حين توقفت عقارب الساعة وتبسم التاريخ فوق روابي إينشيري(زهراء نرجس)

جمعة, 29/11/2019 - 18:42

على الرصيف ,كانت لحظة انتظار أشهى وأروع من كل اللحظات...لحظة انتظار الرمز الموَّحِّد...الرمز الفخر!!
لم تكن الجموع التي غص بها المكان وحدها تتحدث عن فجر الأمل وإشراقة النور وحكاية تحقيق الحلم الذي طالما انتظرناه وآمنا به وتطلع شعبنا لرؤيته واقعا ,وإنما كانت صفوف الخيل المسومة ,وحجارة إينشيري ,ورائحة خبزها المميز ,ونسمات بردها الخفيف ,وابتسامة أطفالها ,وهمسات شيوخها ,تتحدث بلسان حالها ومقالها عن سرورها بوجود إرادة قوية للتغيير ,وتصميم على الوفاء بالعهد ,وإشراكٍ لكل الفرقاء السياسيين والفاعلين في الساحة الوطنية ,حيث تم شطب مصطلحاتٍ كانت سائدة ,كالإقصاء والتهميش من قاموس القائد.
نعم..هذا ما سمعته من الكل ,ولمسته على وجوه الجميع دون استثناء ,ولأول مرة يتحدث الناس عن أشياء ملموسة عمَّتْ كل ربوع موريتانيا تستحق الاحتفال والاحتفاء بها..
جلستُ على كرسي في إحدى الخيام المخصصة للحفل البهيج لمشاهدة العرض العسكري الرائع ,وأنا القادمة من عاصمة تركتها على صفائح ساخنة : زمهرير البرد ,وضرب الودع و تحليلات أهل السياسة والمتطفلين عليها , والراجمين بالغيب ,مما جعلني أشعر بصداع مزمن وألم يسري في الجسم...لكن كل ذلك سرعان ما تلاشى بعد أن جُلتُ ببصري في الاتجاه الآخر ,صوب المنصة الرئيسية ,حيث وجدت موريتانيا "مصغرة" بكل فسيفسائها وتنوعها ...موريتانيا بساستها ورؤسائها وجميع رؤساء حكوماتها وقادة أحزابها وشيوخها يتجاذبون أطراف الحديث والبسمة تعلو الشفاه والوقار والهيبة والاحترام يعم المكان ,لا شحناء ولا بغضاء ولا احتقان ولا مهاترات ,وذلك تحت ظل خيمة ضربت فوق رمال عاصمة ولاية إينشيري...."إينشيري المجد والعزة والإباء".
ساعتها غمرني شعور بالفرح وعزة النفس والكبرياء تعجز الحروف عن وصفه...حاولت منع دمعة تحدرت من المآقي فلم أقدر على مقاومتها ودفعها ,فالموقف الرهيب واللحظة الفارقة والعواطف الجياشة ,مع مشهد الانسجام ومسير الجنود الابطال ,ورؤية صقور السماء يهبطون بمظلاتهم وسط صيحات الاعجاب والزهو والزغاريد ,كل ذلك لم أستطع معه أن أتمالك نفسي ففاضت دموعي بتلقائية ,فعظمة الزمان والمكان والمناسبة كانت أقوى منا جميعا..
وبعد أن استفقتُ من السكرة التي خامرتني ,كفكفتُ دمعي وأدرت نظري ,ولوحت بعلامة النصر للفارس الموحد ,وقلت : سرْ على بركة الله وبخطى ثابتة إلى تنفيذ ما وعدتَ به شعبك ,وألزمت به نفسك ,فمن كان لله كان الله له ,ومَن وفى بعهده كسب ود مجتمعه ,ومن كان خلقه الوفاء وشيمته الصدق والنقاء ,فهو منتصر لا محالة.
سرْ إلى ما تصبو إليه من تقدم وازدهار بلدك ,فالقلوب معك ,والألسن تلهج بالدعاء لك ,والضعفاء يرفعون أكف الضراعة أن يسدد الله خطاك ,ويبارك في مسعاك.

 

بقلم/ زهراء نرجس رئيسة "تيار المسار"

       

بحث