أن نذهب جميعا إلى السجن.
حين قلت لولد الغزواني ، في رسالة مفتوحة قبل شهر ، إنه رهينة لدى المافيا، كنت أعتقد أنه سيفهم إلامَ أشير له . و ها أنا أحمله اليوم مسؤولية التطرق إلى هذه التفاصيل المؤسفة قبل الخطيرة ، بتجاهله لما حذرته منه، مع التحفظ على أضعاف ما ذُكِرَ و تجاوز النبش في التفاصيل القذرة و المحرجة .
هذا الوضع المؤسف يضع شعبنا اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما : إما أن نعتبر ولد الغزواني أهم من موريتانيا و نعتبر مصيرها صراعا بين بارونات فساد لا يعنينا في شيء و إما أن نقرر إنقاذ بلدنا من احتلال عصابات الجريمة المنظمة بما نملك من وسائل من دون استثناء. أما الحديث عن الإصلاح و الديمقراطية و الانتخابات و القوانين و الشرعية، فلم يعد له مكان و لا معنى. و أملي اليوم كبير في أن يفهم الجميع في الموالاة و المعارضة مدى خطورة ما تتخبط فيه بلادنا و مدى ضرورة أن نُحكِّم العقل اليوم بكامل مسؤولياتنا أمام الله و أمام شعبنا المعذب، المهان، المحتقر.
لست أدري ما هو الوضع داخل الجيش للمساهمة في هذه المهمة الوطنية التي نتساوى جميعا في تحمل مسؤوليتها (مع إدراكي بنقاء الكثير من قادته)، لكن المؤكد أن الجيش إذا كان قريبا من نبض الشعب و الشارع و المنطق و "الموالاة" قبل المعارضة، لن يكون عقبة في وجه أي تغيير جديد ، لما نلمسه مؤخرا من وعي و استياء داخل كل منظومة الموالاة التقليدية، على مستوى البرلمان و الحزب و العامية.
و على البرلمان الموريتاني بمعارضيه و ما أظهرت بعض عناصر أغلبيته من حسن نوايا و من رفض لاستمرار هذا الواقع المرير، أن يتحرك بسرعة لحجب الثقة عن هذه الحكومة الفاسدة، الخائنة، العاجزة ، المنتقاة على معايير الولاء للحاكم لا للوطن.
لا يمكن لأي مواطن مسؤول اليوم أن يرضى عن ما يحدث في هذا البلد و لا أن يسكت على استمراره. و لم يعد يخفى على آخر أن ولد الغزواني لا يملك الإرادة و لا القدرة و لا الشجاعة و لا المهارة و لا الطموح، على تخطي هاجس خوفه لاقتحام تمنع الفساد المعشش في مفاصل الدولة.
على الجميع أن يدرك ـ حين أصبح لا خيار أمامنا غير العصيان المدني ـ أن إرادة لشعوب لا تقهر و أن كل حالات الهدوء و الغلبة عند الشعوب هي حالات كاذبة و مخادعة.
و حتى لا نكرر أخطاء الماضي، علينا أن لا ننتظر الثورة من المعارضة و لا من أي أحزاب أخرى؛ الثورات تصنعها النقابات العمالية و الطلبة و الحركات الشبابية. و ما لم يثر المزارع في شمامة و المنمي في النعمة و العامل في الزويرات و أكجوجت و الصياد في نواذيبو و المنقب عن الذهب في فيافي تيرس، لن تكون هناك ثورة شعبية عارمة قادرة على نسف أركان النظام.
إن مهمة الأحزاب هي التحكم في مسار الثورة و توجيهها عن بعد (تفاديا للانفلات) و الدفاع عن شرعيتها في وسائل الإعلام المحلية و الدولية بعرض أسبابها و تحميل النظام مسؤوليات اندلاعها.
و يبقى من واجب الأحزاب توجيه النقابات و الحركات الشبابية و الطلابية التابعة لها، بما تملك من خبرات تنظيمية، للتأطير و ضبط المسار و انتقاء الشعارات و الحفاظ على نبل الأهداف.
لم نعد نطلب من ولد الغزواني لا أن يتحدث لنا عن حقيقة نواياه و لا أن يعدنا بمحاربة فساد لا يعترف به و يحرم على نفسه التلفظ باسمه (راجعوا خطابه الخالي من أي إشارة إلى مشكلة موريتانيا الأولى و الأخيرة المتمثلة في الفساد الذي دأب على تدوير رموزه بشكل حصري بين كل قطاعات الدولة) .
لقد اكتملت اليوم في موريتانيا و لأول مرة، كل أسباب الثورة و ما تراجع الأحزاب المعارضة الجادة (القليلة)، إلا مؤشرا (بوعي أو بغير وعي)، على انتهاء العمل السياسي في البلد و فتح المجال أمام الحلول البديلة. لم يبق للأحزاب المعارضة اليوم ما تقدمه للناس : أبواب الحوار موصدة ، الانتخابات مزورة حد الاغتصاب، النظام مستمر في فساده بوتيرة متصاعدة و كل شرايين الدولة تنزف ظلما و فسادا و إفلاسا ؛ إذا كان ما زال في البلد من يجهل مثل هذه الأمور فتلك مسؤولية المعارضة و دليل على تقصيرها و فشلها و إذا كان الجميع أصبح يدركها فذلك يعني أنها قامت بواجبها على أكمل وجه.
لم يبق اليوم من الحلول الحكيمة لتفادي الأسوأ، سوى حل واحد..
يتبع ان شاء الله....
لمتابعة الجزء السابق ,اضغط هنـــــــــــا