أهم ما في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية بعد ما أشار إليه من فساد هائل في عدة قطاعات وملفات اقتصادية حساسة وفي صميم عصب الاقتصاد الوطني هو الرسائل السياسية التي وجهها.
فقد تأكد من خلال التقرير وجود فساد هائل تم برعاية سياسية واضحة من المسؤول الأول في الدولة، والذي كان يفاخر بطريقته في مركزة كل السلطات والقرارات الاقتصادية خاصة، وبقدراته الخارقة في كشف كل خبايا التسيير المالي بشكل يستحيل معه وجود عمليات فساد بهذا الحجم دون علمه ورعايته، سيما إذا كان أبطالها من دائرة مقربيه الأقربين والذين كان يضعهم في الواجهة دون مبرر ولا حرج.
شخصيا لا أولي كبير اهتمام للجانب القضائي من الملف على أهميته، بقدر ما تهمني أبعاده السياسية والاخلاقية باعتبار مقتضيات العقد الاجتماعي والشعارات التي رفعنا للمواطن حينا من الدهر ولم تعد شيئا مذكورا مع الوقت، كما لن أدخل في جدل حول حصانة فلان أو علان، لكون الحصانة عاصم من المتابعة القضائية لكنها لا تعني أي شيء في المنظور السياسي حين تكون كل عناصر الادانة السياسية قائمة.
ويشكل اكتمال أعمال اللجنة في وقته وبحصيلة كهذه، وفي انسجام كامل بين مكوناتها، رسالة قوية تدشن عهدا جديدا من الحياة البرلمانية، ومسارا جديدا في العلاقة بين السلطات، وأملًا غامرا ببناء مؤسسات تدين للجمهورية بالولاء أولا وأخيرا.
وفي نفس الوقت يشكل موقف رئيس الجمهورية بعدم التدخل من قريب أو بعيد في عمل اللجنة، ووفائه بتعهداته بإزالة كل العوائق من طريقها وإلزام السلطة التنفيذية بالتعاون الكامل معها رسالة أخرى ونهجا جديدا يحقق انتظام وتناغم السلط ومؤسسات الدولة وتكاملها.
أخيرًا، أتقدم بفائق التحية وجزيل الشكر إلى اللجنة البرلمانية رئيسا وأعضاء على ما أنجزوا من عمل متميز في شكله ومضمونه وعلى ما بذلوا من جهد كان بكل تأكيد في مستوى التطلعات، أملا أن لا تكون آخر لجان التحقيق خلال المأمورية البرلمانية الجارية، وأن تتبعها لجان ولجان بنفس الهدف والغاية، وأن يتعزز الدور الرقابي للبرلمان دوما.
سيدى محمد ولد محم/ وزير سابق
أما الوزير السابق إسلكو ولد أحمد إزيد بيه فقد كتب منتقدا اللجنة ما يلي :
قرأت النص الصادر عن اللجنة البرلمانية بنسختيه العربية والفرنسية، وخرجت بالملاحظات السريعة التالية:
١- تضخم النص العربي مقارنة بالنص الفرنسي، إذ اشتمل الأول على 51 صفحة والثاني على 32 صفحة فقط، أي بزيادة حوالي 60% ، الشيء الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول النص المصدر ومسألة "الترشيد" اللغوي...
٢- توجد صفحة بيضاء دون ترقيم مباشرة بعد الصفحة الخارجية في النسختين، ولعلها تعبر -بطريقة غير مقصودة طبعا- عن مستوى الاختزال والانتقاء و"التبييض" فيما يتعلق باحتياطي قضايا الفساد -قبل العشرية الأخيرة- التي كان بالإمكان إنارة الرأي العام الوطني حولها...
٣- كثرة الأخطاء، حتى بالنسبة لأسماء العلم، ففي النسخة الفرنسية ورد إسم الشركة الصينية بأكثر من صيغة:
(الصفحة 2)
Poly Honedone
(الصفحة 6)
Poly Hondone
(الصفحة 7)
Poly Hodone
لتعود تسمية الصفحة 7 في الصفحة 15...
(الصفحة 2)
PAMPA
بالإضافة إلى أخطاء متعددة أخرى:
(الصفحة 2)
Fons National...
(الصفحة 11)
...des livraison fictives
(الصفحة 14)
... ne l’exempt pas...
والغريب حقا أن تتم كتابة إسم الشركة الصينية في النسخة العربية (الصفحة 2) بالحروف اللاتينية وبشكل مغاير تماما لكل المحاولات في النسخة الفرنسية، حيث أطلق عليها:
POLY HONDONG!
وكأن القارئ أمام عدة شركات متقاربة التسميات!
فمن يتطوع منكم بإبلاغ اللجنة البرلمانية بالإسم الصحيح للشركة الصينية المعنية؟...
٤- حسب التقرير، فقد أعادت اللجنة البرلمانية توسيع دائرة "تقصّيها" مرتين على الأقل، دون أن تشرح للقارئ ما الذي حال دون اكتفائها بالدائرة الأصلية أو الثانية؟
٥- اكتتبت اللجنة ثلاثة مكاتب دراسة أجنبية كلها، أليس أهل مكة أدرى بشعابها؟...
٦- أكدت اللجنة أنها اعتمدت طريقة "اختيار عينات"، إلا أن هذا الادعاء كان سيكون صحيحا لو تم الاختيار عشوائيا ضمن كل صفقات "العشرية" أو عدد كبير منها أو صفقات "العشرينية"، فجاءت النتيجة "حتمية": "أرايز"؛ "وارسيلا"؛ "ب. ك. 70 “ على طريق أگجوجت...
٧- اتهمت اللجنة كل الجهات الرقابية بالتقصير (سلطة تنظيم الصفقات العمومية، محكمة الحسابات، المفتشية العامة للدولة)، فوحدها اللجنة البرلمانية فوق الشبهات...
٨- في الصفحة 10 من النسخة الفرنسية، انتقد التقرير ما أسماه " اكتتاب أشخاص عديمي الكفاءة"؛ صحوة ضمير لا شك.
٩- دائما في النسخة الفرنسية، وردت كلمة "الشفافية" ستة عشر مرة، و"المنافسة" أربعة عشر مرة، أما كلمة "الإنصاف" فلم ترد إلا خمس مرات...
.١- لم تتطرق اللجنة للأبعاد "المجتمعية" و "الثقافية" لظاهرة الفساد ولا للدور المحوري للإعلام والمجتمع المدني في التصدي لها.
اسلكو ولد أحمد ازيد بيه