زيارة المستشفى ومشكلة اللغة

ثلاثاء, 03/10/2023 - 14:09

زيارة مستشفى ومشكلة اللغة 

 

كنت ليلة ماضية رفقة مريض ليلًا فى أحد مستشفيات انواكشوط فى قسم الحالات المستعجلة ، كان هناك طبيب متخصص و طبيبة عامة من "البظان " و ممرضون عدة، بعد التسجيل استقبلنا تقني "كوري" لم أتبين قوميته بالضبط ، كان متلهفا لمساعدة المريض وشرح مرضه له و كان يخلط الفرنسية والحسانية رغم أن المريض يتكلم الفرنسية لكن التقنى لم يكن قادرًا على الاستمرار فى الشرح باللغة الفرنسية وكان يتوقف بكلمات عامية ليست فى محلها شائعة عندنا مثل quoi, comme ça…أو يلجأ إلى الحسانية كأنه يبحث عن توقف استراحة .

خلصنا إلى الأطباء مرورًا ببعض الممرضات اللاتى اخترن الحسانية كلغة تواصل مع تأكيد بعضهن أنهن يتكلمن الفرنسية بإدخال عبارات منها أثناء الحديث ،

 

الطبيبة العامة بدأت بالاستماع للمريض الذي ركز كلامه بالفرنسية كإطار برتبة مدير عليه الحديث بالفرنسية فقط و كانت تستمع بإنصات و تضع بعض الاسئلة بحسانية تتخللها مصطلحات فرنسية، ثم غادرت ورجعت لتتكلم هذه المرة بالفرنسية و مع بذل جهد كبير لتظهر نغمة باريسية خالصة لكن أعياها حرف الراء الفرنسي المشؤوم و كانت تردده لتنطقه مرةً غينا ومرة تجمع راءً وغينا معا وكنت أضحك في نفسي وخصوصا أنها تتيه في التغلب على نواقص النغمة ومعالجة ذلك عن الموضوع و بطريقة مفاجئة تدخل أسئلة في غير محلها لتتنفس بعيدا عن ذلك التلكف المجهد مثل tu comprends متناسية أن الضمير tu لغير المقربين جدًا إساءة ،

 

ثم أتى دور المتخصص والذي كان واثقا من نفسه أكثر فلاهو حاول تقليد النغمة الباريسية ولا هو يضع أسئلة و فواصل لا محل لها لكنه كان يتلكم بالفرنسية و يبحث في معجم أعياه أثناء دراسته فى كلية الطب بانواكشوط و يخرج مصطلحات لا نفهمها ويحاول ترجمتها لنا بخليط من الحسانية و الفصحى مثل القسطرة و العروگ و كان يبتسم كلما نجح في إيجاد المصطلح المناسب ،

لاحظت الطبيبة الشابة تخاطب بولاريا تفسره عن حالة والدته التي فيما يبدو لا تتكلم لا الفرنسية ولا الحسانية و كانت الطبيبة توجه أسئلتها بالفرنسية بنغمة باريسية متكلفة فشعر الشاب البولاري بحرج شديد و حاول شرح سيرة مرض والدته بالفرنسية وكأنه لأول مرة يتكلمها و الطبيبة تستمع لكنه أعياه ذلك واتجه إلى الوالدة ليستعين بالإشارة إلى ساقها ليقول مثلًا أنهم نزعوا عنها جبسا كان يغطي الساق من الكعب حتى الفخذ وقلصوه إلى منتصف الساق حتى يمكنها المشي ولولا الإشارات لما استطاع الولد التعبير عن ذلك بالفرنسية.

لمواصلة الطبيبة الحديث والاستفسار خاطبت الشاب بالولفية وفيما يبدو تتقنها إذ لجأت مع الشاب إليها لتخفف عنه عناء الفرنسية لكنه لم يكن يتحدثها للأسف وأنهيا الحديث الطويل المعقد بالحسانية مع تخليل بالفرنسية.

انتهزت الفرصة عند بقائنا وحدنا وقلت لصديقي المريض الإطار أرأيت كم نحن نستثمر في هذه اللغة الاجنبية وبدون جدوى؟ فهذه هي النتائج كما رأيتها ، ألاحظت الصعوبات التي مرّ بها هؤلاء الشباب الأطباء ؟ فقال لي أنا شخصيا شعرت بذلك عندما كنت أناقش هؤلاء الشباب و قال صحيح كما تؤكد لي دائمًا أن مشكلتنا مع الفرنسية نفسانية بالدرجة الأولى ، فالفرنسية تتراجع بصفة متسارعة عالميا ، وقص لي أمثلة منها مشاركته في ملتقى باسبانيا وكان أحد المتحدثين فرنسيًا و تكلم بالانجليزية و عندما نبهه على ذلك قال له الفرنسي وبكل وقاحة عليكم أنتم الأفارقة الدور بالحديث بالفرنسية فأنتم فراكفونيون أيضا!!!!!

القصة واقعية تماما.

تدوينة بقلم :

المهندس يحظيه ابنو

       

بحث