الحلقة الثالثة:
· الخلفية الاجتماعية والعائلية للشيخ سيديَ بابَه؛
· الخلفية الشخصية والمذهبية؛
· استفادة الشيخ سيديَ بابَه من تجربة أبيه وجَدِّه الجهادية؛
· خاتمة.
الخلفية الاجتماعية والعائلية للشيخ سيديَ بابَه:
بما أن الرجل كان زعيما لقبيلة من أغنى وأكبر قبائل البيضان، لا تقبل الضَّيْم لأبناء عمومتها من بني حسان الذين عدلت عن نهجهم المتَعارَف عليه تقليديا، وشيخا روحيا لإحدى أعظم وأغنى الإمارات، وجاليةٍ من أكبر جاليات ما وراء النهر، فضلا عن العلاقات الروحية والعلمية والسياسية التي كانت تجمعه وأسلافَه وشقيقَه وقبيلَته بمجمل قادة البيضان والسودان، فإنه من المُستبعَد، إلى حد كبير، أن تكون الدوافع الشخصية والأغراض الدُّنْيويَّة، كالبحث عن المال والشهرة والمكانة، هي التي دفعته لاتخاذ قرار وموقفٍ من هذا النوع.
فالشيخ سيديَ بابَه قد ورث، هو وأخوه الوحيدُ الشيخُ سيدي المختار، البنيةَ الفوقيَّة والتحتيَّة لجدّهما الشيخ سيديَ الكبير الذي تربَّيا في أحضانه. وقد كُتبت في هذا الأخير ورُويت مجلَّداتٌ ودواوينُ منثورةٌ ومنظومة، محلية وأجنبية، قد يكون إيراد فقراتٍ من منثورها مفيدا للقراء العاديين الذين يُقال لهم اليومَ ويُوحَى إليهم أن الشيخ سيديَ بابَه وذويه قد حصَّلوا الثروة والمكانة عن طريق علاقتهم بالنصارى المستعمرين.
من جوامع ما قيل في الشيخ سيديَ بن المختار بن الهيبة، ما كتبه أحمدُ بنُ الأمين الشنقيطيُّ العلويُّ، صاحبُ الوسيط، حيث يقول في ترجمته: «فلَمْ تَزَلْ فضائلُه تبدو حتى أذعنت له الزوايا وحَسَّان وصار مثل الملِك بينهم، فلا يُعقَّبُ أمرُه، وكان أهلا لذلك كرما وحلما وعلما... ولم تزل الدنيا تنهال عليه ويفرقها بين الناس. وكان إذا انقطع الطريق لعدم العمارة حفر فيها الآبار ويبعث المؤن الطائلة لِقِرَى المارين...»[1].
ومثالا على الخلاصات والانطباعات المعاصرة حول الشيخ سيديَ الكبير، يقول الشاعر والسياسيُّ المشهور، أحمدُو ولد عبد القادر: «عاد الشيخ سيديَ من رحلته العلمية الطويلة إلى ذويه في أبي تلميتَ وآوكارْ. وسرْعان ما ارتفعت فوقه هالةُ النصر وأُبَّهةُ العز، وارتفع برجُ مجده بسرعةِ وعفوية القدَر المقدور، وطار صِيتُه في الأصقاع قريبِها وبعيدِها، وانبَهَرَ الناسُ واردينَ وصادرينَ، وأحَسُّوا أن مَرجعيَّةً جديدةً للفضل تَفرِضُ سلطانَها على قلوبهم. واستوى في ذلك الشعراءُ المادِحون، والأمراءُ الحاكمون، والأغنياءُ والفقراء، والعلماءُ والمتعلمون، والمتسلطون وضحايا الظلم. وسرعان ما اتفق الشعراءُ الفطاحلةُ على تسْمِية الشيخ سيديَ بلقب الكمال...»[2].
ويقول الباحث والوزير الدكتور إزيد بيه ولد محمد محمود، في محاضرة له بعنوان:"الشيخ سيديَّ بابَه. الوزنُ الاجتماعي والسياسيُّ وهَمُّ السلطة المركزية": «ترتبط سيرة الرجل كذلك بأبويه ارتباطا وثيقا، اعتبارا للفارق الزمني الوجيز بين الشخصيات الثلاث. فالشيخ سيديَ بابَه ابنٌ لرجلين لعِبا أدوارا سياسية واجتماعية كبيرة، سواء على مستوى القبيلة التي ينتميان إليها، أو على مستوى البلد ككل، أو حتى على مستوى الأقاليم المجاورة. فالشيخ سيديَّ الكبير بما عرف عنه من عُلُوِّ الهمة وسَعَة المعارف، قارعَ الاستعمار الفرنسي عبر جهوده الماثلة في الوثائق التاريخية وعبر مراسلاته، بل إنه، أكثر من ذلك، حاول جمْع كلمة البلاد وتوحيدَ الإمارات في وجه هذا الخطر. وقد عمِل جهْدَ المستطاع من أجل محاربة النزاعات والاقتتال بين قبائل ساكنة هذه البلاد. وكان فاعلا في نشر الثقافة والمعرفة في هذه الربوع. وقد نحا نحوه ابنه الشيخ سيدِي محمد فكان ساعدَه الأيمن وخليفته، وكان فضلا على ذلك عونا له في تحقيق مقاصده آنفة الذكر، غير أن الشيخ سيدِي محمدا لم يُعمّر طويلا بعد والده. وقد كان الشيخ سيدي باب على قياس المهام التي وُكِلت إليه؛ وقد تَصَدَّى لمجمل المشاكل التي كانت مطروحة بحكمةٍ مشهودةٍ وحُنكَة بالغة ونفاذ بصيرة...[3]».
