كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة صباحا بقليل وكنت فى طريقى الى البيت وفجأة رن الهاتف ظننته احد المزعجين الا ان الشاشة كانت تظهر اسم الشيخ واضحا
- السلام عليكم
- عليكم السلام ومرحبا ووخيرت
- مرحبتي بيك وونى اشحالك؟ انت امنين؟
أجبته: مانى ابعيد من مرصت لعليات
- اتكد اتجينى ظرك عند كرفور البراد ابغايتى فيك
ترددت قليلا فالوقت متأخر بيد انى وجدت نفسى أقول له: والله انجيك اتوف
- الين تلحقوا أدخل على طريق الجامعة وشغل اشارات الخطر ادور تلحقنى كدامك
- إن شاء الله
كانت لى سابق معرفة بالرجل عززها انسجام وقبول بيننا بالرغم مما لاحظت فيه من غرابة أطوار أحيانا بيد انى كنت انسب ذلك دائما إلى( أمراد الصالحين)
اذكر مرة اننا عرجنا على مسجد لصلاة العصر فلما خرجنا تفاجأت بالشيخ يلتقط غطاء لرأسه كان قد تركه على إحدى السيارات قلت له لماذا تترك عمامتك خارج المسجد وعلى سيارة مجهولة الا تخاف ان تسرق، ابتسم قائلا :( مانبغى اندخلها المسجد بيها إلى املانه من أهل لخل اما السرقة فما يكد حد يقربها.)
سألته ذات يوم عن أهل لخل كانهم اجوقو ويظحكو ،رد علي : حت فيهم وحدين اميلحين مرات إعود حد يحدثنى بامرده لأجد أحدهم خلفه يقمظ فيه ويشير لى بأنه يكذب علي.
بدت طريق نواذيبو سالكة فى هذا الوقت المتأخر نسبيا ولاح من بعيد كارفور البراد ،اقتربت ثم درت من حوله متجها ذات اليمين على طريق الجامعة مستعملا إشارات التحذير ومحاولا الاتصال بالرجل لكن هاتفه كالعادة مشغولا عاودت الإتصال مرارا فظل الوضع كماهو ضايقنى الأمر وخطر لى ان أعود أدراجى الا أنى تلمست له العذر لما أعرفه من كثرة المتصلين عليه واصلت التقدم على طريق شبه خالية من السيارات أو حتى من المفترشين الباحثين عن نسمات باردة وهربا من جو المدينة الخانق، بدأت اقترب من الجامعة ثم رجعت باتجاه البراد عاودت الإتصال وأخيرا رد الشيخ:
- وقف وقف
أوقفت السيارة إلى جانب الطريق ولم أشاهد أحدا
جاء صوته عبر الهاتف : انزل من السيارة والتفت على يدك العسرية
حينها شاهدت من بعيد ضوءا خافتا يبدو أنه لهاتف يلوح به فى أعماق الظلام وعلى بعد مئات الأمتار من مكانى ،عبرت الشارع سيرا على الأقدام وعلى الجانب الآخر كانت سيارة سوداء v8 مظللة ومركونة أضفى وجودها - بركابها الصامتين- رهبة لا تنقص المكان ( علمت فيما بعد انهم اتلاميد كما يطلق عليهم الشيخ).
تركت الشارع خلفى ماشيا باتجاه الضوء الذى اكتفى صاحبه بالتلويح به مرة واحدة.،كان الظلام يلف المكان وظهرت فى الأفق البعيد أضواء انواكشوط كعقود متلألئة لمدينة تتثاءب فى تكاسل وتسامح غير مبالية بما يحدث فى الضواحى.
بالكاد أتلمس طريقى عابرا أرضا غير مستوية يبدو أنها تعرضت للحفر وربما التجريف من عهد قريب متحاشيا الحفر الصغيرة واصلت التقدم رأسا باتجاه مكان الضوء ،مرت دقائق قليلة بدت لى كدهر فى هذا المكان الموحش، لمت نفسي على عدم اصطحاب سلاحى ، وأخيرا تبينت الشيخ جالسا أمامى وحيدا على مطلة صغيرة وبجانبه وسادة،اقتربت منه محييا:
انت كاعد هون شتعدل
- مرحب بيك اتفضل هون احذايا
- انت وحدك ظرك ولا امعاك اصحابك ذوك إلى تعرف
رد ضاحكا: وحدى
جلست إلى جانبه وتبادلنا التحايا وبعد قليل وجدته يقول لى:
انا احبك فى الله ولديك مكانة خاصة عندى وامعيطلك اندور انحاسنك
بدت لى كلمة ( انحاسنك) غير منسجمة مع المطلة اليتيمة والوسادة الحائرة فلم الاحظ وجود بوش باط من الماء ولا شميت ريحت شى ينتكل ولاشفتو
اكمل الشيخ:
تعرف عنك كط قلتلي انك تختبر تجبر ذوك( الخدام) واتشد امعاهم لخبار
- نبقيها حت والله
- لا هى نلقيك امعاهم ظرك غير الا احكم قلبك
قلت له: خرصنى كاع كانى ظاهره اعليا الخلعة
رد علي : انتوم كاع لعرب شجعان تبارك الله
تصورت رنة سخرية فى عبارته الأخيرة لكنى سرعان ماتجاهلتها ثم اضاف:
خلى تلفوناتك هون واحكم قلبك
- انكد ندعى ولا انحجب
رد بصرامة : لاتتكلم
ثم نهض فى خفة وتبعته فى رحلة ملؤها التوجس والترقب وانتظار المجهول .بقلم جميل ولد كهمس ( يتواصل)…
موريتانيا الحدث
ملاحظة : العنوان من اختيار الجواهر وليس لكاتب القصة علاقة به