ملاحظات على فتوي المجلس الاعلى حول بيع الذهب بالعملات

ثلاثاء, 26/03/2024 - 11:12

ملاحظات علي فتوي المجلس الاعلي حول بيع الذهب بالعملات 

 

القاضي : سيد محمد ولد محمد الامين ولد باب 

 

بسم الله الرحمن الرحيم ' وبعد : فقد اطلعت علي فتوي للمجلس الاعلي حول وجوب التقابض في بيع الذهب بالعملات ومنع بيعه بالتقسيط ' حيث لم يعتبروا ماءال إليه حاله ' حيث صار سلعة بعد أن كان نقدا ' وحسموا التحريم في المسألة وكأنها من المجمع عليه ' وهذا نص الفتوي :

الفتوى رقم: 635/ م.أ.ف.م (013/023م)

 

بتاريخ: 21/08/2023

 

الموضوع: البيع

 

السؤال: يقوم أحد التجار بتوفير مبلغ من المال لشراء الذهب من مجاهره ومن بعض المتعاملين به، ويتفق معهم على سعر محدد لـ(غرام) عيار 22 من أجل توفير وزن محدد، وربما زاد الوزن قليلا، أو نقص قليلا، عن المتفق عليه في بعض الحالات.

 

يقوم التاجر بإرسال ما تَحَصَّلَ عليه من وزن لجهة ما في الخارج، من أجل بيعه، وحين تستلم الجهة الوزن، وقبل إخضاعه للفحص النهائي الذي سيكون محل اتفاق بين البائع والمشتري – لكونه صادرا عن مكتب متخصص في فحص الذهب – يقوم المشتري المتحمل بتقديم ما يقارب 90 بالمائة من سعر البضاعة، وحين تخرج نتائج الفحص يُنْزَعُ من باقي المبلغ ثمن الفحص، والحمل، وحق المشتري، ثم يقوم المشتري بتسليم باقي المبلغ بعد ذلك، وحق المشتري هنا ناتج عن اتفاق بين البائع والمشتري على أساس ما يعرف بشاشة الذهب، وهي تطبيق يتقلب السعر فيه حسب اللحظات والثواني، وفي لقطة مناسبة للطرفين يقومان بتصويرها ويتفقان على أنها هي قيمة (أُونْصَةِ) الذهب، فمثلا إذا اتفقا على أن ثمن الأُونْصَةِ 1850 دولاراً فإن هناك خصما للمشتري وهو 7.5 دولار مثلا عن كل أُونْصَةٍ من أصل البضاعة.

 

هذا المبلغ المقدم من المشتري يُسَلِّمُهُ لمكتب متخصص في بيع الدرهم، وهذا الدرهم يتبع المسار التالي:

 

منه ما يباع يداً بيدٍ، ومنه ما يباع بمبلغ يقدم بعضه ويؤخر بعضه، وربما تأخر لأيام حسب الثقة في المشتري، وأحيانا يكون فارق التوقيت عائقا لإكمال صفقة (يداً بيدٍ) لتعذرها. ومن صيغ شراء الذهب-كذلك-أن يتفق البائع مع المشتري على ثمن كيلوغرام من الذهب بسعر معلوم للعيار 22، ويطلب البائع من المشتري تقديم المبلغ أو بعضه، وذلك من أجل توفير السيولة للبائع أثناء تجميع الوزن الذي يتم، عبر شرائه قطعا مختلفة الأحجام حسب ما يقدمه أصحاب المجاهر، وعندما يكتمل الوزن يرسله له، فهل هذا المسار موافق لما استقر عليه الفقه في المجال المالي؟ وإذا كان هناك ما يخالف الشرع فما هي الصيغة البديلة عنه؟

 

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام، على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه؛

 

وبعد: فهذا العقد المذكور في السؤال فاسدٌ؛ لعدم المناجزة بين البائع والمشتري في بيع الذّهب، ذلك أنّ بيعَ الذّهَب ممّا يُشترَطُ فيه التقابُضُ يداً بيدٍ؛ يقول صلى الله عليه وسلَّم كما في مسلم: “فإذا اختلفت هذه الأصنافُ، فبِيعُوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ”، ومن المعلوم أنَّ العمُلات الورقيّة اليومَ منزَّلةٌ منزلةَ العينِ، وتأخُذُ حكمَها، وقد اختلَّ التقابُضُ في جميع صُوَر المعاملة المذكورة.