ويقول الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو: «وأما المجدد الشيخ سيديَ باب فلا يختلف واصفوه من معاصريه أنه قد زاد في الفضل والكمال على أبيه وجده، وآخذ مثالا على ذلك قول جدي محمذ فال ابن محمد مولود المشهور بالدَّدَوْ:
على أبويه زادَ وأيُّ مَرْءٍ--يُطاوِلُ غيرَه قُنَنَ الجبالِ
فَـــدَعْ خيرَ القرونِ وفَضِّلَنْهُ--على مَنْ بَـعْـــدَ ذاك مِن الرجالِ
وفي البيت الأخير تصويب لقولِ الشاعر المبدع محمذ بن السالم في الشيخ سيديَ الكبير:
حَوَتْ ما دون مرتبة التــنــبي--يداك مــن المــكــــارم والمعــالي
فأنت إذا من الثقلـين طُــرًّا--بمنزلة اليمين من الشمال
وقد اتفق معاصرو الشيخ سيديَّ باب أنهُ بلغ رتبةَ الاجتهاد وأصبح إمامًا عامًّا للمسلمين في غرب إفريقيا عنه يصدرون في أمور دينهم وأمور دنياهم»[4].
وفي مقدمة ترجمة علمية للشيخ سيديَ بابَه نفسِه، كتب الشيخُ العلامة محمد فال (ابَّاهْ) بن عبد الله بن محمد فال بن بابه بن أحمد بَيْبَه العلوىُّ ما نصُّه: «يعتبر الشيخ سيديَ بابَه بنُ الشيخ سيدِي محمد أبرزَ شخصيةٍ ظهرت في أواخر القرن الثالث عشر الهجري وأوائل الرابع "تملأ الدلو إلى عَقْد الكَرَبْ"، صيتا وذِكرا حسنا في مجالات شتى. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل: شهرة الشيخ سيديَ الجَدِّ عِلْمًا وعَمَلا وصلاحا وزعامة دينية حكيمة شاملة لجميع نواحي البلاد، بحيث يُعتبر أكبرَ مُصلح بما لكلمة "الإصلاح" من معنى: إصلاحِ ذات البين بين الأمراء فيما بينهم إن تشاجروا وقامت الحرب بينهم على ساق، والإصلاحِ بين القبائل المتناحرة، والإصلاحِ بين الأفراد المتنافرة، وإصلاحِ النفوس ورياضتها لتنقاد لأمر ربها امتثالا واجتنابا، إلى نشر العلم والفتوى في النوازل النازلة والتآليف البديعة والنصائح القيِّمة، إلى دماثة خُلق وتحمُّلِ مشقة عُرفَ بهما في رحلته الطويلة في طلب العلم، إلى نُصرة المظلوم وإعانة المنكوب والصبر على جفاء الجافي ودفعه بالتي هي أحسن، بحيث صار حرَما آمنا يلجأ إليه الخائف ويفرُّ إليه الجاني، متعززا بتقوى الله مكتفيا به عما سواه.ويقال: "من خاف الله خافه كلُّ شيء"، حتى صارت سِمَتُهُ على المواشي أَمانا لها من اللصوص الناهبين، فصار بعض الناس يضعها على مواشيه خوفا عليها. وفي هذا يقول العالم الشاعر أبَّدَّ بن محمود العلوي يخاطب بابَه بن الشيخ سيدِي محمد:
أنسى الورى بُلدانَهُم وغدت لهم--بُلـدانُهُ سَلـْـمَى البلادِ ومَـنـْعِـجَا
مَنْ لم يَخُطَّ الْبَا بلوح خَطَّه-- يُـمْنَى التَّلِـيلِ تحَـصُّـنـًا ممَّا فَجَـا
ولقد أجاد سيدِي عبد الله ولد أحمد دامْ الحسنيُّ في قصيدته التي يمدح بها الشيخ سيديَّ الكبير حيث يقول:
لا يُظهر الضجْرَ من جارٍ أساءَ ولا--من المُرافِقِ يُوهِي صَبْرَ من صَحِبهْ
