تضم مقاطعة ولاتة بالحوض الشرقي مجابات رعوية وصحاري مخيفة، تسكنها قبائل متعددة وتحكمها عادات وتقاليد قديمة في غياب تام للسلطة المركزية .
فمن شمال ولاتة وغربها إلى علب دلنو ثم زيرة ام ركبة وتاكورارت نحو "وا د اينيتي" غربا ، وشمالا في اتجاه اوجاف وشرقا بمنطقة لبطانين حتى حدود مقاطعة اظهر، لا تكاد ترى ما يوحي بأن هذه المناطق تابعة لأي دولة تحكمها سلطة.
وتستمد هذه المناطق الشاسعة تبعيتها للدولة الموريتانية من مقاطعة ولاتة ، حيث النسيان والاهمال المتعمد من الانظمة المتعاقبة في موريتانيا
فعاصمة المقاطعة تفتقد إلى قاض منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، كما تفتقد إلى مستلزمات العيش الكريم ، فالتعليم معطل والصحة تكاد تلحق به ، والهجرة عن المنطقة في ازدياد، ما يفتح الباب واسعا أمام اتساع الخلافات ، حيث تتم تسويتها عادة بتدخل حاكم المقاطعة وخاصة في الخلافات التي تعود عليه بنصيب وافر من القسمة.
وتضم عاصمة المقاطعة فرقة من الدرك تعمل بوسائل متواضعة في مجابات شاسعة يستحيل الوصول إلى أغلبها إلا بدليل من أهلها.
وكانت مصادر سكانية من آوكار قد نقلت لموقع "صوت" ان مجموعتان تقطنان في منطقة "زيرة أم ركبة" الرعوية التابعة لمقاطعة ولاتة على بعد 120 كلم جنوب غرب ولاتة ، اشتبكتا، وذلك لأسباب تتعلق بخلاف حول حفر بئر رعوي تقليدي ،حيث تم اعتراض مجموعة المدعو سيد أحمد ولد ألمين على حفر البئر بالقرب من بئر تابعة لمجموعة المدعو سيد أحمد ولد المختار .
وقد خلف الإشتباك بين المجموعتين أكثر من ثلاثين جريحا ،بينهم أحد عشر فى حالة حرجة.
وتم إجلاء الجرحى إلى مركز الإستطباب بالنعمة ، باستثناء أربعة نقلوا إلى مركز الإستطباب بمدينة كيفه بإشراف ومتابعة من الجهات المختصة.
وتشهد المنطقة نزاعات قبلية بين حين لآخر ، وظهور عصابات تستهدف الانسان والحيوان في منطقة رعوية بامتياز.
ففي السنة الماضية اختفى قطيع من الابل لأسرة اهل سيدي ببكر من قبيلة "اولاد بله" ، وبعد البحث عنه في سيارة رباعية الدفع ، تمكن بعض افراد الاسرة من العثور على اثر القطيع مما دفعهم لترك السيارة ، واستغلال الابل في اقتفاء الاثر ، قبل ان يتمكنوا من معاينة العصابة التي سرقته ,وذلك بعد نحر القطيع بكامله في عين المكان وبحوزتها سيارة من نوع "لاند اكريزير" جديدة يستغلونها لنقل اللحوم المجففة لتسويقها .
عادت المجموعة إلى فرقة الدرك الموجودة في مدينة ولاتة إلا ان قائدها رفض التوجه إلى العصابة ، ما اثار استغراب وحيرة اصحاب الابل ، وقد دفع ذلك التصرف اهل سيدي ببكر إلى اللجوء إلى قيادة الدرك في مدينة النعمة والتي استجابت للقضية بإرسال فرقة تدخل للقبض على افراد العصابة .
ومن بين افراد العصابة اثنين من ابناء "نفره" وآخر يدعى اعوينات، حسب مصادر سكانية قريبة من عين المكان تحدثت لموقع "صوت".
وتمت إحالة القضية إلى العدالة بمدينة النعمة ، قبل ان تتحول إلى نزاع بين قبيلتين ,وقد تم إطلاق جميع المشمولين في الملف.
وكانت المنطقة شهدت قبل ذلك بأشهر قليلة قصة اسرة أهل "بوكه" وهي احدي اسر قبيلة اديبوسات الثرية ، وقد تعرضت لشبه ابادة في منطقة (اوجاف ) عند ما توفيت الوالدة والأخت في ظروف غامضة قبل ان يُعثر بعد ذلك على جثتي ابرز ابناء الاسرة : المدعو اجه ولد بوكه وابن اخته ليتبين لاحقا ان عملية القتل لم تكن طبيعية ، بل تمت بالسم عن طريق خلطه بالشراب ، كما اكد ذلك الطب الشرعي الذي عاين الجثث في عين المكان ، كما تبين الاستيلاء على ملايين من الاوقية كانت بحوزة الشهيدين.
وحسب معلومات حصل عليها موقع "صوت" فقد تم توجيه الاتهام مبكرا لطبيب متجول يدعى سيد احمد ولد اسقير تم القبض عليه ، وهوطبيب معتمد لدى الاسرة المعنية وكان يتردد عليها لتقديم العلاجات لأفرادها في منطقة اوجاف البعيدة من المركز الصحي اليتيم في مدينة ولاتة.
وكان اصرار احد افراد اسرة اهل بوكة على المسؤولية المباشرة للطبيب ولد اسقير عن ابادة اسرته ، قد دفع القاضي في النعمة إلى الزامه بأن يحلف اربعين مرة ، وهو ما استجاب له على الفور مؤكدا ان الطبيب هو من قتل جميع افراد اسرته ، بينما أصر الاخير على نفي التهم الموجهة إليه.
ومهما يكن من أمر فإن تلك المناطق المنسية ستظل بؤرة للصراعات القبلية في ظل اصرار الدولة على غيابها التام.
عن/ صوت في سنة 2020