 

ومن المعلوم أيضا أنّ السَّلَمَ في بيع الذهب لا يُشرَعُ؛ لأنّ من شروط صحة السَّلَمِ ألّا يكون طرفاهُ نقدين، فالحاصلُ أن المعاملات المذكورة فاسدة.انتهت الفتوي .

 

 و ملاحظاتي علي هذه الفتوي هي كالتالي : 

الملاحظة الاولي :

 

 الذهب والفضة كانا نقدين آنذاك ولا يتعامل بسواهما إلا تبعا ،فلما تغيير الواقع الان صار الذهب والفضة مطلقا بمثابة متاع سلعة لااعتبار لهما في المعاملات اليومية 'وحلت العملات محلهما ، فتغيرت نظرة كثير من الباحثين لأن الفتوي القديمة تتكلم عن واقع زال تماما، فلم يعد الذهب والفضة كما كانا نقودا بل صارا سلعا وعروضا ،وبناء علي ذلك رجح بعض المعاصرين وعلي رأسهم دار الافتاء المصرية اعتبار الذهب والفضة سلعتين ' فجوزوا بيعهما بالتقسيط بالعملات ' وهذا نص فتوي دار الافتاء :

فتوى دار الإفتاء المصرية 

 

سئلت اللجنة عن موضوع بيع الذهب بالتقسيط .

 

فأجابت بما نصه:

 

ورد النهي النبوي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نسيئة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [أخرجه مسلم (رقم ١٥٨٤) ], وفي حديث غيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» [ أخرجه البخاري (رقم ٢٠٦٨) ومسلم (رقم ١٥٨٤)]، واتفق العلماء على أن المبيعين الربويين إذا اختلف جنسهما , ولكن جمعتهما علة واحدة: كالنقدية في الذهب والفضة, فإنه يشترط كذلك فيهما الحلول والتقابض, فيحرم النسيئة -البيع الآجل- نصًّا في العقد, أو فعلا في الواقع.

 

أما الذهب والفضة المصوغان فإنهما خرجا بذلك عن كونهما أثمانًا -وسيطا للتبادل- انتفت عنهما علة النقدية, التي توجب لهما كونهما ربويين، و يترتب عليها تحريم بيع الجنس منهما بمثله أو بالآخر آجلا، فصارا كأي سلعة من السلع التي تباع و تشتري بالحالِّ الأجل؛ إذ من المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وهذا ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما, بشرط ألا تكون صياغته محرمة: كالأشياء الذهبية, التي من شأنها ألا يلبسها إلا الذكور, من غير أن يُرَخَّص لهم فيها، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه إعلام الموقعين: “الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان, كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها”.

 

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: لا مانع شرعاً من بيع الذهب المصوغ بالتقسيط، ولا يجب دفع القيمة نقدا عند البيع. والله سبحانه وتعالى أعلم.انتهي . إذن: ففتوي المجلس لم تعتبر الحال الذي صار إليه الذهب وتجاهلته ' فجاءت بفتوي مقتضبة في أمر كان الاولي نقاشه ' ومراعاة الخلاف لاحسمه واعتبار الامر مازال علي حاله قديما .

 

 

الملاحظة الثانية :المالكية الذين ينتسب إليهم المجلس في القديم لم تكن المسألة محسومة عندهم أيام كان الذهب نقدا وليس سلعة كما هو واقعنا الحالي ' 

 فقد نقل ابن العربي الخلاف في المسألة داخل المذهب 

 في كتابه القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، فقال رحمه الله:

“فإن حكم الربا يتعلق بعين الذهب والفضة ولا خلاف فيه (عين الذهب والفضة وهو المضروب منهما أي الدينار والدرهم)، فإن كان حليًا فقد اختلف علماؤنا فيه هل تجري فيه أحكام الربا كلها كما تجري في الذهب والفضة أم لا؟”

 .

وقد نقل عن مالك جواز بيع الحلي بالذهب، وأخذ قيمة الصياغة مطلقاً للمسافر كما نص عليه خليل بقوله : بخلاف تبر يعطيه المسافر واجرته دارالضرب ليأخذزنته والاظهرخلافه ؟

فيجوز للرجل إذاأراد السفر ومعه تبر، أن يأتي لأهل دار الضرب ولامفهوم لدارالضرب كماقال العدوي: ليضربوا له ذهبه سكة، فاذاشق عليه الانتظار، ويخشى من فوات الرفقة، فيجوز له أن يأخذ منهم زنته مضروباً جاهزاً، ويدفع لهم أجرة الضرب.