ولا يضيقُ ذراعًا بالذي صَنَعَتْ-- أيْدي الحوادثِ تَبْـتَـزُّ الفتى سَـلـَبَهْ
وكـمْ ثأًى بَيـنَ مَا حَـيَّـيْنِ أصْلَحَهُ--خَرْزَ الصَّنـَاعِ لمُسْـنِي أُجرةٍ قِرَبَـهْ
إلى قوله:
وطَلْعةُ الوجهِ للعافي تهلِّلُها--تَهَلُّلَ الأم تأتي بنتَها الخَطـَـبَـهْ
وأبوه الشيخ سيدِي محمد العالم العامل الناسك المُخبت والشاعر المُفلق والخليفة الكفءُ. فنشأ الشيخُ سيديَ بابَه في هذا الجو العلمي الديني والشرف الرفيع مهيَّئا لـخـلافـة الأبـويـن، فـكان كما قال زهير بن أبي سُـلْمَى المُزَنِي في هرِم ابن سنان المري:
يطلبُ شأوَ امْرَأيْنِ قَدَّما حَسَناً-- نالاَ الملوك وبَـذَّا هذه السُّـــوَقَـا
هو الجوادُ فإن يلحقْ بشأوهِما--عـلى تكاليفـه فمِثـلـُـهُ لَـحِقَا
أو يسْبِقاه على ما كان من مَهَلٍ--فمِثْلُ ما قَدَّما من صالحٍ سَـبَقـَـا
وقوله في أبيه سنان بن أبي حارثة:
فما كان من خيرٍ أتَــوْهُ فـإنـمَا--توارثَهُ آبـاءُ آبائِهِمْ قَبْلُ
وهلْ يُنْبِـتُ الخَطِّيَ إلاَّ وَشِــيجُهُ--وتُغْرَسُ إلاَّ في مَنَابـِـتِـها النَّخْل؟
لكن الشيخَ سيديَ بابَه لم يكتف بهذا الشرف التالد الموروث، دون الشرف الطارف المكسوب، منشدا حالُه قولَ القائل:
إنَّا وإنْ أحْـسَـابُـنـَا كَــرُمَــتْ-- لَسْـنـا عـلى الأحساب نَتَّكِلُ
نبْني كما كانتْ أوائِلُــنَا-- تَـبْنِي ونَـفْعَـلُ مِـثـْــلَ مَا فعـلوا
بل بنى وفعل مثل ما بنت وفعلت آباؤه، كما قيل في رثائه:
ولم يرضَ إلا أن يَسُـودَ بنفسه--فليس بمجدِ الغير سادَ عِصَـامُ
قدَ اَتْـعَبَ نفسًا بالغـُـدُوِّ لنيْلِهِ--وأسْهـرَ عينـًا والرجالُ نِــــيــامُ
فَفَـاتَــهُـمُ إذ يَـرْكَـنونَ لراحــةٍ--وقَادَ جُموعَ الشِّيبِ وهْو غـُـــلامُ...»[5].
أما الكتابات الأجنبية المهتمة بالمنطقة، بدءا من أواخر القرن التاسع عشر الميلاديّ، فلا يكاد أيٌّ منها يخلو من ذكر للشيخ سيديَ الكبير.
الخلفية المذهبية الخارجة عن المألوف:
رغم كون الشيخ سيديَ الكبير قليل العداوات والخصومات، حتى قيل إنه كان محلّ إجماع في هذه البلاد، ورغمَ كون الشيخ سيديَ الحفيد وارثا لعلاقات جَدِّه كاملة غير منقوصة، بل زادت تلك العلاقة في عهده وتوسعت، إلا أن الشيخ سيديَ بابَه كانت له دعوة تجديدية صريحة إلى الرجوع إلى المنابع الأصلية للدين؛ وقد نجم عن ذلك ظهورُ من يخالفه، قديما وحديثا، ويتعصَّب لما ألِف من متون ومذاهب.
لقد كان أغلب مسلمي هذه البلاد، وما زالوا إلى حد كبير، يروْن أن دينَ الله مقصور على مشهور المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وطريق الجنيد، فكان أنْ خرج الشيخ سيديَ بابَه عن التقليد والجمود على المألوف، متعرِّضا لمباحث وأبواب ومسائل عقدية وأصولية وفقهية لم تجتمع في شخص واحد قبلَه، ولم تُشكِّل في مجموعها دعوة متكاملة وصريحة عند أحد من العلماء في أرض البيضان، على ما يبدو.
