الذكرى ال14 لرحيل المناضل الموريتاني "المتمرد"(صورته)

أحد, 11/06/2023 - 11:32

11/6/2023 

الذكرى الرابعة عشرة لرحيل "المتمرد"

 مامادو ديوب (مرتدو) 

 

في قرية وادعة على ضفة النهر تابعة لمقاطعة (امبان) بين بوگي(دبانگُو) وكهيدي وفى أحد صباحات شتاء 1942، رزق شيخ القرية (صمبا بوديل ديوب) بولد سماه بعد أسبوع من ولادته (مامادو).

 أعد النسوة أوانيّ لبن البقر الرائب (كُصَمْ نَمَچِّي) مع أطباق (تاكري) و (لاخْ) و(كرَو) وجاء بوديل صمب للمدعوين بعجل حنيذ.. وحين قرّبه إليهم لم يحتج لقول: ألا تأكلون، لأن القوم طفقوا يأكلون بنهَم فاللحم لا يتوفر كل آن وشيخ القرية لا يرزق بطفل كل يوم.

وفى المساء رقص الناس على أنغام (الگمبره) وأصوات أباش إشغلان(الدَّقمه) لكواز، المعدة للضرب ورفعت الخيل (إيگجولنْ) أرجلها صافنات راقصات ولوّح الرجال بالعمائم والنساء بـ (ميْسوراتهن) واستمر الحفل وتواجد القوم حتى الغروب بين (تيكّاتنْ) ذلك النجع الوديع.

 

تلقى (مامادو) مبادئ الدين باللهجة البولارية فى (امْبانْ)، وفى السابعة أرسل إلى (بوگى) ودخل المدرسة الابتدائية، تنقل بين امبان وبوگي وكيهيدي وسيلبابي ومقامة ودار البركه وتوفندي سيفى و سارا ندوكو وبابابى وامبود.

 

وفى الخمسينيات ذهب لتلقي التعليم الثانوي فى سان لوي بالسنغال وهي حين ذاك عاصمة الغرب الإفريقي.

كانت مدينة سان لوي (اندر) مدينة تنبض بالحياة تجمع بين الأناقة والجمال وروعة الطقس ورغد العيش:

ألْعَيْشُ في لَيْلِ دارَيّا، إذا بَرَدَا :: والرّاحُ نَمزُجُهَا بالمَاءِ مِنْ بَرَدَى

 

يقال إن والده سمّاه "مرتضى" تيامنا باسم شيخه مرتضى حفيد الحاج عمر الفوتي، ثم حُوّرَ الاسم إلى “مرتدو”.

ويقال إن اسمه ممادو، ولقب “مرتدو” التي تعني بالبولارية المتمرد والثائر. (قولانِ).

 

تعرف (مرتدو) على الفكر الأحمر اللينيني حين التحق حدثا وفى بدايات تشكل وعيه السياسي بصفوف الحزب الإفريقي للاستقلال بزعامة الصيدلي (ماكموت ديوب) وهو حزب ماركسي لينيني كان يناضل من أجل الاستقلال والوحدة الإفريقية والاشتراكية بنمطها السوفيتي ومقارعة الرجعية، وكان الحزب يتخذ من (سان لوي) مقرا له.

تحدى أفراد الحزب الرئيس الفرنسي الجنرال (ديگول) إبان زيارته للسينغال 28 سبتمبر 1958 وهتفوا ضده في ساحة الاستقلال بدكار فتم اعتقال بعضهم.

 

رجع مرتدو غداة الاستقلال إلى المنتبذ القصي، وشارك في امتحان أجرته إدارة الجمارك الناشئة لاكتتاب بعض العناصر، وبعد اجتياز الدورة التدريبية تسلم عمله ضابط صف فى إدارة الجمارك وكان الأمين العام لنقابة الجمركيين الموريتانيين.

 وفي مدينة نواذيبُ كان فاعلا فى الاتحاد المحلي للدفاع عن حقوق عمال (ميفرما – MIFERMA) مع إبراهيم ولد حيموده،.

تم اختياره للمشاركة في دورة بالمدرسة الدولية لنقابات مناضلي إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في موسكو من 1966 إلى 1968 مما عمق وعيه الأممي، وتزامن ذلك مع أحداث مايو في فرنسا وأوروبا حيث تحرك آلاف الشباب ضد الرأسمالية والإمبريالية مما أعاد تشكيل وعي الشباب خاصة فبي العالم الثالث لمناهضة الإمبريالية والاستعمار.

 

عام 1973 حصل مرتدو على منحة دراسية لمتابعة الدراسات العليا في القانون الدولي في جامعة (شيفشينكو) فى كييف عاصمة أوكرانيا التي كانت حينها ضمن جمهوريات (الاتحاد السوفياتي)، إلا أن الظروف المناخية القاسية أجبرته على الانتقال إلى فرنسا حيث درس في جامعة باريس الثامنة وجامعة السوربون، العلوم السياسية والتاريخ. وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والماجستير في علم المصريات.

 

ويعد (مرتدو) باحثا في علم الاجتماع، كما أنه شاعر بالفرنسية والبولارية. وكان من أبرز الداعين إلى تعزيز مكانة اللغات الوطنية وكتب عن تهميش الأقليات الزنجية وحقوقها، وقد ألف وترجم عشرات الكتب، كما ترجم بعض معاني القرآن الكريم إلى البولارية، وترجم: نظرية تشكيل الكون منذ الانفجار الكبير، والبحث العلمي والوصول الى معرفة الله، ودور المرأة في المجتمع ، ولمحة موجزة عن تاريخ السود الهالبولار، بالإضافة إلى آلاف المحاضرات.