 

مع أن في هذه المسألة داخل المذهب روايتان : الأولى: أجازه مالك للمسافر لحاجته إلى الرحيل، وظاهره وإن لم تشتد. وبه أخذ ابن القاسم.

 

الثانية: المنع ولو اشتدت الحاجة ما لم يخف على نفسه الهلاك، ورجحه ابن وهب، وابن رشد، وعيسى بن دينار، وخليل في مختصره. قال في الدسوقي (3/34): والمعتمد الأول. 

قال عليش : ( بخلاف تبر ) بكسر الفوقية وسكون الموحدة آخره راء أي ذهب تراب غير مسبوك ومثله سبيكة وحلي ومسكوك بسكة لا يتعامل بها في محل الحاجة للشراء بها كسكة غرب بمصر والحجاز ( يعطيه ) أي التبر الشخص ( المسافر و ) يعطي ( أجرته ) أي أجرة سكه ( دار الضرب ) أي أهله ( ليأخذ ) المسافر من أهل دار الضرب ( زنته ) أي التبر مسكوكا عاجلا ، فيجوز وإن كان فيه ربا الفضل لاحتياج المسافر للرحيل ، وظاهره وإن لم يشتد ( والأظهر ) عند ابن رشد من الخلاف ( خلافه ) أي الجواز وهو منعه ، ولو اشتدت حاجته إذا لم يخف على نفسه الهلاك ولم يبح له أكل الميتة وإلا جاز قاله ابن رشد . البناني لا مفهوم لتبر وإنما عبر به تبعا لابن الحاجب وقد عبر في العتبية بالمال والمازري وابن عرفة وضيح بالذهب والفضة وكذا غيرهم من أهل المذهب .

 

وقال أبو الوليد الجد في كتابه التحصيل (6/443): «نقل عن مالك رحمه الله أنه كان يعمل به في زمن بني أمية، لأنها كانت سكة واحدة، والتجار كثير، والناس مجتازون، والأسواق متقاربة، فلو جلس كل واحد حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى بذلك بأساً، فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب، فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم ؛ لأن الضرورة ارتفعت، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكي أنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين فلم يرخصوا فيه على حال».

فانظر كيف راعي إمامنا مالكا الحاجة لمثل هذا في زمنه مع أنه داخل في ربا الفضل بيع ذهب تبر بذهب مصوغ أكثرمنه للحاجة ،فلماذا لا يراعي فقهاؤنا هذافي مسألة بيع الذهب المصوغ حليا بالعملات الذي اشتدت الحاجة إليه كما هو معلوم .

فلماذا يتجاهل المجلس هذا ويقطع في أمر كان بإمكانه نقل الخلاف فيه علي الاقل 'وتوضيح الاشكال ' وله بعدذلك واسع النظر في الترجيح ' لكن بعد التنبيه علي الرخصة لمن دعته الحاجة .

الملاحظة الثالثة : الذهب المصوغ قديما 

لم ينفرد شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم باعتباره سلعة يجوز بيعها بالتقسيط ' بل سبقهما إليها بعض التابعين 

كالحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وسفيان الثوري؛ كما نقل ذلك عبد الرزاق في مصنفه (8/ 69)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 285) فقد نقل في مصنفه : أنهم كانوا لا يرون بأسا في ابتياع السيف فيه الحلية، والمنطقة، والخاتم، بأكثر أو أقل وزنه أو نسيئة .وقد نقل عن الاحناف جواز بيع الخبز بدقيق من جنسه ، ولا يشترط عندهم في ذلك التماثل ولا التقابض .فكأنهم اعتبروا أن الصنعة تنقل عن الاصل 

 

قالوا كما في "رد المحتار لابن عابدين" (5/182:

 لأن " الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ صَارَ جِنْسًا آخَرَ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا ، وَالْبُرُّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلَانِ، فَلَمْ يَجْمَعْهَا الْقَدْرُ وَلَا الْجِنْسُ ؛ حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً " ) .

 

وقال ابن نجيم :""النهر الفائق شرح كنز الدقائق" (3/478

 (و) يصح أيضاً بيع (الخبز بالبر ، وبالدقيق ، متفاضلاً) ، في أصح الروايتين عن الإمام . - قيل: هو ظاهر مذهب علمائنا الثلاثة ، وعليه الفتوى - عدداً ووزناً كيف ما اصطلحوا عليه لأنه بالصنعة صار جنساً آخر، والبر والدقيق مكيلان فانتفت العلتان " .