هذا مع رجوعه في فتاواه وكتبه إلى المصادر المباشرة وأمهات الأصول والفروع التي لم تكن متوفرة في الغالب، ومَن نظَرَ فيها من العلماء لا يرجع إليها في عباداته وفتاويه، مكتفين بالمتون والمختصرات المقررة في محاضرنا، والتي لا تخرج في مجملها عن مشهور المذهب الذي كاد أن يكون وحيا في هذا الجزء من بلاد الإسلام. وكان مما فصَّله الشيخ سيديَ بابَه المسائل المتعلقة بالسياسة الشرعية ذات الصلة بموضوع هذه الورقة.
يقول سبطه وتلميذه الشيخُ العلامة المحدثُّ محمدُ بنُ أبي مدينَ: «ولما كان أهل القطر الموريتاني، في المعتقدات: على مذهب أبي الحسن الأشعري الأوسط وهو التأويل؛ وفي الفروع: على رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة؛ وفي التصوف: على طريق علي أبي القاسم الجنيد بن محمد؛ ويرون أن الحق منحصر في هذا وهذا وهذا، بَيَّنَ الشيخ، رحمه الله تعالى، أن الأوْلى في المسألة الأُولى...».
إلى آخر تلك المباحث المفصلة تفصيلا والمؤصَّلَة تأصيلا، والتي ليس هذا محلَّها ولا محلَّ تراجم الشيخ وكلام العلماء والشعراء والأدباء فيه، وإنما أشيرَ إليها هنا لفهم مدى تبايُنها مع ما كان يعتقده ويَدينُ اللهَ به أكثرُ علماء البلاد.
ويضيف العلامة المحدث محمد بن أبي مدين: «وكان احترامه للأئمة ولمذاهبهم على حد سواءً، من غير تعصب لإمام معين أو زهد فيه، يثني على الأئمة ويشكر لهم سعيهم ويترحم عليهم، وينظر في أقوالهم نظر منصف، فإن اتفقوا على مسألة بان له دليلهم فيها، أو لم يَبِن له دليل على خلافهم، فذلك هو الضالة المنشودة عنده؛ وإن اختلفوا نظر إلى من معه الدليل فأخذ بقوله سواءً كان واحدا أو اثنين، وإن لم يتبين له الدليل، ورجعت المسألة إلى الرأي البحت والاجتهاد المحض، نظر فإن اتفق ثلاثة من الأئمة الأربعة على قول فيها وخالف الرابعُ، أخذ بقول الثلاثة وجعلهم بمنزلة الدليل، كما أشار إليه في كلامه السابق، وإن صار اثنان منهم إلى قول، واثنان إلى قول، ولم يترجح عنده أحد القولين بمرجِّح ما، ذهب إلى قول مالك ومن معه، فلم يكن يُـــقــــدِّم على قول مالك إلا الدليل أو خلاف الثلاثة له.
وكان يذهب إلى قول من قال من العلماء بتيسر الاجتهاد، ويقول: فلان وفلان وفلان من أهل عصره مجتهدون، لمعرفتهم ما يتوقف عليه الاجتهاد، لكن التوفيق شيء آخر، ويميل إلى قول الحنابلة ومن وافقهم من الشافعية إنه لا ينقطع؛ ويصوِّب قول الجمهور إنه يتجزأ»[6].
ويقول الدكتور حماه الله ولد السالم: «ومع اطلاع الشيخ سيديَ بابَه على أفكار كبار المصلحين، لم يستنسخها حرفيا، بل راعى خصوصيةَ مجتمعه البدويّ، والتزم نوعا من التدرُّج في نقد الطروحات الفكرية التي يصدر عنها فقهاء البلاد. ولم يخرج فكر الشيخ سيديَ بابَه على مبادئ الفكر الإصلاحي الإسلامي الرائج آنذاك، حيث قام بإحياء السنن التي أميتت في محيطه الجغرافي (منطقة القبلة=بلاد الترارزة) مثل: سنة القبض والرفع ولزوم فاتحة الكتاب للمأموم والعمل بالصلاة على الجانب النبوي من خلال تأصيلها من أمهات كتب الحديث، بالإضافة إلى مناداته برفض الشعوذة والدَّجَل وأفكار التواكل والخمول... ويكشف الشيخ سيديَ بابَه في كتابه "إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين عن توجه متدرِّج إلى الاجتهاد وبناء النظر الفقهي على أساس متين من الكتاب والسنة»[7].
وفي تعبير طريف وبليغ عن ذلك التباين والتنافر، يقول الإمام العلامة بداه بنُ البوصيري: «ما كنت أسمع اسم هذا الرجل، يعني الشيخ سيديَ بابَه، إلا استشطت غضبا، بسبب آرائه المخالفة لما قرأنا، إلى أن جئت هذه السنين إلى نواكشوط ووجدت شيئا من الكتب وتعلمت القراءة والكتابة (عدْتْ انْكَمْكِي، أو انْدَمْكْي)؛ عندَها أصبحت لا أعُدُّ هذا الرجل إلا مع الأئمة الكبار...»[8].
