسرٍ ضَاحكٍ "اسويد احمد ولد السِّبتي، السِّبْ السِّبْ السَّبتي"، .. فما اهتدت إلى النطق السَّليم "لبَسْبَسَتِه"، فيُغالبها وهو سعيد بغَلَبَته، ..
هُنا شعرتُ أنَّ شيئًا ثقيلاً اعتَقَل لسانَها وعَطَّل صَوتَها،.. هل كَبَتْ في اللَّحن؟،.. (هل خاظت آزّاي؟).. ولوْ!، فالأغنية في النِّهاية لا تُشبهها في شيء، لأنَّ رُوحها وكلماتها على مَقاسِ صوتِ بابَ وحده، وعلى مِقْياسِ فُكاهته، وقد قطعَ أمرَها لنفسِه حينَ تنَغَّمَ (اتربَّبه ما ينْفعها، كُونْ ابَّيْبَ لاَغنَّاها).
استَطْرَدَا، شَغَبهما المُلحَّن.. تَتَعقَّبه ديمي، تُخفِّف الخَطوَ بالهمس لتُوائم خَطوه،.. حتَّى وَصَلت في أثره إلى زغرودته الشَّهيرة،.. وهُنا أيضًا تعثَّرت!، فانساقت وراء الضَّحك تلهو بفقدانها النَّغم للمرة الثانية،..
وفي غمرة الهزل، ستتحرّر المارِدَة وتُقرُّ بإخفاقها: «آنَ ما نَعرفْ آزقاريت!»..، غَريب!،.. وهل مِنْ فاصلةٍ صوتيَّة تُعجز صوتها الذي لا ينقصه ناَقص؟..
أَأعْجزَها "أزَقْرَاتْ"؟،.. كيف؟!.. لأنَّ "آزقاريتْ" ببساطة، لا تليق بأَنَفَةِ صوتِها العَارم، وليست من منزلته،.. احْسستُ براحةٍ دفينة لكَونِها عَيِيَّت عن الإتيان بزغرودة " اتربَّبَّه "،.. فالزَّغاريد من حَماسِيّات العَوَامِّ غير النَّفيسة، ومن وَلْوَلَةِ "العَوالِم" ورَجْعِ انفعالاتها فوقَ قِمم ألسنتها،.. أمَّا ترنُّم القِّديسة فيُولَد مَزهُوًّا بِخُيَلاءٍ في لُبِّ خَافِقها، فتُوفيهِ ما يَقتَضيه.
كُلّما ارخَت ديمي حبال صوتها قُربي، أزَلتُ مَا يُوازيها، وكرّرتُ إحساسي على مَسامعي للمرّة الألف:«بأنِّي لا يَنْتَزعُني من استغراقي في نفْسي سِواها».. أسعدُ كثيرًا حين أغور في لحظة انكسارٍ أَبَحٍّ لصوتٍ لا يُسكته التّقادم.
لكن من باب "اخروجو"، لا حظتُ أنَّ "آزقاريت" المَعروفة بكمِّها وفَوْرَتِها في مواسم السِّيّاسة والمُعرَّفة اصطلاحًا بالنِّفاق، ليست حادَّة تمامًا في هذه الحملة، لماذا؟.. "الفظه ما حَركتْ؟"، أم الألسنُ تَعفَّفَت، أم الضمائرُ احتشمت.. أم أنَّها مدرسة بابَ في ترشيد بقية الأخلاق، .. فقد كانَ "أزَقْراتْ" المرحوم في "اتربَّبَّه" مكتوم الحِدّة، يَكبحه عن قصدٍ في تجويف فمه مُسَاتَرة من تأنيثه وخَجلاً لحَيائه،..
والخُلاصة، عن ديمي ما تَعرفْ "اتْزقرت"، رغم كونها وُلدت وفي فَمِها ميكروفون من ذَهب.. لقد رَفعَها الله حين كَفاهَا وبَال إذْكاء زوبعة لولبيَّة في حلقها.. رحمة الله علينا وعليها وعلى من أَنِفَ عنْ "آزقاريت" ولو بِكتمانِها في حَلقه.
تحياتي.
بقلم الكاتبة الرائعة/ الدهماء ريم