رسمت الآية القرآنية الفريدة {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} منهجا قويما في التعامل مع الأخبار و الإشاعات، فليس كل ما ينقل صحيحا؛ فبعضه عار عن الصحة، و بعضه مجتزء، قُصد به التدليس وإيقاع المتلقي في الصدمة الأولى؛ حتى لا يُترك له متسع من التفكير و التروي؛ يَفصل به بين الحقيقة و التلفيق، و يميز به بين الواقع والمُختلق، و لئن كانت وسائط التواصل الاجتماعي و محمولاتها المتفقة أصابت عوام المتلقين، و خَطفت عقولهم، و تحكمت في عواطفهم و ردٓات أفعالهم، فإن ما ينطبق على المتلقي البسيط لا يناسب أصحاب العقول المستنيرة، و أولي النهى والبصائر من عِلية المجتمع؛ فلا يناسب القضاة المبجّلين الانسياق خلف الأخبار المجتزءة، كما لا يصلح في حقهم الارتهان أو الانصياع خلف المغرضين و المرجفين.
لقد قرأت البيان الصادر عن نادي القضاة تعليقا على بعض ما دار في حوار حضره معالي الوزير سيد أحمد ولد محمد واستغربت حجم الاجتزاء والانتقائية التي اعتمدها محررو البيان، وكنت أربأ بالسادة القضاة الموقرين عن اصطياد الأخطاء، واجتزاء الكلام، والتركيز على جزئية يفهم منها التراخي في تنفيذ بعض الأحكام الصادرة ضد القطاعات الحكومية،
وأحب تعليقا على البيان تذكير السادة القضاة ببعض النقاط التي تؤكد بُعد معالي الوزير عن المضامين التي وردت في البيان:
1. خدم معالي الوزير سيد أحمد ولد محمد ثلاث سنوات في الحكومات التي تشكلت في العهد الميمون لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وعُرف بالجدية والتفاني في خدمة وطنه في مختلف الوزارات، وتشهد الإنجازات الكبيرة في قطاع الإسكان والعمران على ما حققه الوزير من إنجازات، بتوجيهات سامية من فخامة رئيس الجمهورية.
2. لم يعرف عن الوزير الشطط في التعبير ولا إطلاق الكلام على عواهنه، ولا سوق الاتهامات جزافا تجاه خصومه، ومن باب أحرى تقليله من شأن المؤسسة القضائية أو السادة القضاة.
3. أن معالي الوزير كان يتحدث بصفته السياسية كأمين تنفيذي مكلف بالموريتانيين في الخارج، و ليس بصفته وزيرا و لا ناطقا باسم الحكومة، وأبانت تصريحاته عن اهتمام بكل المخالفين، والاستعداد لحوارهم وتبيين مواطن الشك لديهم، ومن العلوم أن شخصا بمكانته يدافع عن النظام ويبين للمعارضين ما تم إنجازه في ظل قيادة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ستكون الإنجازات في مجال القضاء خير شاهد على الطفرة الكبيرة التي وصلنا إليها في مجال استقلالية القضاء وتوفير كل الضمانات لقيامه بمهامه المقدسة، وهو ما يدحض اتهام الوزير بالهمز أو اللمز أو التشكيك في مؤسسة هي قوام الأمة، وملاذها الأوحد.
4. أن الجزئية التي تم انتقاؤها والتركيز عليها تم تفصيل الحديث فيها، وعبّر الوزير في حديثه المفصل عن تعثر تنفيذ بعض الأحكام؛ نظرا لعدم استيفائها لمراحل التقاضي، ويمكن الاطلاع على الحوار مكتملا لإزالة اللبس.
5. أن بعض الشخصيات العمومية والسياسيين والنواب تحدث بكلام مسيء للقضاء والقضاة وأطلق بعض النعوت المجرمة في حق القضاة، في تصاريح منشورة، بعضها في وسائل الإعلام العمومية، ولم نشهد هذه الهبة المدافعة عن حمى القضاء، وهو ما يجعلنا نشك في دوافع هذا البيان، ونتطلع لمعرفة خلفيات المتحمسين في إصداره دون التأكد من مضامين كلام الوزير، والحكم عليها مجتمعة غير مجتزأة.
6. أذكر نقيب المحامين الأستاذ إبراهيم ولد أبتي، الذي أصدر بيانا يشنع ويستنكر حديث الوزير، بالاستشارة التي قدمها لوزير المالية سنة 2005 إبان الفترة الانتقالية، والتي تصنف بعض الأحكام بغير القابلة للتنفيذ، فهل تغير رأي أو "موقف" الأستاذ، أم أثرت عليه عوامل أخرى.. سياسية ربما!!؟
في المحصلة كان حوار الوزير مع بعض المواطنين فرصة كبيرة لتبديد الشكوك لدى من لديهم اعتراضات على تدبير وتسيير الشأن العام، ولعل نجاحه في خرجته المتميزة وحواره المقنع، هو ما دفع بعض المعارضين والعدميين، إلى محاولة التشويه والتشويش، وتوجيه بوصلة الحديث إلى مواضيع أخرى، لكن المستغرب حقا أن يؤتى الوزير من جهة القضاة الموقرين الذين نفخر بهم ونقدر حكمتهم ومكانتهم المقدرة.
بقلم/ د. سيدي محمد ابهادي