تأصيل عدم شرعيّة مُحاكمة ولد عبد العزيز أمام القضاء الموريتاني
يتأصَّلُ انْتِفاءُ مِصداقيّةِ مُـحاكمةِ الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في ظِلِّ النظامِ الْـحَالِـي، ويثْبُتُ عدَمُ شَرْعِيَّتِها بالأدلة التاليّة:
أولا: أنّ مُضايَقَةَ محمد ولد عبد العزيز دونَ سائِرِ أعوانِهِ التنفيذيين الْـمُتمتِّعين بِـحُرِّيَّةِ الاختيار والاستقالةِ وبعدَمِ ثُبوتِ الإكراهِ ـ يوم كانوا أعوانَهُ ـ يمتنعُ مَعَها شَرْعا وقانونا اعتبارُ الْـمَوْضُوعِ مِن صلاحيّاتِ قضاءٍ هذه موازينُه، إذْ هيَ انعكاسُ عداوةٍ شَـخصِيَّةٍ مؤثِّرةٍ.
ثانيا: أنّ النِّزَاعَ حولَ الْـمَالِ لا يَصِحُّ شَرْعًا ولا قانونا أن يَـحْكُمَ فيه قاضٍ يتمُّ تعيينُهُ وتحويلُهُ مِن طرفِ وزارة العدْلِ، أو وزيرُ عدْلٍ لا يُفْرزُهُ نظامٌ قضائيٌّ مُستَقِلٌّ، ولا استقلالَ لِقضاءٍ يُقِرُّ دُستورُهُ امتناعَ توجيه التهمة إلى الرئيس أثناءَ مأموريتِهِ.
ثالثا: أنْ ليسَ مِن صلاحيّاتِ القَضاءِ الْـمُستَقِلِّ الفَصْلُ في نِزاعٍ مَالِـيٍّ لا يطمئِنُّ أحَدُ الْـخَصْمَيْنِ إلـى حِيادِ القَاضِي إذ يُشترَطُ لِصِحَّةِ حُكْمِ القاضي في النِّزاعِ الْـمَالِـيِّ أن لا يَتّهِمَهُ أحدُ الخصمَيْنِ بالْـمَيْلِ عنه.
رابعا: أنّ القاضِيَ الْـمُبَرْمَجَ تِلقائِيًّا لِصالِحِ أحَدِ الخَصْمَيْنِ يَـحْكُمُ حُكْمًا مَعلومًا مُسْبَقًا ثم ينظُرُ في الأدلّة والأسباب التِي تُؤيِّدُ حُكْمَهُ.
خامسا: أنّ محمد ولد عبد العزيز غَيْرُ مُتَّهَمٍ بسَفْكِ الدِّماءِ ولا بـما يستوجِبُ القصاصَ أو حَدًّا مِن حُدودِ اللهِ التـي لا يجوز فيها التحكيم ويلزَمُ القَضاءَ إنفاذُها.
سادسا: أنّ عدَمَ ثِقَةِ أحَدِ الـخَصْمَيْنِ في نزاهَةِ القاضي يستوجِبُ اتفاقَ الْـمُتنازِعَيْنِ على تحكيم طرَفٍ ثالِثٍ مُستقِلٍّ هو وحدَه الْـمُؤَهَّلُ للفَصْلِ والْـحُكْمِ النافِذِ غيرِ القابِلِ للنَّقْضِ.
سابعا: أنّ الشَّرْعَ والقانونَ اتّفقا على أنَّ التحكيم هو إحالةُ النِّزاعِ إلى شَـخْصٍ أو عِدَّةَ أشخاصٍ مُـحايِدِينَ.
ثامنا: أنَّ الشِّقَاقَ الْـمُحْتَرَزَ مِنه بين الزوجَيْنِ الْـمُسْتَوجِبَ تَـحْكِيمَ طرفٍ ثالِثٍ كما في سورة النساءِ أَقَلُّ مِن الشِّقَاقِ بينَ الرئيس السابِقِ وخَصُومِه، ويعني وُجُوبَ نقْلِ الْـمِلَفِّ من القضاءِ إلى جهة تحكيم ثالثة مُـحايِدَةٍ.
تاسعا: لا يَصِحُّ اعتِبارُ التحكيمِ إلى طرفٍ ثالِثٍ يُرْضِـي الخَصْمَيْنِ طَعْنًا في القضاءِ ولا في الجهاز التنفيذِيِّ لأنّ النَّبِـيَّ الأُمِّيَّ صلّى اللهُ عليه وعلى ءالِه وسلَّم ـ كما في حديث البخاري عن عائشة رضي اللهُ عنها حَكَّمَ سعدَ بن مُعاذٍ رضي اللهُ عنه في حُلفائِه بني قُريظَةَ الراضين بتحكيمِه، وحَكَّمَ أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطّابِ وأُبَـيُّ بن كعب لما تنازعا في نَـخْلٍ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ رضيَ اللهُ عنهم، وتحاكم أميرُ المؤمنين عمرُ مع رجل إلى شريح في فرَسٍ، وتحاكم عليُّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان إلى أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وحكَّم أهل الشورى عبد الرحمن بن عَوْفٍ رضي اللهُ عنهم جميعا.
تدوينة بقلم الشيخ/ الحسن ولد محمد ماديك
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة ولسان العرب