الشاعر شيخنا عمر يكتب عن أسطورة موريتانيا سيد أحمد

اثنين, 24/06/2024 - 14:10

غريبان هاهنا..

 

صبيحة يوم قارس من أيام تجريت،انطلقت باكرا صحبة رفيقي محمد..حددنا الوجهة على الجي بي أس،كانت على بعد 18كلم.. إحدى كُدَى تجريت التي تتبرج عن محاسن الطبيعة كل صباح،تسابق هبوب عواصفها التي لا تشتهيها قوافل العابرين..

على المقعد الخلفي جهاز تنقيب Gpz7000 هو سيد الرحلة ..

وصلنا قبل حوالي الساعة السابعة والنصف صباحا ..على عادتها تكون الهضبة المنشودة هادئة وخالية من أي طائف ..لكنها بدت لنا اليوم على غير عادتها، ما إن اقتربنا حتى لاح لنا ثلة من المنقبين، ثم لمحنا في السفح سيارتين ..وياللعجب كيف وصلت السيارتان وهما من نوع ميرسدس 200 ..كيف عبرتا إلى هنا..إنه تحدي الطبيعة.. غير بعيد هناك جرافة صغيرة تكنس الصخور وعلى إثرها يتحرك (المسطحون) ببطء ..

ركنا السيارة غير بعيد منهم،وترجلنا صوبهم..انتدبوا لنا رجلا خمسينيا فيما يبدو..تبادلنا معه التحية ..ثم بادرنا بالسؤال مستغربا..أين هو سيد احمد..؟! أليست هذه سيارته..؟!..أجبته: عفوا.. من يكون سيد احمد هذا..قاطعني ..كنا في انتظاره ..وأردف سيارته نفس الشكل واللون والمواصفات ..ظننتك هو.. ثم ما لبث في الاسترسال في الحديث عن سيد احمد وشكل سيارته،حتى التفت يمنة وقال ..ها هو ذا قادم..كانت سيارته بنفس المواصفات ونفس الموديل طبعا.. 

شدني الفضول للتعرف على سيد احمد المذكور..فما إن نزل من سيارته بصحبة من بدوا مرافقيه من المنقبين عن الذهب،حتى اقتربت منه رويدا وصافحته.. ثم أمعنت النظر في ملامحه وتمعنت نبرة صوته التي أحسست أنها مألوفة في ذهني كثيرا وكأنها نبرة من شريط مسجل في ذاكرتي..

سيدي أحمد بدا لي رجلا هادئا ورزينا من أول وهلة..

بعد أخذ أطراف الحديث..كانت الصورة والصوت يقتربان أكثر حتى تطابقا تماما مع صورة وصوت ذلك الشخص الذي طالما تمنيت أن التقي به يوما ما..إنه سيدي أحمد من موريتانيا ومن سيربح المليون..

شاب من عباقرة موريتانيا فاز بمسابقة من سيربح المليون الشهيرة على الmbc قبل عشرين سنة..حيث خطف الأنظار ببراعته في إجاباته،وحسه المرهف تجاه أمته وقضيتها الاولى..

أردت أن أتأكد ..سألته سؤالا غير مباشر،فيما زعمته براعة استهلال..سألته وفي نفسي يقين أنه هو..

سيدي الكريم : أنا أعرفك.. هل سبق أن درست في سوريا؟

أجاب: نعم..وأنا كذلك أعرفك ربما..وجهك مألوف عندي..كان قد عرفني هو أيضا..

قلت له : ربما.. ألست أنت الفائز بمسابقة من سيربح المليون..؟ فأجاب: أجل..

أعربت له عن إعجابي بظهوره في تلك المسابقة.. وعن جملته الشهيرة عن فلسطين وعن الوطن العربي في ذلك الظهور..

وأخبرته أني كتبت عنه قبل فترة على صفحتي على الفيس بوك،متسائلا أين آل به المطاف..وأضفت ممازحا: ألسنا غريبين هاهنا..؟!

أجابني بأنه بعد عودته للوطن،تلقى عروضا للعمل في بعض الوظائف..لكنه رفض مبررا ذلك أنه لم يأخذ رؤية واضحة عن الإعلام في موريتانيا،فقرر الانزواء بعيدا عنه وعن أنظاره، حتى آخر مطافه الذي أخذه إلى مجال التنقيب عن الذهب،لما رأى فيه من كسب حلال وبعد عن صخب المدينة..وراحة الذهن..في وطن من الصعب أن تعيش فيه مكرّما دون أن تتملق وتنافق لكسب ود الساسة..فيستغلوك ويجعلوا منك شخصا تافها..

حدثني عن أشياء في هذا الوطن، أنا وهو فيها سواء..نتقاسم فيها وجهات نظر واحداة..

سألته عن علاقته بالشاعر الشيخ ولد بلعمش رحمه الله..هل كانا معا في سوريا أنذلك..قال بأنه كان من ضمن ذلك الرعيل من الطلاب.. أثنى عليه كثيرا وأشاد بما عرف فيه من حسن خُلُق..تحدثنا ونقبنا واحتفينا بالطبيعة معا في يوم جميل حمل مفاجأة كبيرة لم نخطط لها مسبقا،بكل تأكيد..!

 

سيد احمد حاصل على بكالوريوس إعلام من جامعة دمشق ..يعد من العباقرة..وهو أحد أبناء هذا البلد الذين مثلوه أحسن تمثيل..وأحد هؤلاء الذين رماهم الوطن بعيدا ولم يحفظ لهم مكانة، لأنه لم يتملق ولم ينافق..وقرر أن يعيش محافظا على مبادئه..فاختار أن يكمل رحلة انزوائه هنا في هذا المكان القصي بعيدا عن الأضواء..!

 

 

من صفحة الشاعر الكبير شيخنا عمر سنة 2022