تلك مهمتهم السرية أو ديدنهم في الترنح على حلبة الارتزاق السياسي : يكفينا أن نتحدى أيا منهم أن يجمع عشرين شخصا للصلاة على جنازة، ليفهم من يستمع إلى ما يقولونه، مدى تضحيات المعارضة حين تنزل عشرات الآلاف إلى الشارع على امتداد سنوات الجمر، في أصعب الظروف : وحدهم من يدركون ما قدمته المعارضة من تضحيات بالتفاصيل الفنية و المادية هم من يحق لهم أن ينتقدوها و لن يفعلوها في غير التفاصيل.
يقول المتكلمون إن من أصعب الأمور "شرح البديهيات" و هذا بالضبط ما نحتاج الوقوف عنده لفهم بعض أسباب حيرة "الجميع" من صمت "الجميع". ما تعانيه الناس اليوم، هو العجز عن إيجاد معنى لما يحدث أو كلمات للتعبير عنه.
و كأن "الجميع" عندنا تعني من قدرهم أن يكونوا دعامة مركبة بلا فرامل، في سباق مغامرات بلا قوانين و لا ممنوعات، المهم فيه أن تكون الأول. على من يتهجمون على المعارضة اليوم و يتهمونها بالانبطاح و التقصير و الذوبان، أن يكونوا معارضة. و إذا كانت المعارضة كرسيا يحتجزه ولد داداه أو ولد مولود فليتقدم إليه من يتهمهم بالنزول عنه.
أعتقد الآن ـ إنصافا للجميع ـ أننا كنا بجاجة إلى وقفة تأمل بطول هذه السنة و النصف (تقريبا)، لالتقاط أنفاسنا المنهكة و تأمل محاولات نهوض آناكوندا هذه التراجيديا الجديدة التي تحاول فسخ جلدها بصعوبة بعد فسخ بدلتها العسكرية ، للتنصل من "تعهدات" أدت مهمتها بنجاح و أصبحت عبئا على مشروع الهيمنة المتعثر بأكاذيب دولة كاملة من المعتوهين.. دولة كاملة يبرر كل شخص فيها خيانته بخيانة الآخرين.. دولة كاملة تعتبر الوطن عدوا مشتركا تتعاور مقاتله بالنبال و السكاكين.
نعم، لقد كان رجال المعارضة و شبابها أبطالا و على أعلى درجات المسؤولية و الصدق و الأمانة، لذلك سيظلون الهدف الأول لكل المتزلفين و الطعم الأفضل لإغراء صنارة كل مصطاد في المياه العكرة، بحثا عن عربون ود لعصابات النهب و التخريب.
(...) و ما زال هناك اليوم من يطلبون منا أن ننتظر غزواني أكثر و أن نطمئن بأنه سيعمل كل شيء. و جوابنا عليهم بسيط : لم يعد قرار الانتظار بأيدينا بسبب مسؤولياتنا أمام شعب أصبحت تضحكه وعودكم، لكننا بالمقابل لا نريد ولد الغزواني أن يعمل كل شيء؛ ما نطلبه منه هو فقط أن يحدد لهذا الشعب المعسكر في الشمس في انتظار "تعهداته"، توَجُّهَه الحقيقي من خلال وعود تترجم بوضوح في أفعال ملموسة. لكن حين يتمسك بولد أجاي على رأس اسنيم و يقول لنا سأحارب الفساد.. و يتمسك بـ"جا ملل" و ولد عبد الفتاح و عبد العزيز ولد داهي و شيخنا ولد النني (الغائب عن السفارة في داكار منذ أكثر من عام)، سيكون علينا نحن، أن نطلب منهم أن يخيموا في أحياء الانتظار لـ"أربعين سنة أخرى" في انتظار "تعهدات" يَتوَلَّى الفسادُ مهمة رسم أجندتها الشيطانية.
لقد سكتنا طويلا في هدنة غير معلنة من طرف واحد (بحسن نوايا مبنية على تقديرات نعي درجة هشاشتها)، عن تجاوزات هذا النظام المتمثلة في استمرار نهج ولد عبد العزيز بكل تفاصيله و وقاحة أسبابه، و اليوم علينا أن نتكلم بقدر ما سكتنا لنعتذر لشعبنا عن قراءتنا الخاطئة و أسباب تشبثنا بسلمية الانتقال من الاستباحة و الاحتقار إلى مستوى أفضل من الاحترام المتبادل، يحتاجه النظام لاستمراره و يحتاجه بلدنا لاستقراره.
يحاول المُتناعِمُ غزواني هنا أن يمارس الفساد الناعم بابتسامات دكتاتورية ناعمة ، معتقدا بهدوء متنعِّم ، أن دلال النواعِم هو أهم برنامج اقتصادي و اجتماعي، مخضعا تعييناته لمعايير نُعومة قد نختلف في الذوق فيها لكننا لا يمكن أن نختلف في أجناسها : صَتِيتٌ من الغواني النواعم و طابور من القوادين و المتزلفين المتنعمين. و تماما كالنعامة، يحاول ولد الغزواني أن يعودنا بنعيم محسود، على دفن رأسه في الرمال كلما ارتفعت أصواتنا الخشنة أو تحركت الساحة في غير زفة نعيم ممجدة للفساد، متقمصا دور الضحية تارة و مخترعا أخرى، ألف شماعة من خطر ولد عد العزيز و فاتورة كورونا.
هل يمكن أن تمر علينا مأمورية كاملة ـ في أصعب ظروف يعيشها بلدنا منذ نشأته ـ في متابعة مَقالب توم و جيري في كواليس صراع عزيز ـ غزواني، المدار في الغرف المظلمة ؟؟
بقلم/ سيدي علي ولد بلعمش
يتبع ان شاء الله....
للرجوع الى البداية ,يرجى الضغط هنــــــا