لقد أرجع الشيخ سيديَ بابَه ضعف المسلمين وتخاذلهم وغلبة غيرهم لهم إلى حيدان الأمة عما كان عليه سلفها الصالح، فاتبع الأمراء الشهوات، وابتدع العلماء والصالحون البِدع، وطلبوا الدنيا بالدين، وبقيت العامة حيارى لا يجدون مرشدا ولا يهتدون سبيلا. فتخلف النصر عنها وظهر عليها مخالفوها فلا ترى شبرا من الأرض منذ حين فتحه المسلمون، ولا تزال ترى إقليما فتحه النصارى. ولا يزال ذلك ما لم تراجِعِ الأمةُ دينَها وتُخلِصِ اتباعَ سنة نبيها عليه الصلاة والسلام...[9].
أيصدر هذا الكلام ممن يعارض الجهاد في سبيل الله؟ لقد كان هذا الشيخ يعي واقعَه وواقعَ وطنه وواقعَ أمته، وكانت تحاصره وتهدده قُوَى وعصابات من كل جهة وعلى كل صعيد، فجاء موقفه نابعا من فقه الضرورة، كما سنرى فيما بعد إن شاء الله تعلى.
استفادة الشيخ سيديَ بابَه من تجربة أبيه وجَدِّه الجهادية والإصلاحية:
رغم وفاة الشيخ سيديَ الكبير قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى موريتانيا بسنوات عديدة، إلا أنه استطاع أن يستشعر الخطر الاستعماري ويستوعبَ أهدافه التوسُّعية، فدعا إمارات البيضان الأربع إلى مؤتمر القمة الشهير الذى نظمه سنة 1856م في مقر إقامته بتندوجه، فحضره ثلاثة من الأمراء بأنفسهم وخيْلهم ورَجْلهم، بينما اعتذر الرابع لمرض أصابه، باعثا وليَّ عهده وخليفتَه فيما بعد.
دعاهم الشيخ سيديَ في المؤتمر إلى توحيد كلمتهم تحت رايةِ واحدٍ منهم يختارونه، وتأسيسِ بيت مالٍ وجيشٍ مشتركيْن؛ واقترح عليهم أن يختاروا أحدهم فيعطوه الإمارة وتبقى في ذريته، أو يجعلوها دُولة بين السلالات الأميرية، إلى غير ذلك من الصيغ التي كُتب لها أن تبقى نظرية.
لقد كان للشيخ سيديَ الكبير، كما كان لشيخيه المختارِيِّين الكُنتيين، طموحٌ سياسيٌّ ونظرةٌ شموليةٌ واسعة، تتجسد في فكرة الدولة وتأسيس نظامِ حكمٍ إسلامي يقيم الكتابَ والميزان. يقول العلامة محمد سالم بن محمد علي بن عبدالودود (عدود): «كاد يكون الشيخ سيديَ أسس دولة هنا: وحَّد بين الناس وأصلح ذوات البين التي كانت فاسدة وراسل الملوك والأمراء وذهب هو بنفسه في هذه المهام وأوفد ابنه الشيخ سيدِي محمَّدْ إلى منطقة لكْرَار»[10].
ويقول الكاتب السياسي الكبير محمد يحظيه ولد ابريد الليل: «ما إن انتصف القرن التاسع عشر حتى بدأت هواجس ونيات الحاكم الفرنسي في السنغال، الجنرال فيدرب Faidherbeواضحة: اقتلاع إقليم الوالو من إمارة الترارزة، وحماية السكان المزارعين على الضفة اليسرى للنهر ضد البيضان. لقد بدا هذا الجنرال توسعيا متغطرسا، فهبَّ الشيخ سيديَ الكبير واقفا في وجهه، مشكِّلا بذلك رمزا وقلبا لرفض احتلالٍ مرتقبٍ منظور. "عندما يصعد الفيل نتوءا صخريا، فإنما ليزداد عظمة" كما يقول المثل البوركينابي. ثقافةُ الرجل الواسعة فتحت عينيه أكثر من رجالات عصره، فحاول تأسيس جبهة للمقاومة بجمعه الأمراءَ الذين تسنَّت لهم فرصة التعبئة في أجَل معقول والتموقع غربَ رأس آكرراي؛ ولكن هيهات! من يستطيع وقتَها أن ينظر بعيدا؟ لقد كان ذلك الطلَبُ أكبر من هؤلاء القادة، ومن تلك العقليات، ومن ظروف ذلك الزمان»[11]. انتهى كلامه.