وجاء في الفتاوى الهندية (3/118): «قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا بأس بالخبز قرص بقرصين يداً بيد، وإن تفاوتا كبراً.

 

وبناء على مذهب الحنفية في

 جواز بيع الخبز بالخبز متفاضلاً ؛ لأنهم عللوا ذلك بأن الخبز خرج بالصنعة من كونه مكيلاً، فلم يحرم التفاضل فيه ' يمكن أن يخرج عليه أن الحلي خرج بالصنعة عن الربوية وهذاالتخريج سائغ في عصرنا لأن الذهب والفضة زال عنهما مفهوم النقدية تماما والتخريج مختلف فيه قال في المراقي :

 

إن لم يكن لنحو مالك ألف ... قول بذي وفي نظيرها عرف

 

فذاك قوله بها المخرج 

 وقيل عزوه إليها حرج

 

وكذلك بعض الحنابلة؛ قال ابن قدامة: “قال أصحابنا: للصائغ أخذ الدرهمين؛ أحدهما في مقابلة الخاتم، والثاني أجرة له”انظر . المغني (4/ 9). وقال المرداوي: “وعمَلُ النَّاسِ عليه” الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (12/ 19).

فتأمل قوله :وعمل الناس عليه تتضح لك وجاهة هذا القول وقوته ومعلوم حكم ماجري به العمل وأنه يفتي فيه بالضعيف قال في المراقي :

وقدم الضعيف ان جري عمل

 به لأجل سبب قداتصل 

 

 

الملاحظة الرابعة :  

وردت في السنة أحاديث كثيرة حول جريان الربا في الذهب والفضة 'وهي نصوص عامة وردت بصيغة أل' فكلمة الذهب بالذهب تشمل كل ذهب سواءكان حليا أومصوغا ،فلماذا يتم تخصيص المصوغ وماهوالدليل ؟

الجواب : العام ليس قطعي الشمول والتناول لجميع أفراده الا عند الاحناف قال في مراقي السعود :

وهو على فرد يدل حتما 

 وفهم الاستغراق ليس جزما 

 بل هو عند الجل بالرجحان والقطع فيه مذهب النعمان 

 

 وبالتالي فالعام هنا مخصص بالقياس والمطلق مقيد بالقياس الجلي علي الحلي قال ابن القيم في اعلام الموقعين :

 والنصوص الواردة عن النبي ﷺ

 ليس فيها ما هو صريح في المنع وغايتها أن تكون عامة أو مطلقة 'ولا ينكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس الجلي' وهي بمنزلة نصوص وجوب الزكاة في الذهب والفضة والجمهور يقولون: لم تدخل في ذلك الحلية ولا سيما فإن لفظ النصوص في الموضعين قد ذكر تارة بلفظ الدراهم والدنانير كقوله: "الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير" وفي الزكاة قوله: "في الرقة ربع العشر" والرقة: هي الورق وهي الدراهم المضروبة وتارة بلفظ الذهب والفضة فإن حمل المطلق على المقيد كان نهيا عن الربا في النقدين وإيجابا للزكاة فيهما ولا يقتضي ذلك نفي الحكم عن جملة ما عداهما بل فيه تفصيل فتجب الزكاة ويجري الربا في بعض صوره لا في كلها وفي هذا توفية الأدلة حقها وليس فيه مخالفة بشيء لدليل منها. انتهي 

 

فالمراد الذهب الذي كان عملة ونقدا، أماالمصوغ فقد صارمتاعا وحليا.شأنه في ذلك شأن الحلي الذي لاتجب فيه الزكاة إلاعند الاحناف .ألم يقل الله تعالي :والذين يكنزون الذهب والفضة ؟فماالفرق بين أحكام الحلي في الزكاة والحلي في الربا ؟

وأما ربا الفضل فأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة كالعرايا فإن ما حرم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد' وعلى هذا فالمصوغ والحلية إن كانت صياغته محرمة كالآنية حرم بيعه بجنسه وغير جنسه وبيع هذا هو الذي أنكره عبادة على معاوية 'فانه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان 'وهذا لا يجوز كآلات الملاهي وأما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحلية النساء وما أبيح من حلية السلاح وغيرها 'فالعاقل لا يبيع هذه بوزنها من جنسها فإنه سفه وإضاعة للصنعة والشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك 'فالشريعة لا تأتي به ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه فلم يبق إلا أن يقال لا يجوز بيعها بجنسها البتة' بل يبيعها بجنس آخر وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تتقيه الشريعة' فإن أكثر الناس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب وتكليف الاستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر والحيل باطلة في الشرع 'وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب' وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه' فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس '

