صناعة النخب السياسية
الساحة السياسية الوطنية تحتاج لشخصية "المعارض" القادر على النَزال في المعارك الانتخابية المرتقبة ضد الغريم التقليدي الحزب الحاكم صاحب السلطة و النّفوذ، فكل نظام سياسي مهما كان عاسِفًا لا بد من وجود حزب معارض يعطي لفوزه صبغة شرعية في مهازل الحملات الانتخابية ، عملية الاستقراء التاريخية تؤكد أن مفردة -الديمقراطية- متنحية في بلادنا رغم تكرارها في كل الخطابات الرسمية، صفحات تاريخنا لم تسجل على طول إمتداد 6 عقود من عمر الدولة الموريتانية تبادلًا سلميًا على السلطة إذا استثنينا الانتخابات الرئاسية لعام 2007 والتي كان المرشّح الفائز فيها الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله(رحمة الله عليه) مدعوما بإفراط علني وسافر من طرف القادة العسكريين للبلاد ساعتها، لذلك كان مجرّد امتداد للحُكم الذي تنازل له عن السلطة.وبالتالي، فإن المجتمع الموريتاني ذا التعدّد القبلي والعِرقي، مرد على أن مرشّح السلطة هو الإله الدائم في معبد السياسة و النّفوذ، يحظى هذا الإله تلقائيا بدعْم زعامات تقليدية تعرف ب ؛ شيوخ العشائر الذين ينخرطون في أحلاف سياسية و مبادرات شعبية لتوفير صناديق الأصوات التي يحتاجها الحزب مقابل بعض المصالح الخاصة، ثم دعم من رجال الأعمال وأصحاب المصالح الذين يحصلون لاحقًا على امتيازات مالية في ثوب مشاريع عمومية، فضلا عن شقٍّ كبير من المواطنين المنتمين للحزب بطرق أخرى.
رئيس حركة إيرا و النائب البرلماني -بيرام الداه أعبيد كان شخصية النّظام المفضلة التي شغلت الرأي العام الوطني والدولي في السنوات الأخيرة، ما جعله "المعارض" الأبرز الذي حقق نجاحا ملحوظا, ظهر ذالك بوضوح في الاستحقاقات الرئاسية الاخيرة. و لكن ما إن وصل الغزواني للحكم حتى تغيّرت المعطيات السياسية 180درجة و اصبحت تطفو على السطح عناوين جديده كا؛ (الإجماع -التهدئة-الحوار -التشاور) عزف المتفائلون على وترها طويلًا ليتبين لاحقًا أنها مجرد مخاتَلة سياسية، تقول تقديراتي الشخصية بأن شمس بيرام الداه أعبيد قد أفلت وبلا رجعة، فالنّظام قرر الإِحْجام عن فكرة المواصلة في الاستفادة من خدمات بيرام (كمعارض سياسي) و البحث عن بديل آخر يكون قادرا على تغيير الروتين السياسي الحالي الذي أستهلك كثيرًا. بإلاضافة إلى أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني غير راض عن شخصية بيرام و يعتبره "سياسي مراوغ" لا يلتزم بوعوده خصوصًا ما يتعلق منها بالتهدئة و ذالك من خلال مواقفه الغريبة و تصريحاته المتلاحقة.
اليوم يسعى النّظام وبشكل جاد لصناعة شخصية (المعارضة) في المشهد السياسي المقبل و التي ستكون قادرة على تحقيق أهداف سياسية ثنائية، يريد النّظام وجه جديد تسهل عملية الالتفاف حوله من طرف التشكيلات الشبابية وامتصاص الامتعاض الشرائحي المُكفهر الذي خلّفه سلفه، هنا نشير بالأصابع إلى المحامي و النًائب البرلماني العيد محمدن، أحد أبرز الوجوه السياسية والحقوقية في موريتانيا على الأقل في الوقت الراهن، كما يحظى الرجل بدعم كبير من الطيف الشبابي و من شخصيات حقوقية وسياسية متعددة.
سيتم البحث عن حزب سياسي ليترشح عبره المعارض الجديد
، الذي سيصبح مستقبل السياسة القادمة، فحزبه التقليدي "تكتل" بات حلبة للصراع بين أطراف قادته خصوصا في ظل غياب رئيس الحزب أحمد ولد داداه عن أداء مهامه الحزبية لأسباب (صحية)، الفراغ الذي أحدثه غياب الرئيس ترك أجنحة الحزب تدخل في ما يشبه الصراع، مثلًا ؛ الأستاذة منى منت الدّي ، النائبة السابقة توت منت محمد لقطف ،الأمين العام للحزب إضافة لعبد الرحمن ولد ميني يريدون أن يتبنى الحزب سياسة المهادنة بمعنى (حزب سياسي موالي و معارض) بينما يخالفهم المحامي العيد و بعض القيادات الأخرى من داخل الحزب في هذا التوجه ، مؤكدين على ضرورة أن يبقى الحزب يحمل شعار" المعارضة الراديكالية."
اعتقد أزمة كهذه داخل حزب سياسي فقد مكانته السياسية منذ فترة ستكون مجازفة كبيرة للرهان الانتخابي في معارك سياسية معقدة لذالك فرضية البحث عن (خندق سياسي) يمكنه أن يكون مطية بعيدا عن الحزب العجوز هي الأقرب.
يحتاج المحامي العيد لنيل ثقة النظام كي يحصل على دعمه كما حدث مع بيرام الذي منحه النّظام السابق في الاستحقاقات الأخيرة « المستشارين للتزكية »العيد ولد محمدن هو الوجهة السياسية المرتقبة للنظام، يحظى بدعم قوي من أطر وشخصيات سكان الضفة، لديه مجموعة لا بأس بها من شباب لحراطين، ربط هذه العناصر فيما بينها تعطينا بشكلٍ جلي و واضح -مشروع مرشح انتخابي للرئاسيات القادمة- جدير بالذكر في هذا المقام أن المحامي سبق و أن صرّح عن نيته خوض التجربة السياسية خلال مقابلة أجريت معه على صفحة تواتر، ترى هل سيكون العيد محمدن صناعة جديدة لقادة المؤسسة العسكرية داخل مسار حكمهم السياسي أم تغييرا سياسيا جديدًا لملامح الحكم القادم؟
—-
السلطان البان