تاريخ العلاقة بين غزواني وجميل منصور والإخوان المسلمين

ثلاثاء, 05/01/2021 - 12:35

الجزء الأول #بيادق_غزوانية

كانت بداية علاقة ولد الغزواني و محمد جميل منصور العمومية بعد انقلاب المجلس العسكري 2005 و تولي الأول إدارة الأمن الوطني.

و مع أنه لا يمكن وصف ما ربطهما منذ ذلك الوقت بعلاقة المخبر source بمجنِده officier traitant الا أنه كان لولد منصور دوما و بحسب معطيات دقيقة دور مهني استخباراتي ما لدى ولد الغزواني مدير الامن و قائد الأركان!

حيث كانت علاقة الإثنين و من بدءها في تطور منقطع النظير يدل عليه كم  لقاءاتهما داخل و خارج حيز العمل العمومي طيلة السنوات الماضية....
على الرغم من مرورها بمواقف و احداث تركت نقاط استفهام كثيرة حولها!

و كانت من اهم تلك المحطات محاولة تنظيم الاخوان بأبعاده العالمية استغلال إصابة الرئيس السابق بطلق ناري سافر على اثره للعلاج في فرنسا اواخر عام2012 لدق اسفين بين الرجلين الاول و الثاني لنظام ولد عبد العزيز.

إذ تؤكد مصادر مطلعة أن التنظيم و بدعم من تركيا و قطر و اخوان المغرب سعى إلى تحريض ولد الغزواني على الانقلاب على رفيقه المصاب و الغائب عن البلاد آنذاك.

و قد استخدم الاخوان في الداخل و الخارج لتلك المهمة ورقة جميل منصور و الذي بإيعاز من التنظيم أسر إلى ولد الغزواني قبل من سواه أن ولد عبد العزيز اصيب بعجز بدني يمنعه نهائيا من مزاولة مهامه الرئاسية....

قبل ان يعيد ولد منصور نفس الكلام علنا تمهيدا لإحتمال استجابة قائد الاركان في تلك الأيام لما عرض عليه الاخوان من صنع ربيع برلماني موريتاني مدعوم عسكريا ابان إوج عصف رياح الثورات العربية!

إلا أن العرض الاخواني لم يلاقي استجابة من ولد الغزواني في تلك الفترة  ربما لإطلاعه على حقيقة ملف رفيقه الرئيس الصحي... أو لمعرفته العميقة لمدى معارضة الغالبية العظمى من الجنرالات لكل ما يمت بصلة للخط الاخواني مما يجعل أنه غالبا لم يفاتح أيا منهم بالموضوع!

و أنه كذلك و كما حفظ لصديقه الرئيس كرسي حكمه حافظ على سرية ما كان بينه و بين الاخوان.... بحركة مكنته من المحافظة على الطرفين .... سيما ان الاخوان عرضوا عليه الانقلاب بطريقة ذكية مغلفة بالمصالح المشتركة و حين لم يلاقوا ردا ايجابيا منه تخطوا الامر دون إلحاح.

لتتسارع بعد ذلك محطات الزمن و يبدأ وقت المأموريتين الدستوريتين للرئيس السابق بالنفاذ و ليبدأ بذلك التفكير في خلف على الطريقة البوتينية لولد عبد العزيز منذ اواخر 2016

و بعد اقصاء الوزير الاول السابق مولاي ولد محمد لغظف من كواليس الترشيح ظهر اسم محمد محمود ولد محمد لمين رئيس حزب الاتحاد من اجل الجمهورية السابق الذي استدعاه الرئيس السابق من الرياض لإعداده لتولي السلطة بعده بحسب ما تؤكده جملة من المعطيات و المصادر المقربة من دائرة الحكم.

إلا أنه و بعد تداول الخبر في بعض الاوساط الضيقة تم العزوف عن ترشيح السفير الموريتاني السابق في السعودية برأي من رجل النظام الثاني على الرغم من قرابة الرجلين في خطوة و إن كانت غريبة نوعا ما إلا أن الرئيس السابق و مما يبدو لم يتوغل في البحث عن ابعادها الخفية.

و تؤكد معلومات عدة أن استبعاد السفير و رئيس الحزب الحاكم سابقا من خلافة ولد عبد العزيز بمشورة من ولد الغزواني للرئيس حينها كان بتخطيط سري اخواني بسبب علاقات ولد محمد لمين الوطيدة بالمحور السعودي الاماراتي المناوئ للإخوان.