وقد ورد ذكرُ مؤتمر تندوجه هذا في كثير من الكتابات الأجنبية. من ذلك ما كتبته الباحثة الكبيرة جنفييف ديزيري فيليمين: «كانت مفاجأة الجنرال فيديرب كبيرة عندما علم أن مصالحة قد تمت في أبي تلميت سنة 1856 بين أمراء البراكنة والترارزة وآدرار، معتبرا أن في ذلك نجاحا كبيرا للأمير محمد الحبيب ضد السنغال، بل هو جهادٌ يقوم به الشيخ سيديَ الكبير. والحق أن هذه المصالحة كانت من عمل أكبرِ شخصية في جنوب غربي الصحراء، الشيخِ سيديَ الكبير، الذي ما فتئ منذ عدة أعوام يبذل قصارى جهده من أجل المصالحة بين الأعداء، الذين يكونون في الغالب مقربين منه أو تلامذة له، بوصفه شيخا كبيرا ورأسا للقادرية، وزعيما روحيا وعلميا، في مجتمع فوضوي، في طريقه إلى التفكُّك والتشرذم، فكان هذا الشيخ عامِلَ وحدته الأوحد»[12].
ومن الجدير بالذكر أن الجهاد الذي قام به الأمير الكبير محمد الحبيب ضد الفرنسيين على مدى عقود عديدة، لقي دعما كاملا ومباركة من شيخه الشيخ سيديَ الكبير.
كذلك الأمر بالنسبة لتلميذه الوفي الأمير امْحمد بن محمد بن سيد بن المختار بن ءاغريش المعروف بامْحمدلْسيد، أمير البراكنة. يقول الباحث المؤرخ سيدي أحمد ولد الأمير: «بالرگبة وقعت معركة شديدة من معارك البراكنة في 6 يونيو 1856 وكانت بين أمير البراكنة امحمد بن سيدي ومعه أولاد أحمد ضد خصمه سيدي اعلي بن أحمدّو الطامح إلى الوصول إلى عرش الإمارة، والمتحالف مع الفرنسيين في سينلوي. وقد حضر الشيخ سيديَ الكبير هذه المعركة مناصرا تلميذه الأمير امحمد بن سيدي، وقد انهزم الجيش الفرنسي الزاحف شر هزيمة رغم عدته وعتاده وترك وراءه 23 قتيلا وخمسة عشر جريحا. ومات من جانب الأمير امحمد بن سيدي أفرادٌ أفتى الشيخ سيديَ بمعاملتهم معاملة الشهداء ودفنهم بثيابهم»[13].
وقد كان القائد العامّ لتلك المعركة الأمير امحمد ولد سيدي معززا بجماعة أتت مع الشيخ سيدىَ الكبير من أولاد أبيارى وأولاد أحمد وأفراد من أولاد دامان يقودها البطل المعزوز بن جده الفاضلىّ المكىّ الأبيارىّ الذي استُشهد فى تلك المعركة. وقد عُـثر على بعض قتلى ذلك اليوم بعد عقود من الزمن كما هو لم يتسَنَّهْ، فى قصة مشهورة متداولة.
أثناء مؤتمر تندوجه، وقف الشيخُ سيدي محمد بن الشيخ سيديَ وسط المؤتمرين وأنشد رائيته الشهيرة، التي جسّد فيها طرح والده أمام هذا الجمع الذي يشكل قمّة القمّة آنذاك:
رُوَيْدَكَ إِنَّنِي شَبَّهْتُ دَارَا--على أمثالها تقف المهارى
والتي بلغت مائة وعشرة أبيات، وهى تعتبر ملحمة الجهاد. أضف إلى ذلك أنه صدع فيها بمقارعة اللصوص والظَّلَمَة، قارنا إياهم بالنصارى، بجامع محاربتهم للإسلام... حيث يقول فيها:
حُمَاةَ الدِّينِ إنَّ الدِّيـنَ صَـارَا--أَسِيرًا لِلُّصُـوصِ وَلِلـنَّــصَـــارَى
فَــإِنْ بَـادَرْتُوهُ تَدَارَكُوهُ--وَإِلاَّ يَـسْبِـقِ السَّيْـفُ الْـــبِـدَارَا
إلى أن يقول واصفا حال الزوايا المستسلمين للظلم ومتذمرا من ذلك الوضع، في أبياته التي سبق إيرادها في الحلقة الخاصة بالسيبة، والتي يقول في آخرها:
أَجِدَّكُمُ بِذَا يَرْضَى كَرِيمٌ؟--وَهَلْ حُرٌّ يُطِيقُ لَهُ اصْطِبَارَا؟
ثم طفق يحذر من دخول الروم ومباغتتهم لهم وهم على ما هم عليه من الفوضى والاقتتال:
ورُومٌ عَاَيُنوا فِي الدِّينِ ضُعْفًا--فَرَامُوا كُلَّ مَا رَامُوا اخْتِبَارَا
فَإِنْ أَنْتُمْ سَعَيْتُمْ وَانْتَدَبْتُمْ--بِرَغْمٍ مِنْهُمُ ازْدَجَرُوا ازْدِجَارَا
وَإِنْ أَنْتُمْ تَكَاسَلْتُمْ وَخِمْتُمْ--بِرَغْمٍ مِنْكُمُ ابْتَدَرُوا ابْتِدَارَا
فَأَلْفَوْكُمْ كَمَا يَبْغُونَ فَوْضَى--حَيَارَى لاَ انْتِدَابَ وَلاَ ائْتِمَارَا
إلى آخر ذلك من وصف الأحوال والمآلات والحلول المطلوبة.
