حنفي ولد دهاه يكتب حول موضوع رفع الحصانة عن محمد بوي

اثنين, 31/07/2023 - 12:29

أريد أن أتناول مسألة رفع الحصانة عن النائب البرلماني محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل، الذي أثار اليعاسيب من وكناتها، لأقول إنه ينبغي أولاً أن نتبيّن من الفقهاء المعتمدة فتاويهم موقف الدين من نشر الإساءة، وتوصيلها لمن لم تصلهم، حيث لا يتم الغرض من الإساءة دون نشرها، وما لايتم الحرام إلا به فهو حرام.. و على حسن ظننا بأن ”نصرة المصطفى عليه الصلاة و السلام“ هي هدف النائب من مداخلته، فهل تجوز بسب مسلم وقذف محصن، أم أن الأمر أشبه بغسل العَذِرة بالبول؟.. و على فرض أن المقارنة التي لا مجال لها بين سيد الوجود و غيره كانت تخيلا و افتراضاً، فهل تجوز هذه المقارنة أصلاً.. و هل يجوز التندر و المفاكهة و إطلاق الخيال المسرحي عند الحديث عن سيد ولد آدم.. وقد قال العلامة الزين اين اجمد:

 

و لايجوز ذكر خير الخلق// في اللهو واللعب بل بالحق

 

ثم أن البرلمان هو مجال الكلام الواقعي، الرصين، و ليس مكان جموح الخيال و السباحة في الافتراض، لما يتعلق به من سن قوانين و مناقشة اتفاقيات و إقرار صفقات، ومراقبة وتوجيه عمل حكومات..

 

و لا أعتقد أن رفع الحصانة عن نائب أخطأ شاكلة الرمي في انتصاره لسيد الوجود، فنشر الإساءة وقذف وسب و شهّر، يمكنه أن يكون ضرباً لصميم الديمقراطية.. فأين هي الديمقراطية حتى يُضرب صميمها؟.. ألسنا منذ أن قرر ولد الطائع تطبيق ديمقراطيته الزائفة، نعيش وهماً كبيراً، الهدف منه هو تبرير ظلم الحكّام، و استيلائهم على الحكم بالقهر والغلبة.. و حتى على فرض أننا بلد ديمقراطي، توردت خدودنا مما نغذى من زبدتها ونروى به من صريح ألبانها، فإن تطبيق القانون وحده صمام أمانها و ضامن حمايتها و الكفيل بالمحافظة عليها.. ثم أنه ليس للنائب الذي يصوّت على القوانين و يقرّها أن يطالب بتطبيقها على المواطنين و يستثني نفسه من ذلك..

 

‎ يختلف القانون الدولي في حكمه على البرلماني، الذي يهين رئيسًا أو مسؤولًا عموميا آخر، من دولة إلى أخرى؛ وهو اختلاف يعتمد على القوانين المحلية للتشهير وحرية التعبير، فضلاً عن القواعد المتعلقة بالحصانة البرلمانية.ففي بعض الدول تكون إهانة الرئيس أو "صاحب الجلالة" جريمة بالنسبة للبرلماني ، بينما في دول أخرى ، قد تحمي الحصانة البرلمانية النائب من مثل هذه التهم.. و سأورد بعض الأمثلة السريعة:

 

‎الولايات المتحدة : التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة يحمي البرلماني (شيخاً أو نائبا) في عموم تصريحاته ، بما فيها النقد اللاذع الذي يصل حد إهانة الرئيس.

 

‎استراليا: يتمتع البرلمانيون فيها بامتياز كبير، يزيل أي تهديد للسيطرة على حريتهم في التعبير في البرلمان، حتى فيما يتضمن قذفاً و تشهيراً.

 

‎ ألمانيا: قوانين التشهير و السب يمكن أن تنطبق نظريًا على عضو برلماني يهين الرئيس أو أي مسؤول عمومي، مما جعل بعض مثقفيها يُنظر إليها على أنها تتعارض مع أنماط الحماية واسعة النطاق الواردة في القانون الأساسي الألماني لحرية الخطاب السياسي.

 

‎تايلاند: يُجرِّم قانون إهانة الذات الملكية في تايلاند (المادة 112) التشهير أو الإهانة أو التهديد للملك أو الملكة أو ولي العهد بعقوبات تصل السجن لخمسة عشر عاما. و يشمل ذلك البرلمانيين أيضا.

 

‎فالخلاصة أن الحصانة البرلمانية تمنح لحماية المسؤولين المنتخبين من الإجراءات القانونية ولضمان قدرتهم على أداء واجباتهم دون خوف من المضايقة أو الترهيب. ومع ذلك ، هناك حالات يمكن فيها رفع الحصانة البرلمانية ، اعتمادًا على الإطار القانوني الذي يختلف من بلد لآخر. حيث أن تفاصيل الحصانة البرلمانية و العواقب القانونية للتشهير في أي بلد إنما تحددها القوانين واللوائح المحلية. و لعل الأنسب للنائب البرلماني هو الحفاظ على مستوى من اللياقة والاحترام تجاه جميع الأفراد، و من باب أولى رئيس الدولة ، والتعبير بأسلوب رصين عن عدم موافقته على سياساته دون اللجوء للإهانة الشخصية.

 

‎و قد سجلت في الدول عدة حالات لرفع الحصانة البرلمانية من أبرزها:

 

‎. الولايات المتحدة :طرد البرلماني الأمريكي جيه دبليو والش في عام 1861 و في عام 2002 ، طُرد عضو الكونجرس الأمريكي جيمس ترافيكانت من مجلس النواب وتم رفع حصانته للسماح بمقاضاته بتهم الرشوة والابتزاز والتهرب الضريبي.

 

‎ بريطانيا: في عام 2015 ، وافق مجلس العموم البريطاني على قرار مكّن شرطة العاصمة من تفتيش مكتب البرلماني داميان جرين..

 

‎ إيطاليا: واجه رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني عدة محاكمات بينما كان لا يزال يقضي فترة ولايته ،وذلك بسبب ارتكابه جرائم مختلفة من بينها الاحتيال الضريبي و الرشوة ، وقد تم رفع حصانته البرلمانية مرات عدة للتمكين من اتخاذ الإجراءات القضائية.

 

‎فرنسا: رفعت حصانة مارين لوبان ، زعيمة التجمع الوطني الفرنسي (الجبهة الوطنية سابقًا) ، في عام 2017 للسماح بمقاضاتها على تغريدات نشرتها عن عمليات قتل عنيفة على أيدي دواعش.

 

كانت لوبان آنذاك عضوًا في البرلمان الأوروبي ، الذي رفع الحصانة عنها بناءً على طلب المدعين الفرنسيين.

 

‎ ألمانيا: في عام 2019 ، رفع البوندستاغ الألماني الحصانة البرلمانية عن النائب ستيفان براندنر ، للسماح بتنفيذ العقوبة على إدانة جنائية بتهمة التشهير. حيث أن الهيكل القانوني لألمانيا ، يحمي عمومًا البرلمانيين من الملاحقة القضائية بسبب الخطاب السياسي ولكنه لا يعفيهم تمامًا من العقوبات على التشهير والقذف..

 

 

  

        

بحث