 

تأثر (مرتدو) بالمفكر وعالم المصريات السنغالي الشهير (الشيخ أنتا ديوب) الذي كتب عن وحدة إفريقيا الثقافية وادعى أن الفراعنة (إفلان) وأن فرعون ذا الأوتاد ما هو إلا رجل من إفلان، وكتب عن الطابع الإفريقي للحضارة المصرية ، و“سرقة” الحضارة الإفريقية من قبل الأوروبيين والأمريكيين.

وقد ترجم مرتدو بعض أعمال الشيخ أنتا جوب واعتبر نفسه وريثه الروحي.

 

يوصف مرتدو بأنه الزعيم الروحي لحركة (افلام) العرقية، ويقول مرتدو:

اليوم تعيش في موريتانيا قوميات يجب أن تتقاسم الثروة الوطنية ، لتحقيق الاستقرار في البلد وأن لايهيمن البيض على السود باستعبادهم وإقصائهم من خلال فرض العربية وتهميش اللغات الوطنية للبولار ، السونينك ، الولوف ، البامبارا وحتى الحسانية التى هي مزيج من البربرية والعربية -حسب مرتدو - يجب أن تدرج ضمن اللغات الوطنية التي تدرس، ولا يجب أن تحجب باللغة العربية التي يحاول من خلالها البظان اختطاف البلد وطمس هويته الوطنية. ويدعو مرتدو إلى تشجيع المساواة بين الثقافات واللغات، وأن تفتح أمامهم وسائل الإعلام بالتساوي (الإذاعة والتلفزيون).

 

كان مرتدو جوب، من ضمن من اعتقل في عهد التجاذب السياسي والعرقي وسنوات الجمر والرصاص في عهد ولد الطايع، وفقد حاسة السمع أثناء تعذيبه بوصفه الزعيم الروحي لحركة (افلام)، وتم إطلاق سراحه لاعتلال صحته فذهب عميد المعارضة الموريتانية كما يسمى طالبا اللجوء السياسي فهاجر أولا إلى روسيا ثم إلى الولايات المتحدة التي انتقل منها إلى فرنسا حيث نشط في السنوات الأخيرة من حكم ولد الطائع في المعارضة السياسية والحقوقية لنظام الأخير.

 

مرتودو مقاتل لايعرف الكلل ناضل من أجل الحرية وتحرير الشعوب. قام بجمع وتنسيق اللاجئين الموريتانيين في السنغال ومالي حيث كان الراعي الرئيسي لتنظيمهم ومنع دمجهم في الخارج وعمل جاهدا من أجل عودتهم للمنتبذ القصي.

وعلق أحد أبناء البظان المسفرين من السنغال ذات مرة بالقول: (آهِ لو أنّ لنا مرتدو حوب، لكنا تجمعنا على الحدود واسترجعنا حقوقنا المنهوبة في السنغال).

 

عاد مرتودو إلى المنتبذ القصي بعد انقلاب 3 أغسطس 2005 الذي أطاح بولد الطائع ونشط في هيئات سياسية محسوبة على الطائفة الزنجية، وساند المرشح (صار إبراهيما) في انتخابات 2007 باسم حركة (التجمع من أجل حوار الوطنيين الموريتانيين)، ثم أعلن مساندة المرشح احمد ولد داداه في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية.

 

وفى 19 أغسطس 2008، أعلن مرتودو جوب انخراطه في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية(FNDD)، المناوئة للانقلاب والداعية إلى عودة الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وأصدر مذكرة ضمنها ما اعتبره مقترحات للخروج من الأزمة وظل عضوا نشطا في الجبهة وحضر رغم مرضه بعض اجتماعاتها (الصورة الرفقة).

وعن موضوع الإرث الإنساني ومحاولة الجنرال عزيز تصفيته من خلال الاعتذار والتعويض والصلاة قال زعيم حركة المعارضة مرتدو جوب:

"إن بعض قادة المجلس الأعلى للدولة الحاكم في موريتانيا متورطون فى جرائم تصفية عرقية ضد المواطنين الزنوج وسنواصل النضال حتى يتم عرض هؤلاء على المحاكمة عاجلا أم آجلا.." .

وقال: (إن هؤلاء لا يمكن أن يعملوا على تسوية هذا المشكل الذي هو مصدر حرج لهم ، ويريدون التغطية عليه بالادعاءات والوعود أو من خلال الانقلاب على السلطة من أجل التستر عليه بشكل نهائي ، لكن إن عاجلا أو آجلا وما لم يعملوا على حل هذا المشكل فسيقدمون للمحكمة الجنائية الدولية كما هو حال كل الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية".

 وقال مرتدو: "إن هناك شروطا لابد منها لتجاوز مشكلة الإرث الإنساني من أبرزها، حسب قوله:

- تعيين لجنة تحقيق لتسليط الضوء والكشف عن كل الجرائم المرتكبة من عهد ولد الطايع حتى عزيز.

- محاكمة كل المتورطين في هذه الأعمال وتعويض كل الضحايا.

- استعادة كل الموظفين لوظائفهم السابقة وكذا العمال المفصولين لأسباب سياسية مع دفع رواتب هؤلاء بشكل كامل.

- استعادة الضحايا لكل ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية ومواشيهم وأموالهم المسلوبة منهم قسرا.

واكد مرتدو انه لا يمكن العفو قبل تسوية هذه المظالم ومحاكمة مرتكبيها.

 

وفى يوم الخميس 11 يونيو 2009 أسلم مرتدو الروح إلى بارئها في المستشفى الوطني بنواكشوط، عن عمر ناهز 67 عاما كانت حافلة بالجدل بين الخصوم والأصدقاء، رحمه الله وتجاوز عنه.

 

كامل الود

 

Sidi Mohamed xy

  

        

بحث