يقول الدكتور أحمد محمود ولد الدَّنَبْجَه: «ثم بدأ يعدد الآليات الضرورية لهذا الجهاد المفترَضِ والشروطَ الأساسية له، ثم بدأ في وصف الجيش، ثم بدأ يصف الواقع المزري والاقتتال بين القبائل والإمارات فيما يعرف باللصوص التي لا تخاف البأس ولا العقبى ولا ينجو منها حالٌّ ولا مرتحل... ثم يمضي في نقده اللاذع للمجتمع والزوايا الذين تخلوا عن الأسلحة والدفاع ويناقش هذا الموضوع من وجهة نظر دينيه ودنيوية وأن تركهم السلاح مرفوض دينيا ولا يقبله الشرع ولا المصلحة السياسية والاجتماعية. وقد خلد الشاعر أروع قصيدة خاصة بهذا الموضوع ومطلعها:
مَزَجَ الدُّمُـوعَ بِمُسْبَلاَتِ دِمَاءِ--مُتَلَهِّفًا مُتَنَفِّسَ الصُّعَدَاءِ»[14].
سعى الشيخ سيديَ الكبير إلى إصلاح المجتمع سياسيا وفكريا وأخلاقيا عبر الدعوة إلى الإمامة والتوحُّد، لكن الأمر كان بعيد المنال من جميع النواحي.
أرسل إلى سلطان المغرب يستنجده ويطلب منه السلاح والتموين[15]، وشرع في محاولات محليَّة معروفة لصناعة البارود والذخيرة عند ميمونة السُّعْدى: تامرزكيت وتندوجة، وقد ظلت آثارها ماثلة للعيان إلى وقت قريب. فضلا عن رسالته المشهورة التي واجه بها الحاكم الفرنسي المتجَبِّر فيديرب[16].
خاتمة
شكَّلَ المشروع السياسيُّ الجهاديُّ الذي حاول الشيخُ سيديَ الكبيرُ وابنُه الشيخ سيدي محمد إقامتَه، ووقفت دونه عراقيلُ ذاتية وموضوعية، تجربةً مباشرةً، سيدرك الشيخُ سيديَ الحفيدُ ويتيقَّن من خِلالها، وخِلالِ ما تلاها من أحداثٍ وظروفٍ أكثر سلبيّةً وإضعافا للمسلمين عموما، ومُسْلِمِي هذه البلاد خصوصا، أن البنية التحتية والمادةَ الأُولى لمؤسسةٍ جهاديَّةٍ رصينةٍ في هذه البلاد قد طارت بها عَنْقاءُ مُغْرب!
ثم إن الشيخ سيديَ بابَه كان على اطِّلاع دقيق وصِلة مباشرة بالنهر وما يأتي منه وعبرَه من أخبار وتجارِب سياسية وجهادية أخرى، لاقت كلها الصعوبات والإخفاقات، بل التنكيل الشديد من طرف المستعمر، كتجربة الحاج عمر الفوتي وابنه أحمد شيخو وساموري توري والإمام ما با، وسِيديَ آلْ بوري انْدايْ، سَمِيِّ الشيخ سيديَ الكبير والحفيد المباشر لأحد تلاميذه، وكارانْ قُطْبُو دابي الغيني وغيرهم.
فرأى الشيخ سيديَ بابَه، من خلال ذلك كله، أن شروط الجهاد غير متوفرة لأهل هذه البلاد. فالإمام مفقود منذ عهد المرابطين؛ وبيتُ المال المحتاجُ إليه في كل شيء لا أثر له؛ والقُوى الداخلية مشتَّة ونظامها السياسي في غاية الهشاشة ووسائلها غاية في الضعف؛ وأهلُ العلم والدين عُزَّلٌ؛ وأهل الشوكة، خصوصا إماراتي الضفة، مرتبطون باتفاقيات متينة مع الفرنسيين؛ ولا توجد قوة مسلمة على وجه الأرض يمكن التعويل عليها في صَدِّ النصارى الغزاة وقمع اللصوص والبغاة، مع أن مجاهدة أهل الحرابة من المسلمين أوْلى عند جمهور العلماء من مجاهدة الكفار، هذا مع انتشار الاستعمار في البلاد الإسلامية والعربية والإفريقية قاطبة، ما عدا الحجاز والمغرب الأقصى، الذي كانت القوات الفرنسية قد بدأت تُحضِّر لدخوله من أوسع الأبواب...