 

يوضحه أن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان ولهذا لم تجب فيها الزكاة فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأعدت للتجارة فلا محذور في بيعها بجنسها ولا يدخلها إما أن تقضي وإما أن تربي إلا كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل ولا ريب أن هذا قد يقع فيها لكن لو سد على الناس ذلك لسد عليهم باب الدين وتضرروا بذلك غاية الضرر.

 

يوضحه أن الناس على عهد نبيهم ﷺ كانوا يتخذون الحلية وكان النساء يلبسنها وكن يتصدقن بها في الأعياد وغيرها والمعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج ويعلم أنهم يبيعونها ومعلوم قطعا أنها لا تباع بوزنها فإنه سفه ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي دينارا ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها وهم كانوا أتقى لله وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يعلموها الناس.

يوضحه أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه نهى أن يباع الحلي إلا بغير جنسه أو بوزنه والمنقول عنهم إنما هو في الصرف.وقال :

 

يوضحه أن تحريم ربا الفضل إنما كان سدا للذريعة كما تقدم بيانه وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة كما أبيحت العرايا من ربا الفضل وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة وكذلك ينبغي أن يباح بيع الحلية المصوغة صياغة مباحة بأكثر من وزنها لأن الحاجة تدعو إلى ذلك وتحريم التفاضل إنما كان سدا للذريعة فهذا محض القياس ومقتضى أصول الشرع ولاتتم مصلحة الناس إلا به أو بالحيل والحيل باطلة في الشرع وغاية ما في ذلك جعل الزيادة في مقابلة الصياغة المباحة المتقومة بالأثمان في الغصوب وغيرها وإذا كان أرباب الحيل يجوزون بيع عشرة بخمسة عشر في خرقة تساوي فلسا ويقولون: الخمسة في مقابلة الخرقة فكيف ينكرون بيع الحلية بوزنها وزيادة تساوي الصناعة وكيف تأتي الشريعة الكاملة الفاضلة التي بهرت العقول حكمة وعدلا ورحمة وجلالة بإباحة هذا وتحريم ذلك وهل هذا إلا عكس للعقول والفطر والمصلحة.

 

والذي يقضي منه العجب مبالغتهم في ربا الفضل أعظم مبالغة حتى منعوا بيع رطل زيت برطل زيت وحرموا بيع الكسب بالسمسم وبيع النشا بالحنطة وبيع الخل بالزبيب ونحو ذلك وحرموا بيع مد حنطة ودرهم بمد ودرهم وجاءوا إلى ربا الفضل النسيئة ففتحوا للتحيل عليه كل باب فتارة بالعينة وتارة بالمحلل وتارة بالشرط المتقدم المتواطأ عليه ثم يطلقون العقد من غير اشتراط وقد علم الله والكرام الكاتبون والمتعاقدان ومن حضر أنه عقد ربا مقصوده وروحه بيع خمسة عشر مؤجلة بعشرة نقدا ليس إلا ودخول السلعة كخروجها حرف جاء لمعنى في غيره فهلا فعلوا ههنا كما فعلوا في مسألة مد عجوة ودرهم بمد ودرهم وقالوا قد يجعل وسيلة إلى ربا الفضل بأن يكون المد في أحد الجانبين يساوي بعض مد في الجانب الآخر فيقع التفاضل فيالله العجب كيف حرمت هذه الذريعة إلى ربا الفضل وأبيحت تلك الذرائع القريبة الموصلة إلى ربا النسيئة بحتا خالصا وأين مفسدة بيع الحلية بجنسها ومقابلة الصياغة بحظها من الثمن إلى مفسدة الحيل الروية التي هي أساس كل مفسدة وأصل كل بلية وإذا حصحص الحق فليقل المتعصب الجاهل ما شاء وبالله التوفيق.

 

فإن قيل: الصفات لا تقابل بالزيادة ولو قوبلت بها لجاز بيع الفضة الجيدة بأكثر منها من الرديئة وبيع التمر الجيد بأزيد منه من الرديء ولما أبطل الشارع ذلك علم أنه منع من مقابلة الصفات بالزيادة.

