وصل مساء الثلاثاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى نواكشوط قادما من العاصمة المالية باماكو ضمن جولة إفريقية له، الزيارة تأتي بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الايراني لموريتانيا، كما أنها تأتي قبل زيارة الوزير الروسي للجزائر.
الوعد والوعيد:
"يتحدث لافروف أربع لغات وخامسة هي لغة الدم والعنف التي يتقن الروس تفجيرها في أنحاء من العالم..، منذ أن بزغ نجم دولتهم، على جماجم الشعوب المسالمة، وقد تولى لافروف الخارجية الروسية منذ 2004 خلفا لإيغور إيفانوف.. لافروف صعب المراس يحمل في جولته الافريقية وعودا بمساعدات اقتصادية وأمنية للقارة ولمنطقة الساحل ووعيدا واتهامات لدول الغرب باستنزاف خيرات افريقيا ومنعها من التقدم".
ولايعني ذلك أن أحدهما أو كليهما يحمل الخير للناس، فهم متنافسون في مصادرة رأي الشعوب، وسرقة ثرواتها.
زيارة رئيس الدبلوماسية الروسية لموريتانيا وجولته الإفريقية عموما تأتي في سياق زمني خاص بالنسبة لروسيا التي أصبحت في مواجهة مفتوحة مع اوربا والولايات المتحدة بعد أن وقعت في المستنقع الأوكراني.
الزيارة تأتي في سياق تأكيد ما تصفه موسكو على أنها تبحث جديا عن اتفاقات وعلاقات أمنية مع الدول الإفريقية، في حين ينحسر النفوذ الفرنسي والأمريكي في المنطقة.
الاكتشافات الغازية الواعدة في إفريقيا والتي يسيل لها لعاب الشركات النفطية العابرة للقارات ومن ضمنها الشركات الروسية، تشكل هي الأخرى محط اهتمام لروسيا التي تعاني ركودا اقتصاديا متزايدا جراء الحرب وشبح الحصار الذي فرضه الغرب عليها.
فالشركات الروسية تمتلك خبرة كبيرة في مجال التنقيب عن النفط واستخراجه، وهناك شركات روسية حصلت مؤخرا على امتياز التنقيب عن البوكسيت في غينيا، وتبرم صفقات لاستخراج الألماس في أنغولا، وتحصل على صفقات لاستخراج الغاز الصخري من موزمبيق.
سياسة التموقع في القارة الإفريقية التي تتحرك الدبلوماسية الروسية من أجلها ترمي عصفورين بحجر واحد، ففضلا عن أبعادها الاقتصادية، فإن تعزيز الوجود الروسي في إفريقيا جزء من استراتيجية موسكو في المواجهة مع الغرب وضربه في عقر دياره السابقة.
ولا يتوقع أن يجد كثيرا من التجاوب من القيادة الموريتانية التي تتمع بعلاقات وازنة وراسخة مع المنظومة الأمنية لحلف شمال الأطلسي، فعلى مدى أكثرمن 40 سنة، حكمت فيها المؤسسة العسكرية، رسمت فيها هذه الأخيرة سياسة شبه محايدة اتجاه الأحلاف والمعسكرات الدولية والأسثناء هو الخروج عن هذه القاعدة، حيث تبوب هذه السياسة لعلاقات تفضيلية وحذرة مع الغرب، والا بتعاد عن المعسكر الشرقي، ومن هذه السياسة الاحتفاظ بعلاقات اقتصادية قوية مع الصين، دون أن تتطور عن ذلك لماهو أمني أوعسكري.
طموح روسيا و البحث عن موطأ قدم في القارة السمراء، تعززه أرضية أصبحت تهتز تحت قدم فرنسا السيدة التقليدية لمعظم دول القارة، لكن لايتوقع أن يجد آذانا صاغية أو مرحبة من القيادة الموريتانية.
ولن يغريها حكام مالي، الذين اعتبروا أن جميع أزماتهم مصدرها فرنسي أو على الاقل لم تساهم في حلها ولم تزود الجيش بالعتاد الكافي لطرد مايسمى بالجهاديين، ولم تعط للقوات المالية الخرائط الدقيقة لبؤر وجود التنظيمات المسلحة.
وتبعت الماليين في ذلك دول تتشوف للدعم الروسي مثل بوركينا افاسو وتشاد..
عودة روسيا إلى المنطقة
روسيا متواجدة في أكثر من عشرة دول أفريقية من بينها على الأقل ثلاثة في شبه المنطق، ولا ننسى أن الحوض الساحلي الموريتاني جزء من حوض كبير يشمل موريتانيا والسينغال وغينابيساو وغينيا كوناكري وغامبيا، و روسيا، لها وجود عسكري في غينابيساو وغينيا كوناكري ومالي، والحديث يجري عن احتياطات تقدر ب 100 تريليون قدم مكعب من الغاز بين موريتانيا والسينغال من بينها 60 تريليون، قابلة للاستغلال وهذا يمكن من إنتاج 30 مليون طن سنويا من الغاز المسال وهو ما يعادل إنتاج أكبر دولتين غازيتين في القارة هما الجزائر ونيجيريا والاعتقاد أن عودة روسيا ليست بتلك البساطة وإنما لها علاقة بالغاز، والنفوذ.
لقد وجدت روسيا نفسها في مأزق حقيقي بعد أن استدرجت للمستنقع الأوكراني، فآذت نفسها ودول العالم، حيث ارتفعت اسعار الطاقة والغذاء، ما شكل تحديا لكل دول العالم لاسيما الدول النامية، ورغم أن الدول الافريقية المزورة تشتد معاناتها، من الوضع المتأزم، فالراجح أن يعود لا فروف بخفي حنين.
موقع الفكر