من أروع الرسائل...رسالة عبد الله ولد داداه لحاكم بوتلميت

ثلاثاء, 14/02/2023 - 15:18

ما أعظم هذا !!! 

رسالة الشيخ عبد الله ولد داداه إلى ماسينا ممادو حاكم بوتلميت،

ليست هذه من أساطير الأولين، عرفنا الرجلين، واحدا سماعا، والآخر عيانا...رأيت ماسين ممادو وأنا تلميذ في الإعدادية عندما كان اتحاديا لحزب الشعب في الولاية الخامسة مقيما في ألاك...ثم مراقبا عاما في ثانوية بوكى...

أما الشيخ عبد الله ولد داداه فهو العالم المجدد، كان مدرسة عظيمة، ذاع صيتها في كل مصر وعصر...

 

نص الرسالة:

سلام ورحمة الله وبركاته من الكاتب، إلى سيدنا، ورئيسنا، ومتولي أمورنا ومصلحها، الحاكم ماسينا ممادو، من موجبه إعلامكم أن الفضة التي بعثتم لي مع إمام المسجد أحمد ولد ألفق المصطفى أتتني، وشكرتكم على ذلك، وقد بعثتها لكم لتردوها إلى الوزارة التي أرسلتها لكم، وما رددتها لكم إلا لأني رأيت كثيرا من الأحاديث الصحيحة فيها التحذير والوعيد لمن يأخذ على تعليم القرآن أو العلم شيئا من الدنيا، فأنا أخاف ذلك الوعيد، وقد كنت نويت قبلُ لله أن لا آخذ شيئا من الدنيا في مقابلة تعليم أحد من المسلمين، ولا أقدر أن أنقض تلك النية، ولا أقاس على السادة الذين يُقرئون بأمر من الحكومة، وتعطيهم المال ويأخذونه، فأخذهم للمال ليس في مقابلة التعليم، حاشاهم من ذلك، وإنما هو في مقابلة حبس الحكومة لهم عن تصرفهم في طلب معاش من يلزمهم، وأنا لست محبوسا، ولا أعمل للحكومة، فبأي سبب آخذ مالها؟ أسأل الله أن ينصرها، ويسددها ويعينها، ويخذل أعداءها، فأطلب من سيادتكم أيها السيد أن تقبلوا مني عذري، وتعتذر عني للوزارة التي أرسلت الفضة، وأنت أدرى بما تقول لهم، وما كنت أحب أن أصرح بعذري، لما فيه من شبه تزكية للنفس، لكن ظننت أو تحققت أني يجب علي أن أقوله، مخافة أن تظنوا أني رددت تكرمتكم من غير عذر..

وكتب عبد الله ولد داداه

سادس المحرم عام 1394 هجرية.

 

ملاحظات...

دخل الشيخ من باب السلام استئذانا على الحاكم، خلع عليه حللا ضافيات من التعظيم، والتفخيم، جاء ذلك في خمس صفات متتاليات: سيدنا، رئيسنا، متولي أمورنا، مصلحها، الحاكم... وقد رأى فيه ممثل السلطان الأكبر الذي يقوم مقام أمير المؤمنين، دون شعور بغضاضة، ولا ضعف، وذلك دليل جليل علم، ودقيق فقه، و صحيح فهم، وعظيم تواضع...

 

جاء تبرير الخطاب برسالة الوزارة، فهو رد وليس مبادرة، وذكر حاملها بالاسم، وأظهر أمانته بقوله إنه أوصلها...

عبر الشيخ عما يقتضيه الفعل وهو الشكر أولا، ثم الموقف وهو رد الفضة إلى الوزارة عبر السلم الذي وصلت منه...وقدم المبرر بالشرع ووعيد القابلين بالمقابلة، والعهد بامتناعه عن أخذ المقابل...

وإغلاقا لباب القياس بيّن الشيخ أن الذين يأخذون المال مقابل تعليمهم معذورون بالحبس عن العمل، والتعطيل عن طلب الرزق، أما هو فحر، غير معطل ولا محبوس بخدمة، فبأي حق يأخذ مال الحكومة..

ومن كريم خلقه أنه نزه أولئك (حاشاهم)، والتمس لهم العذر..

جاءت خاتمة الرسالة تأكيدا لما جاء في أولها: طلب الشيخ من الحاكم قبول عذره، ورد الفضة إلى الوزارة التي أرسلتها، وتفويضه تقديم العذر والاعتذار للحكومة وفي ذلك إجلال آخر للحاكم...ولم ينس الشيخ أن ينبه على تردده في سرد أعذاره خشية تزكية النفس، لكنه رأى رد وهْم الحكومة المحتمل برفض معروفها آكد لأنه إن حصل دليل على موقف سلبي منها...

غلب على الرسالة أسلوب التلطف، والالتماس، وتوقير الحاكم، والدعاء للحكومة بالنصر، وهو أسلوب يسبق، ويتخلل، وينتهي به كل خطاب فيه التماس لمنفعة، أي أنه من أساليب التزلف، وابتغاء الوسيلة إلى السلاطين، لكن شيخنا فخم، والتمس، وطلب، وترجى، واستعطف، ودعا، كأنه يريد دفع شر، ورد خطر، والعون على نائبة، ليتبين عكس ما أوحى به الأسلوب، فعل الشيخ كل هذا ليتخلص من مال وصله من الدولة في إجراء عام، فلم يجد مسوغا لقبوله...

رحم الله الشيخ عبد الله ولد داده، من يفري فريه؟..

 

من صفحة الاستاذ/ المرتضى محمد أشفاق على الفيسبوك

  

        

بحث