قبل ان يبدأ ولد الغزواني من تلك الفترة في تمهيد طريقه إلى قيادة البلاد دون علم صديقه..... و بعون سري من تنظيم الاخوان المسلمين و تخطيط فردي و جماعي لم يلحظه حتى ولد عبد العزيز الذي اعلن بداية سنة 2019 عن نيته التنحي و ترشيح ولد الغزواني خلفا له في القصر الرمادي بعد ان عينه سنة قبل ذلك وزير دفاع لتقريبه اكثر من الأجواء السياسية بعد تأكد التداول بينهما رغم بقاءه لمدة طويلة طي الكتمان....

و هكذا و بعد مخاض مرت به موريتانيا تخللته ازمة المأمورية الثالثة و ما صاحبها من تجييش اخواني سري و علني ضد نظام ولد عبد العزيز و ما افرزت من تحالفات كان اهمها استقطاب التواصليين لرجل الاعمال محمد ولد بوعماتو الذي ضخ مبالغ هامة لحزبهم  و دعم مرشحهم العلني الوزير الاول السابق سيد محمد ولد بوبكر ماديا و معنويا رغم اختلافه التوجهي معهم مثله مثل ولد بوبكر نفسه الا أن وجود "عدو" مشترك للـ "جميع" متمثل في ولد عبد العزيز كان كافيا لتخندقهم معا.

لكن و مع أن الاخوان اعلنوا قبل تلك الرئاسيات دعمهم لولد بوبكر الا ان بيادقهم نسجت خيوط دعم لولد الغزواني من خلال روابطها في المجتمع التقليدي العميق و تولى ولد بوعماتو الجانب المالي لحملة حزب تواصل السرية لصالح المرشح ولد الغزواني على الرغم من أن مرشح الحزب كان ولد بوبكر الذي من المؤكد انه لم يكن له علم بالأمر تماما كما ولد عبد العزيز الداعم الاول لترشيح وزير دفاعه و صديقه الذي لم يبح له قطعا بكل الاسرار قبل تداولهما السلمي للسلطة!

و من جهة اخرى فقد اتسمت خطابات الاخوان خلال حملة الرئاسيات الماضية بتفادي الحديث المباشر عن المرشح ولد الغزواني او انتقاد برنامجه السياسي بينما تركزت مجهوداتهم على صب وابل الانتقادات على حكم الرئيس الخارج من القصر و تحميله كل الاوزار دون التطرق لمرشحه حليفهم الخفي و المتوقع دخوله القصر بعد ذلك الاقتراع.

و قد برر الاخوان وقتها دعمهم الخفي لمرشح النظام في دوائرهم المغلقة بأنه ناتج عن قراءة موضوعية للوضع ظاهرها مبني على فرضية ان امر فوز مرشح المؤسسة العسكرية محسوم مسبقا و باطنها علاقات متشعبة و مصالح داخلية و خارجية و مخطط طويل النفس للاستيلاء على حكم البلاد بواسطة حليف عسكري يجمع بين محافظة موريتانيا العميقة و فكر قد يمرر الاخوان من خلاله تطلعاتهم السياسية ....

و بعد تولي محمد ولد الشيخ الغزواني شؤون البلاد بدعم من ثلاثي اضداد استغله على احسن وجه خلال رئاسيات 2019 بدأت تجليات الآثار الجانبية لتلك الخلطة بالظهور سريعا و بدأت ضغوطات الحلفاء السريين من جهة و الداعمين الماليين السريين من جهة و اتفاق ما قبل التداول بين الرئيسين و رفقة عقود في السلاح و الحكم من جهة اخرى...

مما عقد منذ البداية حسابات رئيس الجمهورية الحالي و ادخله في بداية عهده في فترة صمت تمخض عنها عناق  بينه و بين الاخوان و موريتانيا العميقة و ولد بوعماتو على حساب سلفه المتنحي له عن الحكم.

بعد أن تميزت الاشهر الثلاثة الاولى بعد التداول  بين الرئيسين السابق و الحالي بالانسجام بينهما لحين رجوع السابق للبلاد من رحلته الاوروبية و مع ان عودته تلك كانت في رحلة خاصة على متن طائرة الموريتانية للطيران يعتبر البعض أنها كانت استدراجا له من طرف خلفه و تؤكد معطيات اخرى عكس ذلك.