ينضاف إلى ذلك كلِّه عدمُ تعرُّض الفرنسيين لدين المسلمين في البلاد التي سبقت سيطرتُهم عليها، وتعهُّدهم بفعل ذلك في هذه البلاد، بل إنهم تعهَّدوا بإعانة المسلمين على إقامة الدين وبناء المساجد وحماية العلماء والقضاة وبسط الأمن... إلى غير ذلك من المعطيات الواقعية التي انطلق منها الشيخُ سيديَ بابَه. لكنْ، ما هي الأسس الشرعية التي بنى عليها فتواه وموقفَه من نازلة الاستعمار الأوربي؟
سيكون ذلك، بحول الله، موضوع الحلقة الموالية من السلسلة.
(يتواصل بحول الله).
[1]- أحمد بن الأمين الشنقيطي، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، ت فؤاد سيد، المدني، ط4، 1409هـ-1989م، ص241.
[2]- أحمدو بن عبد القادر، الشيخ سيديَ. "الظاهرة وتأثيرُها"، أعمال ندوة أبي تلميت، 19-20 محرم 1427هـ، 18-19 فبراير 2006م، دار الكتب العربية، بيروت، ط1، 2011. ص 54.
[3]- د. إزيد بيه بن محمد محمود، "الشيخ سيديَّ بابَه. الوزنُ الاجتماعي والسياسيُّ وهَمُّ السلطة المركزية"، أعمال ندوة أبي تلميت، 19-20 محرم 1427هـ، 18-19 فبراير 2006م، دار الكتب العربية، بيروت، ط1، 2011. ص 184-185.
[4]- الشيخ محمد الحسن ولد الدَّدَوْ، تقديم أعمال ندوة أبي تلميت، 19-20 محرم 1427هـ، 18-19 فبراير 2006م، دار الكتب العربية، بيروت، ط1، 2011. ص 13.
[5]- الشيخ العلامة ابّاهْ ولد عبد الله، الشيخ سيدِيَ بابَه، ترجمة علمية، أعمال ندوة أبي تلميت، 19-20 محرم 1427هـ، 18-19 فبراير 2006م، دار الكتب العربية، بيروت، ط1، 2011. ص 156-157.
[6]-محمد بن أبي مدين، نزهة الراني في ترجمة الشيخ سيديَ الثاني، مخطوط بمكتبة أهل الشيخ سيديَ.
[7]- د. حماه الله ولد السالم، موريتانيا في الذاكرة العربية، مركز داسات الوحدة العربية، ط1، بيروت 2005، ص203.
[8]- درس علمي في مسجده العتيق (الكصر: القصر) والكلام مترجم من اللهجة الحسانية التي كان الإمام بُداه يتكلم بها وقتَئذ إلى العربية.
[9]- انظر رسالته الموّجَّهة إلى العلامة سيدي مُحَمَّد بن أحمَد بن حبت الغلاوي.
[10]- محمد سالم ابن عبد الودود، الشيخ سيديَ. التأثير والإبداع، أعمال ندوة أبي تلميت، 19-20 محرم 1427هـ، 18-19 فبراير 2006م، دار الكتب العربية، بيروت، ط1، 2011. ص35-36.
[11]- محمد يحظيه ولد ابريد الليل، سلسلة مقالات بعنوان: تفاديا للعار، الحلقة 2 بعنوان: نهاية حقبة، 2007.
[12]-Geneviève Désiré-Vuillemin, Aperçu historique de la Mauritanie du xixe siècle à l’indépendance,Introduction à la Mauritanie, collection Connaissance du Monde, éditions du SNRS, Paris, 1979, p. 77.
[13]- سيد أحمد واد الأمير، مدينة الرَّگبة بمنطقة البراكنة.. "دار ندوة" القرن التاسع عشر بموريتانيا!مقال منشور على موقع أقلام حرة يوم 27-09-2014: http://www.aqlame.com/article20673.html
[14]- د. أحمد محمود ولد الدَّنَبْجَه، قراءة في شعر الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديَ، أعمال ندوة أبي تلميت، 19-20 محرم 1427هـ، 18-19 فبراير 2006م، دار الكتب العربية، بيروت، ط1، 2011. ص141-144.
[15]- النسخة الأصلية المُحتفظ بها من الرسالة موجودة في مكتبة أهل الشيخ سيديَ بأبي تلميت.
[16]- النسخة الأصلية المُحتفظ بها من الرسالة موجودة في مكتبة أهل الشيخ سيديَ بأبي تلميت.
بقلم/ أحمد هارون الشيخ سيديّ