 

قيل: الفرق بين الصنعة التي هي أثر فعل الآدمي وتقابل بالأثمان ويستحق عليها الأجرة وبين الصفة التي هي مخلوقة لله لا أثر للعبد فيها ولا هي من صنعته فالشارع بحكمته وعدله منع من مقابلة هذه الصفة بزيادة إذ ذلك يفضي إلى نقض ما شرعه من المنع من التفاضل فإن التفاوت في هذه الأجناس ظاهر والعاقل لا يبيع جنسا بجنسه إلا لما هو بينهما من التفاوت فإن كانا متساويين من كل وجه لم يفعل ذلك فلو جوز لهم مقابلة الصفات بالزيادة لم يحرم عليهم ربا الفضل وهذا بخلاف الصياغة التي جوز لهم المعاوضة عليها معه.

 

يوضحه أن المعاوضة إذا جازت على هذه الصياغة مفردة جازت عليها مضمونة إلى غير أصلها وجوهرها ولا فرق بينهما في ذلك.

 

يوضحه أن الشارع لا يقول لصاحب هذه الصياغة: بع هذا المصوغ بوزنه واخسر صياغتك ولا يقول له لا تعمل هذه الصياغة واتركها ولا يقول له: تحيل على بيع المصوغ بأكثر من وزنه بأنواع الحيل ولم يقل قط لا تبعه إلا بغير جنسه ولم يحرم على أحد أن يبيع شيئا من الأشياء بجنسه.

 

فإن قيل: فهب أن هذا قد سلم لكم في المصوغ فكيف يسلم لكم في الدراهم والدنانير المضروبة إذا بيعت بالسبائك مفاضلا وتكون الزيادة في مقابلة صناعة الضرب؟

 

قيل: هذا سؤال قوي وارد وجوابه ان السكة لا تتقوم فيه الصناعة للمصلحة العامة المقصودة منها فإن السلطان يضربها لمصلحة الناس العامة وإن كان الضارب يضربها بأجرة فإن القصد بها أن تكون معيارا للناس لا يتجرون فيها كما تقدم والسكة فيها غير مقابلة بالزيادة في العرف ولو قوبلت بالزيادة فسدت المعاملة وانتقضت المصلحة التي ضربت لأجلها واتخذها الناس سلعة واحتاجت إلى التقويم بغيرها ولهذا قام الدرهم مقام الدرهم من كل وجه وإذا أخذ الرجل الدراهم رد نظيرها وليس المصوغ كذلك ألا ترى أن الرجل يأخذ مائة خفافا ويرد خمسين ثقالا بوزنها ولا يأبي ذلك الآخذ ولا القابض ولا يرى أحدهما أنه قد خسر شيئا وهذا بخلاف المصوغ والنبي ﷺ وخلفاؤه لم يضربوا درهما واحدا وأول من ضربها في الإسلام عبد الملك بن مروان وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار.

 

فإن قيل: فيلزمكم على هذا أن تجوزوا بيع فروع الأجناس بأصولها متفاضلا فجوزوا بيع الحنطة بالخبز متفاضلا والزيت بالزيتون والسمسم بالشيرج.

 

قيل: هذا سؤال وارد أيضا وجوابه أن التحريم إنما يثبت بنص أو إجماع أو تكون الصورة المحرمة بالقياس مساوية من كل وجه للمنصوص على تحريمها والثلاثة منتفية في فروع الأجناس مع أصولها وقد تقدم أن غير الأصناف الأربعة لا يقوم مقامها ولا يساويها في إلحاقها بها وأما الأصناف الأربعة ففرعها إن خرج عن كونه قوتا لم يكن من الربويات وإن كانت قوتا كان جنسا قائما بنفسه وحرم بيعه بجنسه الذي هو مثله متفاضلا كالدقيق بالدقيق والخبز بالخبز ولم يحرم بيعه بجنس آخر وإن كان جنسهما واحدا فلا يحرم السمسم بالشيرج ولا الهريسة بالخبز فإن هذه الصناعة لها قيمة فلا تضيع على صاحبها ولم يحرم بيعها بأصولها في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا حرام إلا ما حرمه الله كما أنه لا عبادة إلا ما شرعها الله وتحريم الحلال كتحليل الحرام.انتهي .

 

 

 

وبناء علي ماتقدم : فيجوز بيع الذهب بالعملات دون تقابض كسائر السلع ' وإن كان الاولي خلافه خروجا من الخلاف 'والله تعالي أعلم .

       

بحث