من صفحة الشاعرة الكبيرة / باته بنت البراء
لن تأخذني العزة بالإثم هذه المرة:
انتهيت الساعة من قراءة مقال طويل للصحفي المغربي المعروف (يسن عدنان) يتحدث فيه عن سفره إلى العاصمة انواكشوط، لحضور أيام حول تطوير المؤسسات الإعلامية.
لقد كان لي سابق معرفة بهذا الرجل، فقد التقيته العام 2000م بمدينة مراكش، على هامش الأيام الإبداعية للنساء العربيات، وتشاء الصدف أن نلتقي ثانية أيام المعرض السادس عشر للكتاب بالدار البيضاء سنة 2009م، وقد أجرى معي مقابلة لبرنامجه المشهور (مشارف).
أقول هذا وأنا أذوب حزنا على كل حرف كتبه عن رحلته إلى انواكشوط، وهو القادم منذ أيام قليلة من نويورك مرورا بالمغرب، ثم وصولا إلى موريتانيا.
تبدأ الرحلة من الدار البيضاء بالبحث عن مكتب للخطوط الجوية الموريتانية، أو عن إعلان على الشاشة عن الرحلة المرتقبة، وحين تضيق السبل ، وينعدم وجود أي خبر عن الرحلة، يسعفه أحد موظفي المطار برقم الهاتف النقال للموظفة المغربية التي تعمل في الخطوط الموريتانية، فيستبشر حين تؤكد له أن الرحلة - وإن تأخرت- ما تزال في موعدها.
لحظات السفر في الطائرة تخللتها مشاهد، رصدتها عين الصحفي الذكي، وحين الوصول إلى العاصمة انواكشوط، والنزول إلى المطار، بدأت الفكرة تتوضح في ذهن يسن، فأول المستقبلين له عند الخروج من بوابة المطار، كان أحد الحمر السائبة، هش عليه الشرطي فابتعد قليلا، ثم تبدأ الرحلة إلى الفندق؛ الشوارع متهالكة، والرمال تزحف على رسومها، والمستنقعات الآسنة تملأ الأرجاء، وقد تنبأ يسن عدنان بليلة نابغية في الفندق، رغم أن الأمر-ولله الحمد- لم يكن كما تصور.
أثناء الورش المقامة، جرت أمور استوقفته، وعرف أشياء لم تدر بخلده إطلاقا؛ فلا معاهد للصحافة، ولا شاشات للعرض السينمائي، ولا مسارح، ولا هم يحزنون.
أما العاملون في الصحافة - وكما يقول- فليسوا خريجي كليات، ولا معاهد للصحافة، بل أن منهم من لم يحصل على الشهادة الثانوية(باكالوريا)، وإنما هي الصدف الجميلة، والارتجالية التي تطبع كل الحياة.
الطريف في الأمر هي تلك المقارنة التي أجراها يسن عدنان بين عاصمتنا المكتهلة، ومدن فتية أصبحت -بعد تقسيم الصحراء- مدنا مغربية؛ ك (العيون، والداخله)، حيث تحدث عن الشوارع الواسعة في المدينتين، وعن المباني الفخمة، ومظاهر الحضارة والعمران، والجلسات الساحرة في حضن الطبيعة الحانية، وذلك في إحالة واضحة إلى أن موريتانيا، لو كان قدر لها أن تتبع المغرب، لتغيرت أمور، وشيدت عواصم ومدن ، واختطت شوارع واسعة تحف بها أشجار الليمون والتفاح، ولوجدت شواطئ قرة لعين الزائر والسائح.
هي ملامح رسمها لعاصمتنا، ولحياتنا المدنية، ولحياتنا الاجتماعية والثقافية ، لم أجد حيالها إلا أن أستسلم لما يقول مكرهة لا بطلة.
يسن عدنان ليس أول صحفي ولا كاتب زار موريتانيا، فكتب عنها مقالا مماثلا، وأجزم أنه لن يكون الأخير.
وهنا أسائلكم: هل تريدون أن تصيبني العزة بالإثم، وأجرد قلمي، وأدبج جملا من لغة الضاد المستعصية، مستشهدة بنتف شعرية عن مآثر آبائنا وأجدادنا ، وعن كرم ضيافتنا، وعن محاظرنا ودورها في نشر الإسلام، وأكابر وأقول إننا أهل المدنية، وأهل الحضارة ، وأننا الأصل ، وغيرنا الفرع، ثم أتحامل على الكاتب ثلبا وأفند ما قاله؟
أعتقد أني فضلت الصمت الحزين على المكابرة والتشدق الزائف.