لكن سرعان ما طفت على المشهد بؤر خلاف بين الرئيسين السابق و الحالي لتكون ازمة مرجعية حزب الاتحاد من اجل الجمهورية بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير بينهما و التي على ما يبدو من تسارع الاحداث التي تلتها أنها كانت مخطط لها بإحكام يبين أن لمسات مدبريها اكثر عمق من طرق السياسيين التقليدية مما يؤكد ما يرجحه البعض من ان لجناح تنظيم الاخوان في موريتانيا يد في الأمر حتى قبل بدايته.

و يؤيد هذا الطرح سرعة التقارب العلني بين الغزواني و الاخوان دون من سواهم من التيارات السياسية الموريتانيا و من المؤكد أنه لولد منصور في هذا التقارب كما العادة دور هام منبعه عمق العلاقة بينه و بين الرئيس الحالي.

و مع أن فكرة انشاء لجنة تحقيق برلمانية كانت قد طرحت في اوساط ضيقة..... قبل تفجر أزمة المرجعية الحزبية إلا أن بروز الخلاف بين الرئيسين السابق و الحالي افسح المجال للاخوان لطرحها لرئيس الجمهورية كسلاح ردع سياسي لسلفه قبل ان يتبنى نواب الاتحاد من اجل الجمهورية بلورة الفكرة و تحويلها إلى واقع مدعومين في ذلك من حلفاء مرجعيتهم الجديدة السريين (الاخوان) و نواب المعارضة اليساريين و بتحريك غير متخف من رجل الاعمال السياسي ولد بوعماتو في تكتل اتضح منذ البداية أن هدفه اصطياد الرئيس السابق بحجر النقمة من البعض و حجر الانتقام من البعض و حجر التصفية السياسية من البعض الآخر.

إلا أنه و بعد دوران ماكنة التحقيق و ما خلصت إليه رغم القص و اللصق و الحذف و الإخفاء اتضح أن للمعادلة ركن ثابت لا يمكن تجاوزه هو جنرالات المؤسسة العسكرية الذين لم ترق لبعضهم مرونة الرئيس المفرطة مع حلفائه الجدد و اطلاق العنان لهم للنبش في ماض مهما كان يبقى مشترك بين كبار العسكر و فتحه على مصراعيه امام المدنيين من باب قد يدخل الريح إليه من أبواب أخرى ....

خاصة أن حلفاء النظام الجدد لم يتمكنوا من بناء ملفات قد تقود لإتهام الرئيس السابق لوحده بخيانة الوطن مما يجيز ملاحقته دستوريا رغم ظهور ملف جزيرة التيدرة الذي لم يمكث طويلا بعد ان لم يتمكن المشرعون و القانونيون المناوؤون للرئيس السابق و حتى بدعم واضح من قطر من تطويعه و جعله قضية مس من الحوزة الترابية أي خيانة عظمى.

و لأن تنظيم الاخوان يتسم غالبا بالمرونة و قابلية التمدد و التكيف و لأنه يتحاشى الدخول في مواجهة مع حكام البلاد من كبار العسكر و على عكس آخرين لم يبدي معارضته لأية مساعي خفية لإنهاء مسلسل التحقيق بأخف الاضرار حتى و إن كانت نهاية المطاف المحتملة و الواردة قد تفضي إلى هجر الرئيس السابق للبلاد ليخلو الجو لحليفهم الرئيس الحالي و لتطلعاتهم اللا محدودة و الصعبة التوقع في معظم الأحيان!

و قد يفسر هذا الطرح تصريح جميل منصور حول لجنة التحقيق الذي ختمه حرفيا و طبقا لما ورد في احدى الصحف الإلكترونية بما يلي؛

"لم يكن التحول الذي شهدته البلاد منذ الرئاسيات الماضية تحولا ثوريا وهو الذي يتيح عادة فتح الملفات بلا تحفظ ومحاسبة السابقين دون تردد، من هنا يصعب توقع ما توقعه كثيرون من لجنة التحقيق البرلمانية بل قد لايكون من العدل معها رفع سقف التوقعات إلى درجة لا تسمح بها ظروفها والظروف العامة من حولها مع أن تشكيلها ومباشرة عملها وتحقيقها بعض المتوقع منها خطوة مهمة للمستقبل وفتح لباب يخدم الشفافية والرقابة والديمقراطية"

و يجسد تصريح ولد منصور هذا مدى تطابق خطاب غالبية التواصليين اسوة برئيسهم السابق مع املاءات النظام القائم و ضروراته و متطلبات ارساءه و استقراره العسكرية و المجتمعية و السياسية و خططه و تطلعاته المستقبلية
بقلم/ سيدي اكماش

  

         

بحث